مقا - أخر: أصل واحد إليه ترجع فروعه، وهو خلاف التقدّم، والأخر نقيض القدم. والآخر نقيض المتقدّم.
مصبا - قال أبو عبيد: مؤخر العين، الأجود فيه التخفيف، ومؤخّر كلّ شيء خلاف مقدّمه، وأخّرته ضدّ قدّمته، فتأخر، والأخر وزان فرج بمعنى المطرود المبعد. والأخير والآخر خلاف الأوّل، والأنثى آخرة. والآخر بالفتح: بمعنى الواحد ووزنه أفعل والأنثى أخرى بمعنى الواحدة أيضًا، ويجمع الآخر لغير العاقل على الأواخر، وإذا وقع صفة للجمع غير العاقل أو حالاً أو خبرًا له: جاز أن يجمع جمع المذكّر أو جمع المؤنث وأن يعامل معاملة المفرد المؤنّث لأنّه غير عاقل، فيقال الأيّام الأفاضل باعتبار الواحد المذكّر، والفضليات والفضل إجراء له مجرى جمع المؤنّث لأنّه غير عاقل، والفضلى إجراء له مجرى الواحدة، وجمع الأخرى أخريات وأخر.
كليا - الآخر مقابل الأوّل، وهو اسم لفرد لا حق لمن تقدّمه ولم يتعقّبه مثله، يجمع على آخرين وتأنيثه بالتاء لا غير، ورجل آخر معناه أشدّ تأخّرًا، ثمّ أجرى مجرى غيره، ومدلول الآخر خاصّ بجنس ما تقدّمه بخلاف غير، فإنّها تقع على المغايرة مطلقًا في جنس أو صفة، وأخر جمع أخرى، وإنّما لم ينصرف لأنّه وصف معدول عن الأخر (أي مع اللام)، والقياس أن يعرّف إلّا أنّه في معنى المعرّف، وليس في القرآن من الألفاظ المعدولة الّا ألفاظ العدد - {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء : 3]. ومن غيرها {طُوًى} [طه : 12]. ومن الصفات أخر، {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران : 7]. والآخرة وكذا الدنيا مع كونهما من الصفات الغالبة قد جرتا مجرى الأسماء، إذ قلّما يذكر معهما موصوفهما.
لسا - قال الزجّاج في قوله - {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [ص : 58]: وآخر لا ينصرف لأنّ وحدانها لا تنصرف مثل كبر وصغر، وكذلك كلّ جمع على فعل لا ينصرف إذا كانت وحدانها لا تنصرف. وإذ كان فعل جمعًا لفعلة فإنّه ينصرف نحو سترة وستر، وإذا كان فعل اسمًا مصروفًا عن فاعل لم ينصرف في المعرفة وينصرف في النكرة. وأخرّته فتأخّر، واستأخر: كتأخّر، وفي التنزيل - {لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف : 34] ... {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} [الحجر : 24].
التحقيق
أنّ الأصل في هذه المادّة: هو التأخّر وهو ما يقابل التقدّم. واختلاف المعاني في مشتقّاتها ليس إلّا من جهة اختلاف الصيغ والهيئات فقط. فآخر كفاعل، وأخير كفعيل، وأخر كحسن، والآخر كأفعل، وأخرى كفعلي، وأخر جمع أخرى كصغرى وصغر وكبرى وكبر، وتفصيل عدم انصراف آخر مذكور في الكتب النحويّة. وإطلاق أخر على المطرود من جهة تأخّره عن مقامه. والظاهر أنّ صيغ الفعل المجرّد وكذا باب الإفعال من هذه المادّة غير مستعملة، ولم نر صيغة على وزانها.
{خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} [التوبة : 102] ... {يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الحجر : 96]... {أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون : 14].... {وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ} [يوسف : 36]... {وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ} [المائدة : 27].
فذكر هذه الكلمة (آخر) في هذه الموارد يشير إلى زيادة التأخّر فيها رتبة، كما في الآيتين الأوليين. أو تكوّنا ومن جهة شدّة الامتياز والفصل، كما في الآية الثالثة، أو من جهة خصوصيّات ظاهريّة كما في الأخيرتين. وهذا المعنى محفوظ في صيغ التأنيث والتثنيّة والجمع منها - {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة : 106]. إشارة إلى زيادة تأخّر رتبة من ليس بعادل وانحطاط مقامه بالنسبة إلى العادل.
{ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ} [المائدة : 107]... {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ} [المزمل : 20]. التأخّر في هاتين الآيتين في جهة الارتفاع والعلوّ. {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا} [التوبة : 102] - التأخّر من جهة الانحطاط في الرتبة.
وقد يكون التأخّر في الزمان: كما في - {ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [المؤمنون : 31]... {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة : 3]. وقد يكون التأخّر من جهة مجرّد الارتباط والنسبة: كما في - {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام : 164]... {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه : 18]... {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران : 7] {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ} [الزمر : 68].
والآخر: كفاعل، بمعنى المتأخّر المطلق بالنسبة إلى ما قبله، وهذا المعنى محفوظ في جميع موارد استعماله كما في - اليوم الآخر- بالنسبة إلى يوم الدنيا المتقدّم.
{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} [يونس : 10]. بالنسبة إلى قولهم أوّلاً - {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ} [يونس : 10]، وإشارة إلى كونهم شاكرين حامدين راضين ما داموا في الجنّة. {عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} [المائدة : 114]. أي لمبتدأ حياتنا وبقيّتها ما داموا في الدنيا. {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد : 3]. أي هو البدء في عالم الوجود والمتأخّر المطلق أي ما يكون بعده، فلا فصل بين الأوّل والآخر كالنقيضين، فالآخر يشمل جميع المراحل لما بعد الأوّل، كما أنّ الباطن في مقابل الظاهر ويشمل جميع المراحل والمراتب الّتي هي دون الظاهر. فلا يطلق الآخر [بصيغة أفعل التفضيل] على اللّه المتعال، إذ لا معنى لكونه أشدّ تأخّرًا.
وأيضًا لا يستعمل اسم الآخر إلّا مع اسم الأوّل، فإنّه يدلّ على امتداد مفهوم الوجود فيما بعد الأوّل، فهو مفهوم إضافي، كما أنّ الباطن له مفهوم إضافيّ في مقابل الظاهر. والآخرة: مؤنّث الآخر، وقد ذكرت في تسعة موارد في القرآن الكريم، مقيّدة بالدار، صفة أو مضافة إليها. {إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ} [البقرة : 94]... {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت : 64]... {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ} [يوسف : 109].
وفي مورد واحد مقيّدة بالنشأة - {يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} [العنكبوت : 20]. وفي خمسة موارد مقابلة بالأوّلى - {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} [النازعات : 25]... {فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى} [النجم : 25]. وفي ثمانية وأربعين موردًا مقابلة بالدنيا- {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [البقرة : 217]... {فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ} [البقرة : 201]... {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} [الإسراء : 72]... {اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} [البقرة : 86].
وقد ذكر الآخر مذكّرًا صفة لليوم في ستّة وعشرين موردًا - {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة : 8]... {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب : 21].
فظهر أنّ معنى الآخر والآخرة: هو المراحل المتأخّرة والمنازل المتعقّبة بعد انقضاء أيّام الدنيا، فيعبّر عنها بالدار الآخرة والنشأة الآخرة واليوم الآخر والآخرة (المطلقة) فالآخرة ممتدّة في طول الحياة الدنيا، فتشمل مرحلة القبر والبرزخ والحشر والنشر والحساب والجنّة والجحيم وغيرها.
وممّا قلنا يظهر لطف التعبير بهذه الكلمة دون كلمة الآخر بالفتح أو كلمة الأخرى: فإنّ الواقع والحقّ اتّصال مرحلة تلك الدار بالحياة الدنيا وترتّبها عليها من دون فصل، فلا معنى في التعبير بصيغة أفعل الدالّة على البعد والفصل، وهذا من إعجاز كتاب اللّه المبين.
وأمّا الفرق بين التأخّر والاستيخار في قولهم - أخّرته فتأخّر واستأخر: فالتأخّر للمطاوعة الصرفة، وفي الاستيخار مضافة إلى المطاوعة: دلالة على الطلب المكنون في باطنه، فكأنّه يحبّ الاستيخار قبل أن يتأخّر. {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} [الحجر : 24]. أي من كان يحبّ التقدّم ويطلبه ثمّ تقدّم، ومن كان يحبّ التأخّر وتأخّر.
{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل : 61]. أي لا يتأخّرون ولا يتقدّمون ولا يوجد منهم ميل أو طلب الى التأخّر والتقدّم أيضًا، وهذا التعبير يدلّ على كمال اللطف والرحمة من اللّه المتعال بحيث لا يبقى حين حلول الأجل اقتضاء في تقدّمه وتأخّره حتّى يوجب الطلب والميل إلى خلافه.
{مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} [الحجر : 5]. إشارة إلى كمال النظم ونهاية التدبير في خلق اللّه تعالى بحيث لا يمكن السبق فيها ولا طلب التأخير منهم بأي سبب كان.
___________
السيد محمد حسين الطهراني
محمود حيدر
عدنان الحاجي
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ علي رضا بناهيان
السيد عبد الحسين دستغيب
الشيخ محمد مهدي النراقي
الشيخ محمد صنقور
السيد جعفر مرتضى
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
مَن أحبّ شيئًا لهج بذكره
(المهدوية، جدليّة الإيمان والمواجهة في الفكر العالميّ والضّمير الإنسانيّ) جديد الكاتب مجتبى السادة
وحيانيّة الفلسفة في الحكمة المتعالية (2)
الأطفال يبدأون التفكير منطقيًّا أبكر مما كان يعتقد
وقوع المجاز في القرآن (2)
سيكولوجية الكفر
المسلّمي يدشّن كتابه الجديد: (آداب المجالس الحسينيّة)
زكي السالم: (معارض الكتاب بين فشخرة الزّائرين ونفخرة المؤلّفين)
لا تجعل في قلبك غلّاً
قانون معرفة الفضائل الكلي