
قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} [فصلت: 53، 54].
الآية الأولى تتحدث عن التوحيد (أو القرآن) ، والثانية عن المعاد. يقول تعالى : {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}.
«آيات الآفاق» تشمل خلق الشمس والقمر والنجوم والنظام الدقيق الذي يحكمها، وخلق أنواع الأحياء والنباتات والجبال والبحار وما فيها من عجائب وأسرار لا تعد ولا تحصى، وما في عالم الأحياء من عجائب لا تنتهي، إنّ كلّ هذه الآيات هي دليل على التوحيد وعلى وجود الله.
أمّا «الآيات النفسية» مثل خلق أجهزة جسم الإنسان، والنظام المحير الذي يتحكم بالمخ وحركات القلب المنتظمة والشرايين والعظام والخلايا، وانعقاد النطفة ونمو الجنين في ظلمات الرحم. ثمّ أسرار الروح العجيبة. إنّ كلّ ذلك هي كتاب مفتوح لمعرفة الإله الخالق العظيم.
صحيح أنّ هذه الآيات قد طرقت سابقاً بمقدار كاف من قبل الله تعالى، إلاّ أنّ هذه العملية والإراءة مستمرة، لأنّ (سَنُرِيهِمْ) فعل مضارع يدل على الاستمرار، وإذا عاش الإنسان مئات الآلاف من السنين، فسوف تنكشف لهُ في كلّ زمان علامات وآيات إلهية جديدة، لأنّ أسرار العالم لا تنتهي.
إنّ كافة كتب وبحوث العلوم الطبيعية وما يتصل بمعرفة الإنسان في أبعاده المختلفة (التشريح، فسلجة الأعضاء، علم النفس، والتحليل النفسي) وكذلك العلوم التي تختص بمعرفة النباتات والحيوانات والهيئة والطبيعة وغير ذلك، تعتبر في الواقع كتباً وبحوثاً في التوحيد ومعرفة الخالق (جلّ وعلا) لأنّها عادةً ما ترفع الحجب عن الأسرار العجيبة لتبيّن قدراً من حكمة الخالق العظيم، وقدرته الأزلية، وعلمه الذي أحاط بكل شيء.
أحياناً يستحوذ علم واحد من هذه العلوم، بل فرع من فروعه المتعدّدة على اهتمام عالم من العلماء فيصرف عمره في سبيله، وفي النهاية يقرّر قائلاً: مع الأسف ما زلت لا أعرف شيئاً عن هذا الموضوع، وما علمتهُ لحد الآن تجعلني أغوص أكثر في أعماق جهلي.
نعود الآن إلى الآية التي تنتهي بجملة ذات مغزى حيث يقول تعالى : {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (1).
وهل هناك شهادة أفضل وأعظم من هذه التي كتبت بخط القدرة التكوينية على ناصية جميع الكائنات، على أوراق الشجر، في الأوراد والزهور، وبين طبقات المخ العجيبة، وعلى الأغشية الرقيقة للعين، وفي آفاق السماء وبواطن الأرض، وفي كلّ شيء من الوجود تجد أثراً يدل على الخالق، وشهادة تكوينية على وحدانيته وقدرته وحكمته وعلمه (سبحانه وتعالى).
إنّ ما قلناه أعلاه هو أحد التّفسيرين المعروفين للآية، اذ بناء على هذا التّفسير فإن الآية بجميعها تتحدث عن قضية التوحيد، وتجلّي آيات الحق في الآفاق والأنفس.
أما التّفسير الثّاني فيذهب إلى قضية إعجاز القرآن، وخلاصته أنّ الله يريد أن يقول: لقد عرضنا معجزاتنا ودلائلنا المختلفة لا في جزيرة العرب وحسب، وإنّما في نواحي العالم المختلفة، وفي هؤلاء المشركين أنفسهم، حتى يعلموا بأنّ هذا القرآن على حق.
فمن آيات الآفاق ما تمثَّل بانتصار الإسلام في ميادين الحرب المختلفة، وفي ميدان المواجهة الفكرية والمنطقية، ثمّ انتصاره في المناطق التي فتحها وحكم فيها على أفكار الناس.
ثم إنّ نفس المجموعة من المسلمين التي كانت في مكّة، كيف يسَّر الله لها أمرها بالهجرة، ثمّ انطلقت إلى بقاع الدنيا، لتدين لدينها الشعوب في مناطق واسعة من العالم ورفع راية الإسلام.
ومن آيات الأنفس ما تمثل في انتصار المسلمين على مشركي مكّة في معركة بدر، وفي يوم فتح مكّة، ونفوذ نور الإسلام إلى قلوب العديد منهم.
إنّ هذه الآيات الآفاقية والأنفسية اثبتت أنّ القرآن على حق. وهكذا فإنّ الخالق العظيم الذي يشهد على كلّ شيء، شهد أيضاً على حقانية القرآن عن هذا الطريق.
وبالرغم من أنّ لكل واحد من هذين التّفسيرين قرائن وأدلة ترجحهُ، إلاّ أن التأمل في نهاية الآية والآية التي تليها يكشف عن رجاحة التّفسير الأوّل (2).
___________________
1- ذهب الكثير من المفسّرين إلى أنّ «الباء» زائدة و«ربك» تقوم مقام الفاعل. وجملة «أنّه على كلّ شيء شهيد» «بدل» ذلك، والمعنى يكون هكذا: «أولم يكفهم أن ربّك على كلّ شيء شهيد».
2- التّفسير الأوّل لهُ أربعة مرجحات هي:
أولاً: إنّ أكثر ما تؤّكد عليه الآيات هو قضية التوحيد وأدلته.
ثانياً: إنّ تعبيري «آفاق وأنفس» أكثر تناسباً مع آيات التوحيد.
ثالثاً: تشير نهاية الآية في قوله تعالى: (أولم يكف بربّك أنّه على كلّ شيء شهيد) إلى قضية التوحيد، وشهادة الله التكوينية على حقانية ذاته المنزَّهة.
رابعاً: الآية التي تليها تتحدث عن المعاد، ونحن نعرف أنّ المبدأ والمعاد غالباً ما يقترن أحدهما بالآخر.
أما التّفسير الأوّل فلهُ ثلاثة مرجحات هي:
أوّلاً: إنّ ضمير «إنّه» مفرد للغائب، في حين أنّ ضمير «آياتنا» مُتكلّم مع الغير، وهذه إشارة إلى أنّ كلّ ضمير من الضميرين يختص بمتابعة موضوع خاص.
ثانياً: إنّ الآية السابقة كانت حول القرآن بالخصوص.
ثالثاً: إن جملة «سنريهم» التي هي فعل مضارع للاستمرار، تفيد هذا المعنى بالذات.
سبيل غلبة العقل على النفس
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ
الشيخ محمد جواد مغنية
أهميّة المداراة وخطورة المداهنة
الشيخ محمد مصباح يزدي
في رحاب بقية الله: ليمكّننّ له الدين
الشيخ معين دقيق العاملي
كيف تنمّي الشخصية الأخلاقية في طفلك؟
عدنان الحاجي
معنى (قضى) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
النّفاق والتّظاهر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حياتنا بين البخل والترف
الشيخ حسين مظاهري
التمهيد إلى ميتافيزيقا إسلاميّة بَعديّة (4)
محمود حيدر
ما الذي ينقصنا في عصر المعرفة؟
السيد عباس نور الدين
السيدة الزهراء: وداع في عتمة الظلمات
حسين حسن آل جامع
واشٍ في صورة حفيد
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
ستّ طرق لاستخدام القلق كمصدر للنّمو
سبيل غلبة العقل على النفس
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ
أهميّة المداراة وخطورة المداهنة
في رحاب بقية الله: ليمكّننّ له الدين
كيف تنمّي الشخصية الأخلاقية في طفلك؟
القصيدة بين الذّات والآخر، أمسية شعريّة للشّاعر حسين اللّويم
الجزء الثّاني من كتاب الشّاعر والرّادود عبدالشهيد الثور: (قضايا مأتميّة)
هل البكتيريا تأكل البلاستيك حقًّا؟
هل حان الوقت لتصنيف مرض الزهايمر على أنه مرض السكري من النوع الثالث؟