قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ حسن المصطفوي
عن الكاتب :
من علماء إيران المعاصرين، ولد سنة 1336هـ وتوفي يوم الإثنين 20 جمادي الأولى 1426 هـ عن تسعين سنة، حاصل على شهادة الدكتوراه من كلية الالهيات في تبريز ( المعقول والمنقول). له مؤلفات عديدة منها: rn(التحقيق في كلمات القرآن).

معنى (سلسل) في القرآن الكريم

‌الجمهرة 1/ 151- السلسلة: اتّصال الشي‌ء بالشي‌ء، وبه سمّيت سلسلة الحديد وسلسلة الرمل، والسلسلة من البرق: المستطيلة في عرض السحاب. وماء سلسل وسلسال وسلاسل إذا كان صافيًا.

 

الاشتقاق 387- والسلسلة: كلّ ما تسلسل من شي‌ء. تسلسل البرق إذا استطال في عرض السماء. وماء سلسل وسلسال إذا كان سهل المزدرد (الابتلاع). وسلاسل الرمل: قطع تستطيل وتتداخل.

 

التهذيب 12/ 294- وقال الليث: هو السلسل وهو الماء العذب الصافي الّذي إذا شرب تسلسل في الحلق، والماء إذا جرى في صبب أو حدور تسلسل.

 

والسلسلة: معروفة. وبرق ذو سلاسل، ورمل ذو سلاسل، وهو تسلسله الّذي يرى في التوائه. عن الأصمعيّ: السلاسل رمل يتعقّد بعضه على بعض. وعن ابن الأعرابيّ: البرق المسلسل الّذي يتسلسل في أعاليه ولا يكاد يخلف.

 

التحقيق

 

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو استطالة في اتّصال أجزاء أو ارتباط حلقات مع انتظام والتواء وسلاسة. يقال: تسلسل الماء، وسلسلة البرق الظاهر في السحاب، وسلسلة الرمل المستطيلة المتداخلة، وماء سلسل عذب في الحلق.

 

ويلاحظ في السلسلة: كون شي‌ء مستطيلاً في انتظام وارتباط بين أجزائه. وأمّا الغلّ: فهو ما يوجب محدوديّة وتقيّدًا. {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا} [الإنسان : 4]. فالسلاسل: شعب مستطيلة مرتبطة في أنفسها تكون متعلّقة للإنسان تجرّه وتحرّكه إلى ما تريد.

 

والأغلال: كلما يقيّد ويجعل الإنسان محدودًا ومحصورًا لا يستطيع سيرا ولا حركة. والسعير: هو الحرارة الشديدة تعذّب الإنسان في أيّ حالة وفي أيّ محيط ومحدوديّة.

 

هذا بحسب الظاهر. وأمّا بحسب الباطن والحقيقة الواسعة: فالسلاسل: عبارة عن الشهوات والتمايلات النفسانيّة والبرنامج المادّيّ الدنيويّ المنبسط في شعب متنوّعة حيوانيّة، فتكون سلاسل لصاحبها تمنع عن السير إلى خلافها والسلوك إلى سبيل الحقّ والفلاح.

 

وأمّا الأغلال: فهي عبارة عن العلائق والتقيّدات المادّيّة الدنيويّة من المال والعنوان والأهل والشهرة وغيرها، تجعل الإنسان محدودا مقيّدًا لا يتمكّن من إطلاق نفسه وتحصيل سعادته.

 

وأمّا السعير: وهو ما يتجسّم من الأعمال الفاسدة والحركات الشنيعة والمعاصي وما يخالف مقام العبوديّة والحقوق الانسانيّة - {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} [القمر : 47].

 

{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} [الحاقة: 25].... {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} [الحاقة : 32 ، 33].

 

قلنا إنّ السلاسل عبارة عن برنامج التمايلات والشهوات النفسانيّة، ومرجع هذا المعنى إلى التوجّه بالحياة الدنيا والتمايل إلى تأمين القوى البدنيّة الجسمانيّة.

 

ولمّا كان اليمين مظهرًا للتوجّه وظهور القوّة والاستطاعة طبعًا، كما أنّ اليسار على خلاف ذلك، فإنّ الإنسان بالطبع لا يتوجّه أوّلًاإالى جانب اليسار ولا يريد في مقام إظهار القوّة والقدرة وفي الحاجة إلى الدفاع، أن يتوسل ابتداء وبالفطرة إلى يساره، فهو متأخّر دائمًا ومتخلّف بالطبع عن اليمين: فيناسب هذا المعنى أن يعبّر عالم الروحانيّة للإنسان باليمين، وعالم الجسمانيّة والبدن باليسار، فإنّ جهة الروح في أمام الإنسان وفيما بين أيديه، ولازم له أن يسلك إلى هذه الجهة، وهو طريق الهدى وسبيل النجاة والصلاح والسعادة والكمال.

 

وأمّا جهة الجسمانيّة: فإنّها في جهة الخلف والمؤخّر للإنسان، ولازم له أن يجعل هذه الجهة وراء ظهره، ولا تكون الدنيا وجهة في حياته وسلوكه.

 

وإيتاء الكتاب بالشمال: عبارة عن أخذ برنامج للحياة الدنيا، بأن يسير إلى هذه الجهة ويجعلها أمام قصده وسلوكه، ويتّبع عن تمايلاته النفسانيّة وشهواته الجسمانيّة والتحرّك على وفق القوى البدنيّة. فالكتاب هو البرنامج وما يضبط ويقدّر ويعيّن للعمل والسير.

 

وهذا التوجّه إلى الحياة الدنيا وأخذ برنامجها: هو المتجسّم بالسلاسل والمتظاهر في عالم الآخرة بها، وعلى هذا عبّر في المورد بها.

 

ثمّ إنّ أخذ هذا البرنامج واختيار مسير الحياة الدنيا: هو القدم الأوّل والمرحلة الابتدائيّة من السير القهقرائيّ للإنسان. وإذا تثبّت في هذه المرحلة وتحقّق العمل بالبرنامج: تحصّل له التقيّد والتعلّق به، وهذا هو مرحلة الاستقرار تحت قيود الأغلال. ثمّ إذا تحقّق هذا التعلّق والمحدوديّة: يتظاهر آثاره في ظواهره وفي أعضائه وجوارحه، بصورة الخلاف والعصيان والكفران والعدوان، وهذا هو مرحلة النار والسعير.

 

فيظهر أنّ العصيان هو أعلى مرتبة التخلّف والإعراض، وأتمّ مرحلة في السير القهقرائيّ للإنسان، ومن يرى منه العصيان فهو متجاوز حدّ السلاسل والأغلال، ومتوغّل في الخلاف والعدوان.. {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ} [غافر : 71 ، 72].

 

أي إنّ التعلّقات الدنيويّة تكون بصورة أغلال في أعناقهم تقيّدهم فلا‌ يتمكّنوا من الحركة والتحوّل والتقلّب، ثمّ يسحبون ويجرّون بالسلاسل في الحميم.

 

فالسلاسل مبتدأ خبره قوله يسحبون بها، والضمير محذوف لكونه معلومًا ولنظم آخر الآية. ولمّا كان البرنامج منهاج السير والعمل على طبقه، والعمل على ذاك المنهاج يسوق إلى العصيان وينتهي إلى النار: فعبّر في المورد بقوله تعالى: {يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ}.

 

ولا يصحّ عطف السلاسل على الأغلال: فإنّ السلاسل صورة البرنامج وعبارة عن حقيقة المنهاج المتّخذ للسير، وهذا المعنى لا يناسب أن تعلّق في الأعناق، بل يناسب السحب والجرّ في محلّ المنهاج.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد