قرآنيات

فضل القرآن

 

عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال:

"يَا سَعْدُ تَعلَّموا القرآنَ فإنَّ القرآن يأتي يومَ القيامةِ في أحسنِ صورةٍ نَظَرَ إليها الخلقُ والنّاسُ صُفوفٌ، عشرونَ ومائةُ ألفِ صفٍّ، ثمانونَ ألفَ صفٍّ أُمَّةُ مُحمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم وأربعونَ ألفَ صفٍّ من سائر الأُمم، فيأتي على صَفِّ المُسلمينَ في صورةِ رجلٍ فيُسلِّم فيَنظرونَ إليه".

ثمَّ يقولونَ: "لا إلهَ إلّا الله الحليمُ الكريمُ، إنّ هذا الرجلَ من المُسلمينَ نَعرفُهُ بِنَعتِه وصِفَتهِ غيرَ أنَّه كانَ أشدَّ اجتهاداً منّا في القرآنِ فمِنْ هناكَ أُعطِيَ من البهاءِ والجمالِ والنّورِ ما لَمْ نُعْطَه. ثمَّ يتجاوزُ حتى يأتي على صَفِّ الشهداء فيَنظرُ إليه الشهدَاءُ".

ثمَّ يقولونَ: "لا إلهَ إلّا اللهُ الربُّ الرحيمُ، إنّ هذا الرجلَ من الشهدَاءِ نَعرفُهُ بِسِمَتِه وصِفَتِه غيرَ أنَّه من شهداءِ البَحْرِ فمِن هناكَ أُعطِيَ من البَهاءِ والفضلِ ما لَمْ نُعْطَه. قال: فيجاوزُ حتىَ يأتي صَفَّ شهداءِ البَحْرِ فيَكثُرُ تَعَجُّبُهُم، ويقولونَ إنّ هذا من شهداءِ البَحْر نَعرفُهُ بِسِمَتِه وصِفَتِه غيرَ أنّ الجزيرةَ التي أُصيبَ فيها كانت أعظمَ هَوْلاً من الجزيرةِ التي أُصِبْنا فيها، فمِن هنالكَ أُعطِيَ من البهاءِ والجمالِ، والنّور ما لَمْ نُعْطَه.

ثمَّ يجاوزُ حتى يأتي صَفَّ النَّبييِّنَ والمُرْسَلينَ في صورةِ نبيٍّ مُرسَلٍ فيَنظرُ النَّبيُّونَ والمُرسَلونَ إليه فيَشتدُّ لذلك تَعَجُّبُهُم ويقولونَ: لا إلهَ إلّا اللهُ الحليمُ الكريمُ إنّ هذا النبيَّ مُرسلٌ نَعرفُهُ بِصِفَتِه وسِمَتِه غيرَ أنّه أُعطيَ فَضلاً كثيراً" قال: "فَيجتمعونَ فيأتونَ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم فيسألونَه ويقولونَ يا مُحمَّد مَنْ هذا"؟ فيقول لهم: "أَوَ مَا تَعرفُونَه"؟ فَيقولونَ: مَا نَعرفُهُ هَذا ممَّنْ لَمْ يَغضَبِ اللهُ عليه فيقولُ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم "هذا حُجَّةُ اللهِ على خَلْقِه فَيُسَلِّمُ ثمَّ يجاوزُ حتى يأتي على صَفِّ الملائِكَةِ في صورةِ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ فيَنظرُ إليه الملائكةُ فَيَشتدُّ تَعَجُّبُهُم ويُكْبُرُ ذلك عَليهم لِمَا رأَوْا مِنْ فَضْلِه ويقولونَ تعالىَ ربُّنا وتَقدَّس إنّ هذا العبدَ مِنْ المَلائكةِ نَعْرفُهُ بِسِمَتِه وَوَصْفِه غيرَ أنّه كانَ أقربَ المَلائكةِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ مَقاماً فَمِنْ هناكَ أُلبِسَ من النّورِ والجَمالِ مَاْ لَمْ نَلْبِس".

ثمَّ يُجاوزُ حتى يَنتهيِ إلى ربِّ العِزَّةِ تَباركَ وتَعالىَ فيَخِرُّ تَحتَ العرشِ فيُناديِه تَباركَ وتعالىَ: "يا حُجَّتي في الأرضِ وكلاميِ الصَّادق النّاطقِ، ارفع رأسَك وسَلْ تُعْطَ، واشْفَعْ تُشَفَّع فَيَرْفعُ رأسَه فيقولُ الله تباركَ وتَعَالىَ كيفَ رأيتَ عباديِ؟ فيقولُ يا ربّ مِنهم من صَانَنيِ وحَافَظَ علىَّ ولَمْ يُضيِّع شيئاً، ومِنهم مَنْ ضَيَّعني واسْتَخفَّ بِحقِّي وكَذَّبَ بي، وأنا حُجَّتُكَ علىَ جميعِ خَلْقِكَ فيقولُ اللهُ تبَارَكَ وتَعَالىَ: وَعِزَّتي وَجَلالي وارتِفاعِ مَكاني لأُثيبنَّ عليكَ اليومَ أحسنَ الثوابِ، ولأُعَاقِبنَّ عليكَ اليومَ أليمَ العِقابِ"

قالَ: فيرفعُ القرآنُ رأسَه في صورةٍ أُخرى. قال: فقلتُ له: "يا أبَا جعفرٍ في أيِّ صورةٍ يَرجعُ"؟ قالَ عليه السلام: "في صورةِ رجلٍ شَاحِبٍ مُتَغيِّرٍ يُنْكِرُه أهلُ الجمْعِ فيأتيِ الرَّجلُ مِنْ شِيعَتِنا الذي كانَ يَعرفُه ويُجادِلُ به أهلَ الخِلافِ فيقومُ به بينَ يَديه" فيقولُ: مَا تعرفُنيِ ؟ فيقولُ نعم فيقولُ القرآنُ: "أنا الذي أَسهرتُ لَيْلكَ وأَنْصَبْتُ عَيْشَكَ، وَفيَّ سَمِعتَ الأذىَ، ورُجِمتَ بالقول، أَلا وإنَّ كلَّ تاجرٍ قَدْ اسْتَوفىَ تِجارتَه وأنا وَرَاءَكَ اليومَ".

 قال: "فَينطلقُ به إلى ربِّ العِزَّة تَباركَ وتعالىَ" فيقولُ: "يا ربِّ عَبدُكَ وأنتَ أَعلمُ به قَدْ كانَ نَصِباً بي مُواظِباً عليَّ، يُعاديِ بِسَببيِ ويُحبُّ فيَّ ويُبغِضُ"، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: "أَدخِلوا عَبْديِ جَنَّتيِ واكْسُوهُ حُلَّةً مِن حُلَلِ الجنَّة، وَتَوِّجُوه بتاجٍ، فإذا فُعِلَ ذلكَ به عُرِضَ علىَ القرآن" فيُقالُ له: "هَلْ رَضِيتَ بما صُنِعَ بِوَليِّكَ"؟ فيقولُ، "يا ربِّ إنِّي أَسْتَقلُّ هذا له فَزِدهُ مَزيدَ الخَيْرِ كلِّه".

فيقولُ: "وعزَّتي، وجلالي، وَعُلُوِّي، وَارْتِفَاعِ مَكاني لأَنْحَلَنَّ له اليوم خَمْسةَ أشياءٍ مع المَزيدِ لَه وَلِمَن كانَ بِمنزِلَتِه، أَلَا إنَّهُم شَبَابٌ لا يَهْرَمُونَ، وَأَصِحَّاءُ لا يَسْقُمُونَ، وَأغْنِياءُ لا يَفْتَقِرونَ، وَفَرِحُونَ لا يَحْزَنونَ. وأَحيَاءٌ لا يَمُوتونَ"، ثمَّ تلا هذه الآية: (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولى).

قالَ قلتُ: "جُعِلتُ فِداكَ" يا أبا جعفرٍ: وهل يتكلَّمُ القرآنُ؟ فَتَبسَّم، ثمَّ قالَ: "رَحِمَ اللهُ الضُّعَفاءُ مِن شِيعَتنا إنّهم أهلُ تَسليم"، ثمَّ قالَ: "نَعم يا سَعْدُ، والصلاةُ تَتَكلَّمُ ولها صورةٌ وَخَلْقٌ تأمرُ وتَنهى" قالَ سَعْدُ فَتَغيَّر لذلك لوني، وقلتُ: هَذا شيءٌ لا أستطيعُ أَتَكلَّمُ به في النّاس، فقالَ أبو جعفرٍ عليه السلام: "وهل النّاس إلا شِيعَتنا، فَمَنْ لَمْ يَعرف الصلاةَ فَقَدَ أَنْكَرَ حَقَّنا"، ثمَّ قالَ: "يَا سَعْدُ أُسْمِعُكَ كلامَ القرآن"؟ قال سَعْدُ: فقلتُ بَلىَ صلى الله عليك فقال: " إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ والْمُنْكَرِ ولَذِكْرُ الله أَكْبَرُ". فالنّهيُ كَلامٌ، والفحشاءُ والمُنكَرُ رِجَالٌ، وَنَحنُ ذِكْرُ الله وَنَحْنُ أَكْبَرُ.
ــــــــــــــــــــــــ
* روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد