السيد منير الخباز
المرحلة الأولى: نفي بشرية القرآن الكريم:
هل هذا القرآن الكريم صناعة بشرية أم لا؟ هناك مجموعة من المستشرقين من طرحوا هذا الاحتمال، أن القرآن صياغة بشرية، وذكروا هنا عدة احتمالات:
الاحتمال الأول: أن القرآن صياغة النبي محمد :
أن النبي إنسان أديب بليغ يمتلك قمة البلاغة والفن الأدبي، فهو الذي صاغ القرآن بأسلوبه، وهو الذي صاغ القرآن من إنتاجه، وليس القرآن وحي، إنما هو لوحة أدبية، بلاغية صاغها النبي المصطفى، يقول الدكتور عبدالكريم سروش المفكر الإيراني: إن النبي تلقى بعض المضامين الإلهية، ولكن هو الذي صاغ هذا الكتاب وضم إليها جزءًا من ثقافته ونصيبًا من خبرته، وصاغ إلينا القرآن الكريم بهذه الصياغة، إذن القرآن الكريم ليس كتاب إلهي بناء على هذا، وهو صناعة وصياغة بشرية ليس إلا، فلا يصلح أن يكون معجزًا.
نحن ننفي هذا الاحتمال الذي ورد على لسان أهل الجاهلية عندما قالوا: بل هو شاعر، اتهموه بأنه شاعر أديب صاغ القرآن من أدبه ومن شعره، هناك عدة وجوه ننفي بها هذا الاحتمال:
الوجه الأول: اختلاف السبك والنفس الأدبي:
عندما نقارن بين النفس الأدبي في القرآن والنفس الأدبي للنبي في حكمه، أحاديثه، خطبه ورسائله للملوك، نجد بونًا شاسعًا، واختلافًا واضحًا، فهل يمكن لشخص أن يخدع الناس لمدة ثلاثة وعشرين سنة؟ فالمقارنة بين النفسين تثبت لنا أن من صاغ القرآن هو غير من صاغ أحاديث النبي وخطبه، فهما نفسان أدبيان مختلفان تمامًا.
جون آربيري في كتابه «القرآن مقدمة ومختارات» - وهو إنسان مستشرق - يقول: ليس من الرؤية العلمية أن يكون القرآن من صناعة محمد .
أقيمت دراسة، رأوا أن 62% من ألفاظ الحديث النبوي ليست موجودة في القرآن، و83% من ألفاظ القرآن الكريم ليست موجودة في الحديث النبوي، فأين التطابق بينهما مع هذا البون الشاسع في الألفاظ المستخدمة!
الوجه الثاني: العتاب القرآني:
في القرآن عدة آيات ظاهرها العتاب للنبي محمد ، عند إخواننا أهل السنة أن هذا العتاب حقيقي وواقعي، وعندنا أن هذا العتاب مجازي، كما يقال مراد استعمالي وليس المراد جدي، فلو كان القرآن من صناعة النبي لسد كل أبواب التشكيك في شخصيته، لأن الذي يدعي النبوة ويدعي القيادة العامة حتى يكسب الناس إلى جانبه ويدعم قيادته ويدعم شخصيته، إذا كان هو الذي صنع الكتاب فمقتضى هذه الدعوة أن لا يترك في الكتاب نافذة للتشكيك في قيادته، وأن لا يترك مرمى ومنفذ للتشكيك في شخصيته وصوابية قراراته، بينما نحن نرى الكتاب في عدة آيات تضع النبي موضع العتاب: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾.
وقال تبارك وتعالى: ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾.
وقال: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾.
وقال: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
وقال أيضًا: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾.
وقال القرآن أيضًا: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾.
هل هذه أساليب يصنعها الإنسان لنفسه! إذا كان هو الذي صاغ القرآن فكيف تصدر منه هذه الآيات التي تضعه في موضع العتاب، والتي تفتح عليه نوافذ التشكيك في قياديته وصوابية قراره، هذا دليل آخر على أن القرآن صناعة إلهية، وليس صناعة بشرية من قبل النبي .
الوجه الثالث: هناك مجموعة من الآيات تؤكد أن لا مائز بين النبي والمجتمع البشري إلا النبوة:
فإذا كان هو الذي صنع الكتاب ألن يسبغ على نفسه صفات القداسة؟ نرى القرآن كيف مدح عيسى ابن مريم، مدحه بصفات قدسية: ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ﴾ ومدح موسى: ﴿ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى﴾ و﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ بينما عندما أتى لذكر النبي لم يسبغ عليه صفة القداسة التي أسبغها على موسى وعيسى وغيرهما، لو كان القرآن منه لأسبغ على نفسه صفة القداسة حتى يزيد تمسك الناس به، وإقبالهم عليه، والإيمان بصوابية قراره، قال تبارك وتعالى: ﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُم إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ﴾ وقال في آية أخرى: ﴿قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ ويقول القرآن الكريم: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الشيخ عبدالكريم الحبيل: أخلاق فاطمة الزهراء عليها السلام
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (5)
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (4)
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة