قرآنيات

الكون المنظَّم


السيد موسى الصدر

﴿والسماء رفعها ووضع الميزان * ألا تطغوا في الميزان﴾ [الرحمن، 7-8]
بدون شك أن الإيمان بالله والإيمان بالرسول والحفاظ [على] هذه المبادئ التي طُلب في الإسلام الالتزام بها والتمسك بها ومعرفتها معرفة اجتهادية، هناك سبب لهذا الأمر، الشيء الذي يجهله كثير من المؤمنين. كثير من المؤمنين يعتبر أن هذا بروتوكول أن الواحد يؤمن بالله ويصلي، يؤمن بالرسول وانتهى؛ ضريبة ندفعها إلى الله. لكن الواقع أن الإيمان وما حول الإيمان هذا يغير رؤية الإنسان وسلوك الإنسان وتحرك الإنسان.
مثلًا وقت الذي نحن نقرأ الآية: ﴿والسماء رفعها ووضع الميزان* ألا تطغوا في الميزان﴾، وقت الذي نقرأ في الآية القرآنية أن السماء والأرض منظمتان دقيقتان، المفروض أن ندرك أن العمل غير المنظم ليس عمل هذا العالم. العمل غير المنظم حادثة ظاهرة وليست عملية خالدة؛ ليس من جنس العالم الشيء غير المنظم.

تصور أن المناخ الاستوائي أو المناخ القطبي أو البلاد الحارة أو البلاد الباردة لها نباتات خاصة لا يمكن أن تجلب نباتًا جبليًا (تفاح) زرعه وإنتاجه في الجبل الوعر، ليس بإمكانك أن تجلب تفاحًا وتضعه جانب البحر لأن التفاحة ليست شجرة ساحلية، والعكس صحيح. إلا إذا عملت عينة من الغرف تعطيها درجة من الحرارة، أو درجة من الرطوبة، أو درجة من البرودة المعينة وبالتالي تعطي حسب المناخ الشيء الجيد. مناخ العالم لا يحمل الشيء غير المنظم.
الآن، الحيوانات: الخروف، الغنم، الجمل في المناطق الاستوائية شكل، وفي المناطق الباردة شكل. الحيوانات في المناطق الباردة لها دسيمة في الجسم، الغنم في المناطق الباردة له لية كبيرة، في بعض المناطق ست سبع ليات، دسيمة في الجسم لأن هناك حاجة من أجل التدفئة. بينما في المناطق الحارة الغنم ليس له لية أبدًا مثل المعزى. لماذا؟ لأنه ليس بحاجة. هذا عقل الكون هكذا يُدبَّر لأنه يمكن ألا يبقى.
في هذا الكون الذي نحن نقول له الله، والله قائم بالحق والعدل وخلق العالم في ستة أيام، ووضع الأرض والسماء على أساس العدل والحق، في هذا العالم الشيء غير المنظم، الشيء المعتمد على الباطل، الشيء المعتمد على الظلم، الفوضى، الدجل... هذه الأمور لا تمشي، لا تمشي... تمشي سنة، وسنتين، وعشرين، ومئة... لا تمشي، تسقط. في هذا العالم أي شيء يريد أن يبقى يريد أن يكون على صورة الله ومثاله. الله ليس له صورة طبعًا، يعني صفات الله. من هو الخالق؟ ممكن واحد يدجل ويتقدم، ممكن واحد فوضوي ويتقدم لكن كم؟ ﴿كل من عليها فان* ويبقى وجه ربك﴾ [الرحمن، 26-27].

بكلمة مختصرة لا يوجد بحث، الذي يريد الخلود، الذي يريد أن يكون عمله من جنس هذا العالم، الذي يريد أن يكون ناجحًا في هذا العالم من بداية الطريق مطلوب أن يختار أمرًا منسجمًا مع هذا الكون: ﴿والسماء رفعها ووضع الميزان * ألا تطغوا في الميزان﴾. نحن نقول هذا، حتى أنتم في عملكم تكونون منظمين ضمن الميزان. لذلك علي بن أبي طالب يقول لأبي ذر أو يخاطبه: "لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله". الإنسان في طريق الهدى إذا وجد غربة لا يجب أن يستوحش، لأن الكون كله معه. ولو كان الإنسان منحرفًا... الإنسان ينحرف، ينغش، يتضلل، يُضل ولكن الكون كله مع الإنسان الذي يمشي في طريق الهدى.
إذًا، دائمًا علينا أن ننظر إلى الإيمان، إلى العقيدة بمنظار حياتي سلوكي، ليس بمنظار تقييسي تقييمي؛ أنه نحن شيعة نحن مسلمون غيركم وأنتم غيرهم وهم غيرهم، وهناك ناس منقسمون، طيب لماذا؟ وما الفائدة من هذه التقسيمات أساسًا؟
في الواقع أن هذه الرؤية الكونية، وهذه العقائد، هذا الإيمان، هذه النظرات، هذه تقدم لنا سلوكًا وطريقًا وطريقة في العمل والاختيار. القرآن عندما يقول أن العالم خُلق في ستة أيام حتى يؤكد أن أي عمل يريد أن ينجح يجب أن يعتمد على أساس التوقيت. توقيت معين، برامج جماعية. العمل بدون وقت لا يمشي. والعمل مع الوقت غير المحدود لا يمشي. أنا أعيد هذه الكلمة إلى ذاكرتكم اليوم لأعيد إلى نفسي وأنتم، وأنا قلت، أنكم أنتم مؤسسون، نحن نتشارك ونتعاون في التأسيس حتى أعيد إلى ذهني وذهنكم مهمة مسؤوليتنا والتأكد من نجاحها.
ـــــــ
*تسجيل صوتي

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد