الشيخ محمد صنقور
﴿ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾(1)؟
الآية الشريفة بصدد توصيف الحالة التي عليها الكفَّار الذين بُعث إليهم النبيُّ الكريم (ص) وهي في ذات الوقت تكشفُ عن المنشأ الذي يدفعُهم للكفر والجحود، فليس المنشأ لكفرهم هو عدمُ القناعة أو القصور في دلالة البراهين والحُجج التي يسوقُها الرسول (ص) لإثبات التوحيد والنبوَّة وسائر أُصول العقيدة بل المنشأ لكفرِهم هو حالة العزَّة والشقاق التي هم عليها.
والمراد من العزَّة – ظاهرًا – في الآية الشريفة هو الشعور بالأنَفة والحميَّة المُستحكِمة من نفوسهم، فإنَّ ذلك هو المناسب لكون الآية بصدد الذم للكفَّار، فليس المراد من العزَّة في الآية هو الرفعة الناشئة عن الاقتدار أو الاستناد إلى مقتدر كما هو مقتضى المدلول الأولي لكلمة العزَّة، فإنَّ العزة بهذا المعنى مختصَّة بالله أصالةً كما قال تعالى: ﴿فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾(2) فهو وحده المقتدر والقاهر الذي لا يُقهر وما عداه فهو مفتقر دائمًا ومقهور وكذلك فإنَّ العزَّة بهذا المعنى صادقة بالتبع على المؤمنين خاصَّة كما قال تعالى ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾(3) ومنشأ عزَّتهم بهذا المعنى هو استنادهم لله المقتدر الذي لا يُقهر، فلا تُتاح العزَّة الحقيقية لغير الله تعالى إلا من طريق الاستناد لربِّ العزة جلَّ وعلا كما قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾(4) وكما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾(5) فمن أراد العزَّة من غير هذا الطريق فإنَّه لن يجدها كما هو مفاد هذه الآية والتي سبقتها.
ومن ذلك يتأكد أنَّه لا يمكن أنْ يكون المراد من العزَّة في الآية من سورة (ص) العلو والرفعة الناشئة عن الاقتدار، وعليه فيتعيَّن إرادة الأنفة والاستكبار من كلمة العزَّة التي وُصف بها الكفَّار في الآية من سورة (ص) فإنَّ هذا هو الاستعمال الآخر لكلمة العزَّة، ومنشأ اطلاق العزَّة على هذه الحالة هو أنَّ واجدها يتوهَّم أنَّه مقتدر ومنيع وأنَّه عاليَ الشأن، فهي عزَّةٌ في وهمه وتخيُّله دفعته حيث الأنفة والاستعلاء والاستكبار، فالعزَّة في الآية الشريفة هو معنى العزَّة في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾(6) أي حملته الأنفة والحميَّة على الإثم، فالشعور بالأنفة المستحكِم من نفسه كأنَّه يُلجئُه ويسوقه سوقًا للإثم مكابرة للآمر له بالتقوى، كذلك هو معنى العزَّة التي وصفت بها الآية من سورة (ص) كفَّار قريش، فإنَّ ما يدفعهم للكفر ليس هو عدم القناعة بل هو ما يجدونه من شعورٍ بمنافاة الإذعان والإيمان لما يتوهَّمونه في أنفسهم من العلو والرفعة وهذا هو معنى الأنفة الناشئة عن الحميَّة أي الناشئة عن الحرص على حماية مواقعهم الاجتماعيَّة وموروثاتهم التي يعتبرونها هوية لهم.
وأما المراد من الشقاق فهو البغضاء والحقد والعداوة الباعثة على العناد والمنابذة، وهو منشأٌ آخر من مناشئ الكفر كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ﴾(7) ومنشأُ هذه العداوة هو الحسد أو الخشية على المصالح الذاتية، فذلك هو ما يحملُهم على الكفر وليس هو عدم القناعة.
ومع التأمُّل في أحوال المكابرين للحقِّ البيِّن سواءً المتَّصل منه بالأديان أو المتَّصل منه بسائر شؤون العباد نجد أنَّ دوافع المكابرة للحقِّ على اختلاف مظاهرها لا تعدو هذين المنشأين الذين أشارت إليهما الآية المباركة، فلو تخلَّى الناسُ عن الأنفة والإستعلاء والحميَّة لموروثاتهم ومواقعهم الموهومة وعقدوا العزم على التواضع للحقِّ ولم يبتلوا بالضغائن والحسد لكانت القناعة والإذعان للبرهان والحجَّة البيِّنة أيسرُ شيء على العقول والقلوب، فقابليتهما للقناعة والإذعان فطريَّة لولا ما يحول دون ذلك من بواعث العزَّة والشقاق.
____________________________________
1- سورة ص/ 1-2.
2- النساء/139.
3- المنافقون/8.
4- فاطر/10.
5- النساء/139.
6- البقرة/206.
7- البقرة/137.
السيد محمد باقر الحكيم
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
الشيخ حسين مظاهري
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الشيخ شفيق جرادي
الشيخ جعفر السبحاني
السيد جعفر مرتضى
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
تجربتي في إدارة سلوكيات الأطفال، كتاب للأستاذ حسين آل عبّاس
الفروق الحقيقيّة بين المكي والمدني
كيف نصبح من الذاكرين؟
التفكير التصميمي: الإبداع وإيجاد حلول للمشكلات
الهدية وأثرها في البيت الزوجي
محاضرة في نادي الخطّ الثّقافيّ حول التّفكير النّقديّ
ورشة بيئيّة في نادي الخويلديّة الرّياضيّ
أمسية تكريميّة وتدشين كتاب للرّاحل علي آل رضي في عرش البيان
الوجود ليس باطلًا
الشيخ عبد الله النمر: المنهج القويم معيار السلامة