الإمام الخمينيّ (قدّس سرّه)
إذا علمتَ عظمة كتاب الله من جميع الجهات، وانفتح لك طريق استفادة المطالب منه، فاللازم على المتعلّم والمستفيد من كتاب الله أن يحصّل أدباً آخر من الآداب المهمّة حتّى تحصل الاستفادة؛ وهو "رفع موانع الاستفادة"، ونحن نعبّر عنها بالحجب بين المستفيد والقرآن. وهذه الحجب كثيرة، نشير إلى بعضها:
1- حجاب رؤية النفس
من الحجب العظيمة حجاب رؤية النفس، فيرى المتعلّم نفسه بواسطة هذا الحجاب مستغنياً أو غير محتاجٍ إلى الاستفادة. وهذا من المكائد الأصليّة المهمّة للشيطان، حيث إنّه يزيّن للإنسان دائماً الكمالات الموهومة، ويرضيه ويقنعه بما فيه، ويسقط من عينه كلّ شيء سوى ما عنده، مثلاً: يقنع أهل التجويد بذاك العلم الجزئيّ، ويزيّنه في أعينهم إلى حدّ يُسقط سائر العلوم من أعينهم، ويحرمهم من فهم الكتاب النورانيّ الإلهيّ والاستفادة منه، ويُرضي أصحاب الأدب بتلك الصورة بلا لبّ، ويُشغل أهل التفاسير المتعارفة بوجوه القراءات والآراء المختلفة لأرباب اللغة، ووقت النزول وشأنه، وكون الآيات مكيّة أو مدنيّة، وتعدادها وتعداد الحروف، وأمثال تلك الأمور. ويُقنع أهل العلوم أيضاً بعلم فنون الدلالات فقط ووجوه الاحتجاجات وأمثالها، حتّى إنّه يحبس الفيلسوف والحكيم والعارف الاصطلاحيّ في الغليظ من حجاب الاصطلاحات والمفاهيم وأمثال ذلك. فعلى المستفيد أن يخرق جميع الحجب هذه، وينظر إلى القرآن من ورائها، ولا يتوقّف في شيء منها، ولا يتأخّر عن قافلة السالكين، ولا يُحرم من الدعوات الحلوة الإلهيّة.
والإشارات إلى هذا المعنى كثيرة في القصص القرآنيّة؛ فموسى الكليم عليه السلام مع ما له من المقام العظيم في النبوّة، ما اقتنع بذلك المقام، وما توقّف في مقام علمه الشامخ، وبمجرّد أن لاقى شخصاً كاملاً كالخضر، قال له بكلّ تواضع وخضوع: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ (الكهف: 66)، وصار ملازماً لخدمته حتّى أخذ منه العلوم التي لا بدّ من أخذها.
2- حجاب الآراء الفاسدة والمذاهب الباطلة
وهذا قد يكون من سوء استعداد الشخص، والأغلب أنّه يوجد من التبعيّة والتقليد. وهذا من الحجب التي حجبتنا بالأخصّ عن معارف القرآن. مثلاً: إذا رسخ في قلوبنا اعتقاد ما، بمجرّد سماعه من الأب أو الأمّ أو من بعض جهلة أهل المنبر، يُصبح عقيدةً حاجبةً بيننا وبين الآيات الشريفة الإلهيّة. فإن وردت آلاف الآيات والروايات تخالف تلك العقيدة، فإمّا أن نصرفها عن ظاهرها، أو أن لا ننظر فيها نظر الفهم.
وقد وردت آيات وروايات كثيرة حول لقاء الله ومعرفته، مع كثير من الإشارات والكنايات والتصريحات في الأدعية ومناجاة الأئمّة عليهم السلام. فبمجرّد أن نشأت عقيدة وانتشرت بين العوامّ أنّ طريق معرفة الله مسدود بالكلّيّة، فإمّا أن يؤوّلوا ويوجّهوا تلك الآيات والروايات، وكذلك الإشارات والكنايات والصراحات في أدعية الأئمّة عليهم السلام ومناجاتهم، وإمّا ألّا يدخلوا في هذا الميدان أصلاً، ولا يعرفوا المعارف التي هي قرّة العين للأنبياء والأولياء. فممّا يوجب الأسف الشديد لأهل الله أنّ باباً من المعرفة، الذي يمكن أن يُقال إنّه غاية بعثة الأنبياء ومنتهى مطلوب الأولياء، قد سُدّ على الناس؛ بحيث يُعدّ التفوّه به محض الكفر وصرف الزندقة.
مهجوريّة القرآن
من الأمور التي وقعت وراء ستر النسيان بواسطة هذا الحجاب الغليظ؛ مهجوريّة القرآن، وحول ذلك يقول تعالى في الكريمة الشريفة: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ (الفرقان: 30). أترى أنّنا إذا جلّدنا هذه الصحيفة الإلهيّة جلداً نظيفاً وقيّماً، وعند قراءتها أو الاستخارة بها قبّلناها ووضعناها على أعيننا، ما اتّخذناه مهجوراً؟ أترى إذا صرفنا غالب عمرنا في تجويده، قد أخرجنا هذا الكتاب الشريف عن المهجوريّة؟ هل إنّنا إذا تعلّمنا القراءات المختلفة وأمثالها، قد تخلّصنا من عار هجران القرآن؟ هل إنّنا إذا تعلّمنا وجوه إعجاز القرآن وفنون محسّناته، قد تخلّصنا من شكوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ هيهات! فإنّه ليس شيء من هذه الأمور مورداً لنظر القرآن ومنزّله العظيم الشأن. القرآن هو الحبل المتّصل بين الخالق والمخلوق، ولا بدّ من أن يوجد الربط المعنويّ والارتباط الغيبيّ بتعليماته بين عباد الله ومربّيهم، ولا بدّ من أن يحصل من القرآن العلوم الإلهيّة والمعارف اللدنيّة.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان