السحر وتأريخه
الحديث عن السحر وتاريخه طويل، ونكتفي هنا بالقول إن جذوره ضاربة في أعماق التاريخ، ولكن بداياته وتطوراته التاريخية يلفّها الغموض ولا يمكن تشخيص أول من استعمل السحر.
وبشأن معناه يمكن القول: إنه نوع من الأعمال الخارقة للعادة، تؤثر في وجود الإنسان، وهو أحيانًا نوع من المهارة والخفة في الحركة وإيهام للأنظار، كما إنه أحيانًا ذو طابع نفسي خيالي.
والسحر في اللغة له معنيان:
١- الخداع والشّعوذة والحركة الماهرة.
٢- كل ما لطف ودقّ.
والراغب ذكر للفظ السحر ثلاثة معان قرآنية:
الأوّل: الخداع وتخييلات لا حقيقة لها، نحو ما يفعله المشعبذ بصرف الأبصار عما يفعله لخفة يده، وما يفعله النمام بقول مزخرف عائق للأسماع.
الثّاني: استجلاب معاونة الشيطان بضرب من التقرب إليه.
الثّالث: هو اسم لفعل يزعمون أنه من قوّته يغيّر الصور والطبائع فيجعل الإنسان حمارًا، ولا حقيقة لذلك.
نستنتج من دراسة ٥١ موضعًا من مواضع ذكر كلمة «سحر» في القرآن الكريم أنّ السحر ينقسم في رأي القرآن الكريم علی قسمين:
١- الخداع والشعبذة وخفة اليد وليس له حقيقة كما جاء في قوله تعالی:
"فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعی" وقوله: "فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ". ويستفاد من هذه الآيات أن السحر ليس له حقيقة موضوعية حتی يمكنه التأثير في الأشياء، بل هو خفة حركة اليد ونوع من خداع البصر فيظهر ما هو خلاف الواقع.
٢- يستفاد من آيات أخری أن للسحر أثرًا واقعيًّا، كقوله سبحانه:
"فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِه"، وقوله: "وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ". وهل إنّ للسحر تأثيرًا نفسيًّا فقط، أم يتعدی ذلك إلی الجسم أيضًا؟ لم تشر الآيات إلى ذلك، ويعتقد بعض النّاس أن هذا التأثير نفسي لا غير.
جدير بالذكر أن بعض ألوان السحر كانت تمارس عن طريق الاستفادة من خواص المواد الكيمياوية والفيزياوية لخداع النّاس. فيحدثنا التاريخ أن سحرة فرعون وضعوا داخل حبالهم وعصيّهم مادة كيمياوية خاصّة (ولعلها الزئبق)، كانت تتحرك بتأثير حرارة الشمس أو أية حرارة أخری، وتوحي للمشاهد أنها حيّة. وهذا اللون من السحر ليس بقليل في عصرنا الرّاهن.
السّحر في رأي الإسلام
أجمع الفقهاء علی حرمة تعلم السحر وممارسته، وجاء عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام: «من تعلّم من السّحر قليلًا أو كثيرًا فقد كفر وكان آخر عهده بربّه».
ولكن يجوز تعلّم السحر لإبطال سحر السحرة، بل يرتفع الجواز أحيانًا إلی حد الوجوب الكفائي، لإحباط كيد الكائدين والحيلولة دون نزول الأذی بالنّاس من قبل المحتالين. دليلنا علی ذلك حديث روي عن الإمام أبي عبد اللّه جعفر محمّد الصادق عليه السّلام: «كان عيسی بن شقفی ساحرًا يأتيه النّاس ويأخذ علی ذلك الأجر فقال له جعلت فداك أنا رجل كانت صناعتي السّحر وكنت آخذ عليه الأجر وكان معاشي وقد حججت منه ومنّ اللّه عليّ بلقائك وقد تبت إلى اللّه عزّ وجلّ فهل لي في شيء من ذلك مخرج؟ فقال له أبو عبد اللّه حلّ ولا تعقد».
ويستفاد من هذا الحديث أن تعلّم السحر والعمل به من أجل فتح وحلّ عقد السحر لا إشكال فيه.
السحر في رأي التوراة
أعمال السحر والشّعبذة في كتب العهد القديم (التوراة وملحقاتها) هي أيضًا ذميمة غير جائزة. فالتوراة تقول: «لا تلتفتوا إلی الجان ولا تطلبوا التوابع فتنجسوا بهم وأنا الربّ إلهكم».
وجاء في موضع آخر من التوراة: «والنفس التي تلتفت إلی الجان وإلی التوابع لتزني وراءهم اجعل وجهي ضد تلك النفس واقطعها من شعبها».
ويقول قاموس الكتاب المقدس: «واضح أن السحر لم يكن له وجود في شريعة موسی، بل إن الشريعة شددت كثيرًا علی أولئك الذين كانوا يستمدون من السحر».
ومن الطريف أن قاموس الكتاب المقدس الذي يؤكد علی أن السحر مذموم في شريعة موسی، يصرح بأن اليهود تعلّموا السحر وعملوا به خلافًا لتعاليم التوراة فيقول: «... ولكن مع ذلك تسرّبت هذه المادة الفاسدة بين اليهود، فآمن بها قوم، ولجأوا إليه في وقت الحاجة».
ولذلك ذمهم القرآن، وأدانهم لجشعهم وطمعهم و تهافتهم علی متاع الحياة الدنيا.
السحر في عصرنا
توجد في عصرنا مجموعة من العلوم كان السحرة في العصور السالفة يستغلونها للوصول إلی مآربهم.
١- الاستفادة من الخواص الفيزياوية والكيمياوية للأجسام، كما ورد في قصّة سحرة فرعون واستفادتهم من خواص الزئبق أو أمثاله لتحريك الحبال والعصيّ.
واضح أن الاستفادة من الخصائص الكيمياوية والفيزياوية للأجسام ليس بالعمل الحرام، بل لابدّ من الاطلاع علی هذه الخصائص لاستثمار مواهب الطبيعة، لكن المحرم هو استغلال هذه الخواص المجهولة عند عامة النّاس لإيهام الآخرين وخداعهم وتضليلهم، مثل هذا العمل من مصاديق السحر.
٢- الاستفادة من التنويم المغناطيسي، والهيبنوتيزم، والمانية تيزم، والتله بآتي، (انتقال الأفكار من المسافات البعيدة).
هذه العلوم هي أيضًا إيجابية يمكن الاستفادة منها بشكل صحيح في كثير من شؤون الحياة. لكن السحرة كانوا يستغلونها للخداع والتضليل.
ولو استخدمت هذه العلوم اليوم أيضًا علی هذا الطريق المنحرف فهي من «السحر» المحرّم.
بعبارة موجزة: إن السحر له معنی واسع .... ومن الثابت كذلك أن قوة الإرادة في الإنسان تنطوي علی طاقات عظيمة. وتزداد هذه الطاقات بالرياضات النفسية، ويصل بها الأمر أنها نستطيع أن تؤثر علی الموجودات المحيطة بها، وهذا مشهود في قدرة المرتاضين علی القيام بأعمال خارقة للعادة نتيجة رياضاتهم النفسية. جدير بالذكر أن هذه الرياضات تكون مشروعة تارة، وغير مشروعة تارة أخری. الرياضات المشروعة تخلق في النفوس الطاهرة قوة إيجابية بناءة، والرياضات غير المشروعة تخلق قوة شيطانية، وقد تكون كلا القوتين قادرتين علی القيام بأعمال خارقة للعادة، لكن الأولى إيجابية بناءة، والأخری مخربة هدامة.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان