قرآنيات

النّوم والرّؤيا

 الشيخ محسن قراءتي

 

 قال تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف : 4].

- قال النبي (صلى الله عليه وآله) : (الرؤيا ثلاثة: بشرى من الله، وتحزين من الشيطان، والذي يحدث به الإنسان نفسه فيراه في منامه) (1).

يعتقد بعض المفكرين وعلماء النفس أن رؤية الأحلام ما هي إلا نتيجة الإرهاصات اليومية التي يمر بها الإنسان، وقد استشهدوا لذلك بالمثل القديم القائل (من يفكر في شيء يجده في المنام)، كذلك يعتقد بعضهم الآخر أن الأحلام هي نتيجة المخاوف التي يتعرض لها الإنسان في يومه، ذلك على أساس المثل القائل (نم بعيداً عن الجمل لئلا ترى حلماً يزعجك)، واعتقد آخرون أن الأحلام هي نتيجة ظهور الغرائز الباطنية وبروزها، ولكنهم وعلى الرغم من وجود الاختلافات في الرؤيا والأحلام، إلا أنهم لم ينكروا أصل وجود الأحلام، ويجب الالتفات الى هذه النكتة وهي أنه لا يمكن تحليل كل الأحلام والرؤى بميزان واحد.

 

يقول العلامة الطباطبائي: (إن العوالم ثلاثة: عالم الطبيعة وهو العالم الدنيوي الذي نعيش فيه، والأشياء الموجودة فيه صور مادية تجري على نظام لحوادث عالم الطبيعة. والأشياء الموجودة فيها صور مادية تجري على نظام الحركة والسكون والتغير والتبدل.

وثانيها عالم المثال وهو فوق عالم الطبيعة وجوداً، وفيه صور الأشياء بلا مادة، منها تنزل هذه الحوادث الطبيعية، وإليها تعود، وله مقام العلية ونسبة السببية لحوادث عالم الطبيعة.

وثالثها: عالم العقل وهو فوق عالم المثل وجوداً وفيه حقائق الأشياء... من غير مادة طبيعية ولا صورة، وله نسبة السببية لما في عالم المثال.

والنفس الإنسانية لتجردها لها مسانخة مع  عالمين، عالم المثال وعالم العقل، فإذا نام الإنسان تعطلت الحواس وانقطعت النفس طبعاً عن الأمور الطبيعية الخارجية ورجعت إلى عالمها المسانخ لها وشاهدت بعض ما فيه من الحقائق بحسب ما لها من الاستعداد والإمكان.

فإن كانت النفس كاملة متمكنة من إدراك المجردات العقلية أدركتها واستحضرت أسباب الكائنات على ما هي عليها من الكلية والنورية، وإلّا حكتها حكاية خيالية بما تأنس بها من الصور والأشكال الجزئية الكونية، كما نحكي نحن مفهوم السرعة الكليّة بتصور جسم سريع الحركة، ونحكي مفهوم العظمة بالجبل، ومفهوم الرفعة والعلو بالسماء وما فيها من الأجرام السماوية، ونحكي الكائد المكار بالثعلب، والحسود بالذئب، والشجاع بالأسد إلى غير ذلك.

وإن لم تكن متمكنة من إدراك المجردات على ما هي عليه والارتقاء إلى عالمها، توقفت في عالم المثال مرتقية من عالم الطبيعة فربما شاهدت الحوادث بمشاهدة عللها وأسبابها من غير أن تتصرف فيها بشيء من التغيير، ويتفق ذلك غالباً في النفوس السليمة المتخلفة بالصدق والصفاء، وهذه هي المنامات الصريحة.

وربما حكت ما شاهدته منها بما عندها من الأمثلة المأنوس بها كتمثيل الازدواج بالاكتساء والتلبس، والفخار بالتاج، والعلم بالنور، والجهل بالظلمة...) (2).

 

ونحن نبين ذلك البحث بهذا المثال: إن من يرى الحلم على ثلاثة أنواع: الأول أصحاب الأرواح المجردة الكاملة، فبعد أن تنام الحواس يرتبط بالعقل ويرى الحقائق صافية واضحة مجردة (كالتلفاز الواضح الصافي الذي له هوائي موجه توجيهاً جيداً فيلتقط الأمواج التلفازية جيداً من مكان بعيد) ، ومثل هذه الأحلام صافية وواضحة ومباشرة لا تحتاج للتعبير.

والنوع الثاني هو الأشخاص الذين لهم أرواح متوسطة، فهؤلاء يرون الحقائق مخلوطة بالتشبيه والتخيل وغير صافية تماماً كما في النوع الأول، (فيجب أن يكون هنا مفسر – متسلم – إلى جنب الهوائي ليوضح أحداث الفيلم، وبعبارة أخرى: يعبر عالم تلك الرؤيا).

وأما النوع الثالث فهو أصحاب الأرواح المتلاطمة وغير المستقرة حيث ليس لأحلام هؤلاء مفهوم معين، (كالصورة التلفازية المشوشة تماماً)، ومثل هذا النوع من الرؤى غير القابلة للتعبير، وعبّر عنها في القرآن الكريم بأضغاث أحلام.

 

- لقد ذكر القرآن الكريم مجموعة من الرؤى التي تحققت بعد حين، ومن جملة ذلك:

أ) رؤيا يوسف (عليه السلام) في خصوص سجود أحد عشر كوكباً والشمس والقمر له، وقد عبرت بوصوله إلى القدرة وتواضع أخوته وأمه وأبيه له.

ب) رؤيا صاحبي يوسف (عليه السلام) في السجن، إذ أفرج عن أحدهما في ما بعد وأعدم الآخر.

ج) رؤيا ملك مصر للبقرات الضعيفة والسمينة، وقد عبرت له بسنوات من الزرع الوفير يأتي بعدها سنوات من القحط والجفاف.

د) رؤيا نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) في خصوص قلة عدد المشركين في معركة بدر، وقد عبرت بغلبة المسلمين على المشركين (3).

هـ) رؤيا نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) لدخول المسلمين محلقين رؤوسهم إلى المسجد الحرام، وقد عبرت بفتح مكة وزيارة بيت الله الحرام (4).

و) رؤيا أم موسى (عليها السلام) أنها تضع الطفل في الصندوق وترميه في الماء، {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ } [طه : 38، 39] (5).

 

وإذا نظرنا خارج القرآن لرأينا أشخاصاً نعرفهم قد اطلعوا من خلال الرؤيا على أمور لا يمكن أن يطلع عليها الإنسان اطلاعا عاديًّا.

وقد حُكي أن الشيخ عباس القمي صاحب كتاب (مفاتيح الجنان) جاء لابنه في الرؤيا وقال له: كان عندي كتاب أخذته أمانة من أحدهم، خذه وأعده إلى صاحبه لأكون منه في راحة بالبرزخ، فلما استفاق وله ذهب إلى ذلك الكتاب وطبق العلامات التي ذكرها له والده، فأخذه، وأثناء خروجه من البيت – ليعيده إلى صاحبه – وقع من يده وتضرر قليلاً فأعاده إلى صاحبه على تلك الصورة ولم يقل له شيئًا، فجاء له والده في الرؤيا مرة أخرى وقال له: لِمَ لم تقل له إن كتابه قد تضرر من سقوطه ليأخذ – إن أراد – قيمة الخسارة أو يعفو عن ذلك؟!

__________________

1. بحار الأنوار ، ج14 ، ص 441 .

2. تفسير الميزان ، ج11 ، ص 299 .

3. الأنفال : 43 .

4. الفتح : 27 .

5. الصافات : 10 .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد