قرآنيات

تجلّيات القرآن في كربلاء

الشيخ محسن قراءتي

 

حثّ القرآن الكريم الناس على التفكير بالمنطق والحقّ، وليس بعدد الأشخاص، واستعمل بعض العبارات أمثال: ﴿أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ و﴿وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ و﴿وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾.

جاء في القرآن الكريم: ﴿أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾. وفي اليوم العاشر قدّم الإمام الحسين عليه السلام وأبو الفضل والأصحاب عشر مواعظ لأجل إرشاد الناس.

وتحدّث القرآن الكريم بإجلال عن المضحّين: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ﴾، وفي كربلاء الكثير من مظاهر التضحية ولعلّ أبرز نماذجها تضحية أبي الفضل العبّاس.

وأوصى القرآن الكريم بالعفو وقبول عذر الناس ومن أبرز مصاديقها في كربلاء العفو عن الحرّ بن يزيد الرياحيّ.

يقول القرآن: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ و﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾، وإذا كان في كربلاء عشرات آلاف المجرمين الذين لا يُذْكَرون بالحسنى، إلّا أنّ ذكر أصحاب الإمام الحسين عليه السلام الـ 72 لا يزال حيّاً.

وجاء في القرآن الكريم حول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾، وفي كربلاء أصبح اسم الإمام الحسين عليه السلام مرفوعاً إلى الأبد.

وجاء في القرآن الكريم: ﴿وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ﴾، أي أنّ القائد ينبغي أن يكون في المقدّمة، وفي كربلاء قدّم الإمام الحسين عليه السلام ابنه عليّاً الأكبر عليه السلام وأرسله إلى ساحة الحرب قبل فتية بني هاشم.

وجاء في القرآن الكريم: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ﴾، وفي كربلاء تتجلّى أفضل صور الاستقامة في الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه.

القرآن الكريم لا يأتي على ذكر الأفراد عادة بل يذكر المعايير، مثلاً يتحدّث عن أنّ مولاكم هو الذي يتصدّق بخاتمه أثناء الصلاة، وهو الذي يجمع في لحظة واحدة بين الصلاة والزكاة، ثمّ يترك للناس الحريّة في التفتيش عن المصداق، وفي كربلاء، لم يقل الإمام الحسين عليه السلام: أنا لا أبايع يزيد، بل قال: "مثلي لا يبايع مثله". فالحقّ والباطل كانا متعارضين طوال التاريخ وسيبقيان على هذا الحال.

وجاء في القرآن الكريم: ﴿وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾، وفي كربلاء قطع الحرّ الطريق على الإمام الحسين عليه السلام ولكن الإمام عليه السلام سمح بالماء لجيش الحرّ وخيولهم.

أوصى القرآن الكريم باتّباع الحقّ وأوليائه والوفاء، وأمّا ظهر يوم عاشوراء، فقد كان أصحاب الإمام عليه السلام يتلقّون سهام العدوّ، ومع ذلك كانوا يصرّون على الصلاة، حتّى إذا ما قضوا كان يأتي الإمام الحسين عليه السلام يقف عند رؤوسهم فيقول الواحد منهم: هل وفيت؟ وكأنّهم كانوا حتّى تلك اللحظة يشكّون في وفائهم للإمام عليه السلام .

يوصي القرآن الكريم في الكثير من الأماكن بالتوحيد، ويقول الإمام الحسين عليه السلام : "لا معبود سواك"، وهي أفضل تجلّيات آيات القرآن.

ويوصي القرآن الكريم بالنهي عن المنكر والغيرة في الدّين والدفاع عن الحريم وفي كربلاء وقف الإمام الحسين عليه السلام يخاطب جيش يزيد يطلب منهم عدم التعرّض للخيم والنساء: "فإن لم يكن لكم دين فكونوا أحراراً في دنياكم".

أوصى القرآن الكريم بالرضا والتسليم أمام الله تعالى، وهكذا كان الإمام الحسين عليه السلام بين الرضا والتسليم، كان في يوم من الأيّام على كتف الرسول وفي يوم تطؤه خيل الأعداء، وكان راضياً مسلّماً.

القرآن، الصلاة، والإمام الحسين عليه السلام

إذا كان القرآن الكريم يتحدّث في بداية أكبر سوره: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾، وتحدّث في أصغر السور أيضاً عن الصلاة، فالإمام الحسين عليه السلام هو الذي أقامها: "أشهد أنّك قد أقمت الصلاة".

وإذا جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾، فإنّ الإمام الحسين عليه السلام أقام صلاة الجماعة على مرأى الأعداء.

وإذا علّم الله تعالى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كيفيّة إقامة الصلاة في ساحة الحرب: ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ...﴾ ، فالإمام الحسين عليه السلام أقام الصلاة في ساحة الحرب.

إذا كانت الصلاة في القرآن عبارة عن مصدر طاقة غيبيّة وقد دعا المؤمنين للاستعانة بها: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾، فالإمام الحسين عليه السلام قد استعان بالصلاة في أوج الحرب.

وإذا أوصى القرآن بإقامة الصلاة أوّل وقتها: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾، فالإمام الحسين عليه السلام أقام صلاة ظهر يوم العاشر أوّل الوقت.

وإذا كان عيسى مأموراً بالصلاة حتّى آخر نفس من حياته: ﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾، فالإمام الحسين عليه السلام كان برفقة الصلاة حتّى نهاية حياته.

وإذا امتدح القرآن الكريم الذين ﴿لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ﴾، فماذا ينبغي القول حول الإمام الحسين عليه السلام الذي لم يجعله شيء، حتّى روحه ونفسه، غافلاً عن الصلاة؟!

لم يصلِّ الإمام الحسين عليه السلام الصلاة بمفرده، بل صلّى مع ذلك صلاة المصلّين الآخرين، جاء في الحديث: ثلاثة تبعث على قبول الصلاة: حضور القلب، وصلاة النافلة, وتربة سيّد الشهداء.

الإمام الحسين عليه السلام يطلب من أخته زينب أن تدعو له في صلاتها.

يجب إقامة الصلاة في المجتمع بشكل علنيّ: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ﴾، والإمام الحسين أقام الصلاة أمام أنظار الجميع، مع أنّ بإمكانه إقامتها في خيمته.

أُلقي ثلاثون سهماً على الإمام عند إقامته صلاة الظهر في عاشوراء، وهذا يعني سهماً مقابل كلّ كلمة من الحمد والركوع والسجود.

في الواقع، ما هي هذه الصلاة التي أجّل الإمام الحسين عليه السلام الحرب بسببها من التاسع إلى العاشر من المحرّم حيث كان يقول: "إنّي أحبّ الصلاة" ولم يقل: أريد أن أصلّي، بل قال: إنّي أحبّ الصلاة؟ الكثير منّا يصلّي، ولكن كم نحبّ الصلاة؟

قال زرارة: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلني الله فداك أسألك في الحجّ منذ أربعين عاماً فتفتيني، فقال عليه السلام: "يا زرارة بيت يُحجّ قبل آدم عليه السلام بألفي عام، تريد أن تفنى مسائله في أربعين عاماً؟!".

لا يمكن خلاصة أسرارها ببضع كلمات.. مع العلم أنّ الكعبة وجميع أسرارها ورموزها التي أشار إليها الإمام عليه السلام، هي قبلة الصلاة فقط، والقبلة إحدى شروط الصلاة!!

كان الإمام الحسين عليه السلام حاضراً ليقطّع جسده إرباً إرباً، وأن لا تفقد الصلاة قيمتها. كان رأس الإمام الحسين عليه السلام يتمتم بآيات القرآن وهو على رأس الرمح، فالرأس كان مفصولاً عن البدن، ولكن القلب لم يكن لينفصل عن القرآن.

من هنا ينبغي دعوة محبّي الإمام الحسين عليه السلام أن لا ينسوا الصلاة، صلاة ظهر يوم العاشر وصلاة الإمام الأخيرة. عليكم إقامتها بإخلاص وعظمة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد