١- يقول الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا) أي أن إحدی علائم الإيمان هي ثبات القدم في جميع الأحوال، وخاصّة في مواجهة الأعداء.
٢- (وَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
ولا ريب أنّ المراد من ذكر اللّه هنا ليس هو الذكر اللفظي فحسب، بل حضور القلب، وذكر علمه تعالی وقدرته غير المحدودة ورحمته الواسعة، فهذا التوجه إلى اللّه يقوّي من عزيمة الجنود المجاهدين، ويشعر الجندي بأنّ سندًا قويًّا لا تستطيع أية قدرة في الوجود أن تتغلب عليه يدعمه في ساحة القتال، وإذا قتل فسينال السعادة الكبری ويبلغ الشهادة العظمی، وجوار رحمة اللّه، فذكر اللّه يبعث علی الاطمئنان والقوّة والقدرة والثبات في نفسه.
بالإضافة إلی ذلك، فذكر اللّه وحبّه يخرجان حبّ الزوجة والمال، والأولاد من قلبه، فإنّ التوجه إلی اللّه يزيل من القلب كل ما يضعفه ويزلزله، كما يقول الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السّلام في دعائه المعروف -في الصحيفة السجادية- بدعاء أهل الثغور: "وأنسهم عند لقائهم العدوّ ذكر دنياهم الخدّاعة، وامح عن قلوبهم خطرات المال الفتون، واجعل الجنّة نصب أعينهم".
٣- كما أنّ من أهم أسس المبارزة والمواجهة هو الالتفات للقيادة وإطاعة أوامر القائد والآمر، الآمر الذي لولاه لما تحقق النصر في معركة بدر، لذلك فإنّ الآية بعدها تقول: (وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ).
٤- (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا) لأنّ النزاع والفرقة أمام الأعداء يؤدي إلى الضعف وخور العزيمة، ونتيجة هذا الضعف والفتور هي ذهاب هيبة المسلمين وقوتهم وعظمتهم (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ).
«والريح» في اللغة، هي الهواء. فالنزاع يولد الضعف والوهن.
وأمّا ذهاب الريح، فهو إشارة لطيفة إلى زوال القوّة والعظمة، وعدم سير الأمور كما يرام، وعدم تحقق المقصود، لأنّ حركة الريح فيما يرام توصل السفن إلى مقاصدها، ولما كانت الريح في ذلك العصر أهم قوّة لتحريك السفن فقد كانت ذات أهمية قصوی يؤمئذ.
وحركة الرّيح في الرّوايات والبيارق تدل علی ارتفاع الرّاية التي هي رمز القدرة والحكومة، والتعبير آنف الذكر كناية لطيفة عن هذا المعنى.
٥- ثمّ تأمر الآية بالاستقامة بوجه العدوّ، وفي قبال الحوادث الصعبة، فتقول: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
والفرق بين ثبات القدم في الأمر الأوّل، والاستقامة والصبر في الأمر الخامس، هو من جهة أن ثبات القدم يمثل الناحية الظاهرية، «الجسمية» أمّا الاستقامة والصبر فليسا ظاهريين، بل هما أمران نفسيان ومعنويان.
٦- وتدعو الآية الأخيرة- من الآيات محل البحث- المسلمين إلی اجتناب الأعمال الساذجة البلهاء، ورفع الأصوات الفارغة، وتشير إلی قضية أبي سفيان وأسلوب تفكيره هو وأصحابه، فتقول: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّـهِ).
فأهدافهم غير مقدسة، وكذلك أساليبهم في الوصول إليها، ولقد رأينا كيف أبيدوا وتلاشی كلّ ما جاءوا به من قوّة وعدّة، وسقط بعضهم مضرجًا بدمائه في التراب، وأسبل الآخرون عليهم الدّموع والعبرات في مأتمهم، بدل أن يشربوا الخمر في حفل ابتهاجهم، وتختتم الآية بالقول: (وَاللَّـهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ).
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان