﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾(1).
معنى يصَّدعون يتفرَّقون، وأصل الكلمة يتصدَّعون فأُبدلت التاء -تاء التفعُّل- صاداً وأُدغمت في الصاد الأصليَّة فصارت يصَّدعون، والمعنى اللُّغوي للتصدُّع هو التشقُّق، ومنه قوله تعالى ﴿وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾(2) لأنَّها تنشقُّ فيخرج منها النبات والأشجار، ويُستعمل التصدُّع بمعنى تفرُّق أجزاء الشيء الواحد الصّلب كالزجاج والحائط والصخرة، يقال تصدَّعت الصخرة أي تشقَّقت أو تفرَّقت أجزاؤها "وصَدَعَ الشيءَ يَصْدَعُه صَدْعاً وصَدَّعَه فانْصَدَعَ وتَصَدَّعَ: شَقّه بنصفين"(3).
فمعنى قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ أنَّ الناس يوم القيامة يتفرقون ويصيرون صدعتين أي فرقتين فرقة إلى الجنَّة والأخرى للجحيم ولعل الآية التي تلي هذه الآية تصلح لتفسير قوله: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ فقوله تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾(4) يبيِّن أنَّ الناس يوم القيامة فريقان، فمن كفر منهم فإنَّه يتحمَّلُ تبعاتِ كفره، ومَن عملَ صالحاً منهم فإنَّه يكون قد مهَّد لنفسه الطريق الـمُفضي للنجاة، فمفاد قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ هو ذاته مفاد الآيتين من سورة الروم: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ *فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾(5).
معنى آخر للآية وترجيح الأول:
وأفاد بعض المفسِّرين أنَّ المراد من قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ أنَّ الناس يوم القيامة يتفرَّقون في أرض الـمَحشر كلٌّ على حدة، وكلٌّ وشأنه، فيكون مفاد الآية قريباً من معنى قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾(6) وقريباً من معنى قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ﴾(7).
والظاهر أنَّ المراد من الآية هو المعنى الأول، وذلك بقرينة الآية التي بعدها والتي يظهر أنَّها بصدد التعقيب والتفسير لما قبلها وأنَّ الناس يوم القيامة يتصدَّعون إلى فريقين، فمَن كفر فأنَّه يتحمَّل عاقبة كفره وهي دخول النار، ومن عمل صالحاً فقد مهَّد لنفسه الطريق الـمُوصِل للجنَّة.
فالآية ظاهراً ليست بصدد بيان أنَّ الناس يُحشرون للحساب كلٌّ يتلقَّى حسابه على حدة كما هو مؤدَّى قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾ كما أنَّها ليست بصدد التعريف بالهيئة التي تكون عليها أوضاع الناس في أرض الـمَحشر كما هو مؤدَّى قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ﴾ وإنَّما هي بصدد بيان تفُّرق مصائرِ الناس بحسب ما كانوا عليه في الدنيا من إيمانٍ وشرك. فالكافر منهم يتحمَّل وِزْرَ كفرِه، والمؤمنُ الذي عمل صالحاً ينعَمُ بآثار صلاحِه.
معنى قوله: ﴿لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ﴾:
هذا وقد وردت كلمة يُصَّدعون في موضعٍ آخر من القرآن المجيد في سورة الواقعة عند قوله تعالى: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ / بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ / لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ﴾(8) ومعنى: ﴿لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا﴾ هو أنَّه لا يعتريهم ولا يُصيبُهم صداعٌ من أثر الـمَعين الذي يشربونه أو قل لا ينشأ ولا يترتَّب صداعٌ عنها من أثر شربها، والتعبير عن ألم الرأس بالصداع سِيق -ظاهراً- لغرض تشبيه الألم بالصدوع والشقوق التي إذا أصابت جسماً صلباً أوهنته ﴿وَلَا يُنْزِفُونَ﴾ أي لا تذهب عقولُهم من أثر ما يشربون.
وقيل إنَّ معنى يصَّدعون في هذه الآية هو ذاته المعنى في قوله: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ فمعنى أنَّه: ﴿لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا﴾ هو أنَّه لا يفرَّقون عنها أي عن المعين لشدَّة تعلُّقهم بها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة الروم / 23.
2- سورة الطارق / 12.
3- لسان العرب -ابن منظور- ج8 / ص194.
4- سورة الروم / 24.
5- سورة الروم / 14-15.
6- سورة الزلزلة / 6.
7- سورة القارعة / 4.
8- سورة الواقعة / 17-19.
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الإسلام وميول الإنسان
شروط البحث
الزهراء للإمام عليّ: اشتملت شملة الجنين (1)
التمثيل بالمحقَّرات في القرآن
الشّيخ صالح آل إبراهيم: ميثاقنا الزّوجي
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة