قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطهراني
عن الكاتب :
عُرف بين الناس باسم العلامة الطهراني، عارف وفيلسوف، ومؤلف موسوعي، من مؤلفاته: دورة المعارف، ودورة العلوم، توفي عن عمر يناهز الواحد والسبعين من العمر، سنة 1416 هـ.

في معنى نور القرآن

أمّا أنّ القرآن نور، فلأنّ آياته جاءت من عالم النور، ولم تقصر أو تعجز أبداً عن تشخيص أمراض البشر وطريقة علاجها الناجع، فكلّ ما يقوله يُبيّنه لتكامل أفراد البشر، إنّما هو محض العلم والبصيرة والوصول اليقيني إلى النتيجة والهدف، لا الجهل والشقاء والوصول الاحتماليّ.

 

النور في اللغة هو الظَّاهِرُ في نَفْسِهِ وَالمظْهِرُ لِغَيْرِهِ، فالشمس مثلًا نور، لأنّها ظاهرة بنفسها ومظهرة للأشياء بإشراقها وضيائها، وهي لا تحتاج إلى مُظهر تكتسب من خلال إنارته قابليّة الظهور والتجلّي، فهي مضيئة مشرقة بنفسها، ولها نور وإشراق لا ينفكّ عنها تضيء به الموجودات الواقعة في معرض إشعاعه.

 

بيد أنّ غير الشمس، كالقمر والنجوم، والأرض وما أقلّت، من صحاري وجبال ومحيطات بمحتوياتها، مظلمٌ داكن، ولو مضى عليها ملايين السنين ودون أن يصلها نور الشمس فستبقي غارقة في الظلام الدامس المحض بلا ظهور ولا تجلّ. وبإشعاع النور يري الإنسان الأشياء، لا يخفي عليه منها شيء، لكنّه يري النور نفسه بلا حاجة إلى مُظهر له أو دليل عليه، إذ النور نفسه مُظهر لنفسه دليل عليها، على العكس من الظُّلمة التي هي عبارة عن الإبهام والجهل ذاتيّاً، مضافاً إلى منعها رؤية الموجودات الماثلة فيها القابعة تحت أفقها.

 

القرآن نور، لأنّه دليل علي نفسه ومعرّف لها، فلا يمكن لأيّ كتاب أو قائل غير القرآن أن يُعرّف القرآن كما يليق به أو يُبيّن واقعه وحقيقته، لأنّ جميع الكتّاب والقائلين إنّما يعرّفونه وفق أفق فكرهم ومستوى إدراكهم الذي يتضاءل ويقصر حين يقاس بعلوم القرآن وفكره، اللهمّ إلَّا إذا وصلوا إلى مقام الطهارة المطلقة ونظروا إليه من نافذة القرآن ومن منبع نزوله، إذ لا (يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) «1» وهو مقام يختصّ بأولياء الله المقرّبين، أمّا غيرهم من العالم أجمع فإنّ علومهم تعدّ مقابل القرآن محدودة قاصرة مقرونة بالإبهام والجهل.

 

وعلى هذا، فإنّ أي إبهام يرد بخصوصه ينبغي اللجوء في رفعه إلى القرآن نفسه والاستنارة بنوره وضيائه، فهو كتاب واضح وموضّح، وكتاب نور وإشعاع، وكتاب ظهور وإظهار، كما أنّ لدينا الكثير من الأخبار التي تشير إلى أنّه إذا عُرِض عليكم حديث منّا فلم تتبيّنوا صحّته من سقمه فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه. والآن وبعد أن تبيّن معنى ومفهوم النور، وحقيقة أنّ القرآن نور، فنذكر الآيات التي وردت في القرآن وعبّرت عنه بالنور، كآية: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). «2»

 

وهذه الفقرة تتمّة آية مطلعُها: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ).

فإنّ المراد من النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ؛ أي مع رسول الله؛ هو القرآن الكريم.

وكالآية المباركة: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ). «3»

والآية المباركة: (قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً). «4»

 

وبالطبع فإنّ النور الذي هو حقيقة القرآن مطلق عامّ وشامل ينطوي على كلّ نور، لذا فقد جاء بألف ولام الجنس في بعض الآيات: (وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا؛ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ)، أمّا في التوراة والإنجيل، فرغم كونهما من الكتب السماويّة أيضاً؛ فقد عبّر عن نورها بلفظ النكرة، فقد قال في الآية 44، من السورة 5. المائدة. (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُور)ٌ، وقال في الآية 46 من نفس السورة. (وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ).

ويلاحظ في هاتين الآيتين ورود فِيهِ (هُدىً وَنُورٌ) وهو تعبير يغاير تعبير فيه الهدى والنور الذي يفيد الاستغراق والعموميّة.

 

النور مقابل الظلمة كالعلم مقابل الجهل والإبصار مقابل العمى

إنّ فضل النور وميزته على الظلمة، أي العلم على الجهل، يعدّ من الأوّليّات والمسلّمات لوضوحه، لذا عدّ القرآن تساويهما من الأمور بديهيّة البطلان، وبيّن على نحو الاستفهام الاستنكاريّ.

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ). «5»

(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ، وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ، وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ، وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ، إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ). «6»

 

فيكون الفارق - وفق هذا المقياس - بين المؤمنين المعتقدين بالقرآن، المقتدين في أمورهم بنهجه، المقتفين خطاه في معاملاتهم، وبين المعرضين عنه والمخالفين لنهجه، كالفرق بين البصير والأعمى، والعالم والجاهل، والحيّ والميّت، والسميع المدرك ومَن هو راقد في القبور.

 

فالمجموعة الأولى تتمتّع بجميع مظاهر الحياة، والثانية في حكم الأموات، حيث لا روح لهم ولا بصر ولا سمع ولا علم ولا إدراك.

 

هذا هو البيان والمنطق القرآنيّ في تعريفه لهذا الكتاب السماويّ، وهذه المائدة الإلهيّة المعنويّة والروحيّة التي تمنح عالم البشرية الإشراق والنور، وتخرجه من الجهل والظلمة المطبقة المطلقة إلى العلم والنور المطلق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1). الآية 79، من السورة 56. الواقعة.

(2). الآية 157، من السورة 7. الأعراف.

(3). الآية 8، من السورة 64. التغابن.

(4). الآية 174، من السورة 4. النساء.

(5). الآية 16، من السورة 13. الرعد.

(قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أوْلِيَآءَ لَا يَمْلِكُونَ لأنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَي وَالْبَصِيرُ أمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ).

(6). الآيات 19 إلى 23، من السورة 35. فاطر.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد