قرآنيات

الأخبار الغيبية في القرآن الكريم(2) - يأجوج ومأجوج

 

 من جملة الاخبارات الغيبية في القرآن الكريم اخباره عن قوم يأجوج ومأجوج وذي القرنين وقصة السد الذي جعله ذو القرنين بين القوم وبين يأجوج ومأجوج بعد أن شكوا اليه: ﴿قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّ﴾ فأجابهم ذو القرنين إلى طلبهم: ﴿قالَ ما مَكَّنِّي فِيه رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَه ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْه قِطْر﴾ وبهذا الشكل تم حل المشكلة من خلال الفصل بين هؤلاء القوم وبين يأجوج ومأجوح حيث يخبرنا القرآن الكريم عن عجزهم عن تجاوز السد قائلاً: ﴿فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوه وَمَا اسْتَطاعُوا لَه نَقْب﴾ بعد ذلك يقف ذو القرنين أمام الردم الذي جعله بين القوم وبين يأجوج ومأجوج ويصفه بأنه رحمة من الله تعالى لهؤلاء القوم ولكنه يخبر أن هذا الردم ليس أبدي الوجود بل سوف يكون دكا وهذا الأمر سوف يتحقق حين يأتي وعد الله تعالى: ﴿قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَه دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّ﴾.
والمراد من وعد الله تعالى إما وعد منه تعالى خاص بالسد أنه سيندك عند اقتراب الساعة فيكون هذا ملحمة أخبر بها ذو القرنين، وإما وعده تعالى العام بقيام الساعة الذي يدك الجبال ويخرب الدنيا!


هل ما زال يأجوج ومأجوج خلف السد في هذا الزمان؟
وهنا يطرح سؤال حول وجود يأجوج ومأجوج حاليا خلف السد وعدم قدرتهم على تجاوزه الى أن يأتي وعد الله تعالى فظاهر الآية على ما فسروه أن هذه الأمة المفسدة محبوسون فيما وراءه لا مخرج لهم إلى سائر الأرض ما دام معموراً قائماً على ساقه حتى إذا جاء وعد الله سبحانه جعله دكاء مثلما أو منهدما فخرجوا منه إلى الناس وساروا بالفساد والشر. فأين هذا السد المشيد بالحديد ومن صفته أنه يحبس أمة كبيرة منذ الوف من السنين من أن تهجم على سائر أقطار الأرض ولا مخرج لهم إلى سائر الدنيا دون السد المضروب دونهم وقد ارتبطت اليوم بقاع الأرض بعضها ببعض بالخطوط البرية والبحرية والهوائية وليس يحجز حاجز طبيعي كجبل أو بحر أو صناعي كسد أو سور أو خندق أمة من أمة فأي معنى لانصداد قوم عن الدنيا بسد بين جبلين بأي وصف وصف وعلى أي نحو فرض؟.


الإجابة عن الإشكال
إن قول الله تعالى "دكاء" من الدك بمعنى الذلة قال في لسان العرب: وجبل دك: ذليل. انتهى. والمراد بجعل السد دكاء جعله ذليلا لا يعبأ بأمره ولا ينتفع به من جهة اتساع طرق الارتباط وتنوع وسائل الحركة والانتقال براً وبحراً وجواً. فحقيقة هذا الوعد هو الوعد برقي المجتمع البشري في مدنيته، واقتراب شتى أممه إلى حيث لا يسده سد ولا يحوطه حائط عن الانتقال من أي صقع من أصقاع الأرض إلى غيره ولا يمنعه من الهجوم والزحف إلى أي قوم شاؤوا. ويؤيد هذا المعنى سياق قوله تعالى في موضع آخر يذكر فيه هجوم يأجوج ومأجوج: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ﴾ حيث عبر بفتح يأجوج ومأجوج ولم يذكر السد.
ويمكن أن يكون الدك بمعنى الدفن بالتراب ففي الصحاح: دككت الركى - وهو البئر - دفنته بالتراب انتهى، أو صيرورة الجبل رابية من طين، قال في الصحاح وتدكدكت الجبال أي صارت روابي من طين واحدتها دكاء انتهى. فمن الممكن أن يحتمل أن السد من جملة أبنية العهود القديمة التي ذهبت مدفونة تحت التراب عن رياح عاصفة أو غريقة بانتقال البحار أو اتساع بعضها على ما تثبتها الأبحاث الجيولوجية، وبذلك يندفع الاشكال لكن الوجه السابق أوجه والله أعلم.