قرآنيات

معرفة الصفات في سورة الإخلاص (1)

 

فضل السورة:

عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال : من قرأ قل هو الله أحد إحدى عشر مرة في دبر الفجر ، لم يتبعه في ذلك اليوم ذنب ، وإن رغم أنف الشيطان.

وقال الصادق ع : "من قرأها وأهداها للموتى كان فيها ثواب ما في جميع القرآن ، ومن قرأها على الرمد سكنه الله وهدأه بقدرة الله تعالى" .

 

سبب النزول:

عن ابن عباس رضي الله عنه قال : إن قريشا سألوا النبي ص منهم جبير بن مطعم وأبو جهل بن هشام ورؤساء من قريش : يا محمد أخبرنا عن ربك من أي شئ هو ؟ من خشب أم من نحاس أم من حديد ؟ ! وقالت اليهود : إنه قد انزل نعته في التوراة فأخبرنا عنه ؟ فأنزل الله  تعالى إلى نبيه ص {قل هو الله أحد} .

{قل هو الله أحد}

الخطاب موجَّه للنبي ص يأمره بتبيان عقيدة المسلمين في ربهم.

وقد تركَّبت هذه العقيدة الأولية من ثلاثة أقسام:

1-هو: ضمير الشأن، ويستعمل للتعظيم، وله معنى هام ورد عن الإمام الباقر ع :في قول الله تبارك وتعالى : {قل هو الله أحد } قال : { قل } أي أظهر ما أوحينا إليك ونبأناك به بتأليف الحروف التي قرأناها لك ليهتدي بها من ألقى السمع وهو شهيد ، وهو اسم مكنى مشار إلى غائب ، فالهاء تنبيه على معنى ثابت ، والواو إشارة إلى الغائب عن الحواس ، كما أن قولك (هذا) إشارة إلى الشاهد عند الحواس وذلك أن الكفار نبهوا عن آلهتهم بحرف إشارة الشاهد المدرك فقالوا : هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالأبصار ، فأشر أنت يا محمد إلى إلهك الذي تدعو إليه حتى نراه وندركه ولا نأله فيه ، فأنزل الله تبارك وتعالى{ قل هو الله أحد } فالهاء تثبيت للثابت والواو إشارة إلى الغائب عن درك الأبصار ولمس الحواس وأنه تعالى عن ذلك ، بل هو مدرك الأبصار ومبدع الحواس.

2-الله : ومعناه عن الإمام الباقر ع : الله معناه المعبود الذي أله الخلق عن درك ماهيته والإحاطة بكيفيته ويقول العرب : أله الرجل إذا تحير في الشئ فلم يحط به علما ، ووله إذا فزع إلى شئ مما يحذره ويخافه فالإله هو المستور عن حواس الخلق .

3-الأحد: ويختلف عن الواحد؛ فالواحد هو المفرد الذي يمكن أن يتكرر أو يتجزّأ أو يصدر عن شيء أو يصدر عنه شيء أو يشابهه شيء.

أما الأحد فهو:

 فرد لا يتجزّأ: وهذا ينفي التجسيم، لأن الجسم قابل للتجزّؤ.

ولا يتكرر ولا شبيه له: وهذان ينفيان الشرك.

ولا مصدر له: وهذا يُثبت قِدمه.

 قال الباقر ع : الأحد الفرد المتفرد ، والأحد والواحد بمعنى واحد ، وهو المتفرد الذي لا نظير له ، والتوحيد الاقرار بالوحدة وهو الانفراد ، والواحد المتبائن الذي لا ينبعث من شئ ولا يتحد بشئ ، ومن ثم قالوا : إن بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد لأن العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين فمعنى قوله : الله أحد : المعبود الذي يأله الخلق عن إدراكه والإحاطة بكيفيته فرد بإلهيته ، متعال عن صفات خلقه .

{الله الصمد}

تختصر صفة {الصمد} أكثر من عشرين صفة من صفات الله وردت في عموم روايات أهل البيت عليهم السلام : فهو السيد الذي تُسنَد إليه الأشياء.

وهو الذي تحق له العبادة.

وهو المقصود بالحوائج والمستغني عن الجميع ولا غنى للجميع عنه.

وهو الذي لا يأكل ولا يشرب ولا ينام.

وهو الدائم الذي لم يزل ولا يزال.

وهو القائم بنفسه الغني عن غيره.

وهو الذي لم يتكوَّن ولن يفنى.

وهو السيد المطاع الذي لا يأمره آمر ولا ينهاه ناهٍ.

وقد ورد عن الإمام السجاد ع :الصمد الذي لا شريك له ولا يؤوده حفظ شئ ولا يعزب عنه شئ. .

وعن ولده الشهيد العالم زيد بن علي قال: الصمد هو الذي إذا أراد شيئا قال له : كن فيكون ، والصمد الذي أبدع الأشياء فخلقها أضدادا وأشكالا وأزواجا ، وتفرد بالوحدة بلا ضد ولا شكل ولا مثل ولا ند.

عن داود بن القاسم الجعفري ، قال : قلت لأبي جعفر ع _اي الجواد_: جعلت فداك ما الصمد ؟ قال : السيد المصمود إليه في القليل والكثير . 

والمصمود هو المقصود.

وقد ورد أن في كل حرف من حروف كلمة الصمد إشارة إلى صفة من الصفات الإلهية:

قال وهب بن وهب القرشي : سمعت الصادق ع  يقول : قدم وفد من أهل فلسطين على الباقر ع فسألوه عن مسائل فأجابهم ، ثم سألوه عن الصمد ،

 

فقال : تفسيره فيه ، الصمد خمسة أحرف : فالألف دليل على إنيته وهو قوله عز وجل : { شهد الله أنه لا إله إلا هو } وذلك تنبيه وإشارة إلى الغائب عن درك الحواس ، واللام دليل على إلهيته بأنه هو الله ، والألف واللام مدغمان لا يظهران على اللسان ولا يقعان في السمع ويظهران في الكتابة دليلان على أن إلهيته بلطفه خافية لا تدرك بالحواس ولا تقع في لسان واصف ، ولا أذن سامع ، لأن تفسير الإله هو الذي إله الخلق عن درك ماهيته وكيفيته بحس أو بوهم ، لا بل هو مبدع الأوهام وخالق الحواس ، وإنما يظهر ذلك عند الكتابة دليل على أن الله سبحانه أظهر ربوبيته في إبداع الخلق وتركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة ، فإذا نظر عبد إلى نفسه لم ير روحه كما أن لام الصمد لا تتبين ولا تدخل في حاسة من الحواس الخمسة ، فإذا نظر إلى الكتابة ظهر له ما خفي ولطف ، فمتى تفكر العبد في ماهية البارئ وكيفيته أله فيه وتحير ولم تحط فكرته بشئ يتصور له لأنه عز وجل خالق الصور ، فإذا نظر إلى خلقه ثبت له أنه عز وجل خالقهم و مركب أرواحهم في أجسادهم .

 وأما الصاد فدليل على أنه عز وجل صادق وقوله صدق وكلامه صدق ودعا عباده إلى اتباع الصدق بالصدق ووعد بالصدق دار الصدق

وأما الميم فدليل على ملكه وأنه الملك الحق لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه. .

وأما الدال فدليل على دوام ملكه وأنه عز وجل دائم تعالى عن الكون والزوال بل هو عز وجل يكون الكائنات ، الذي كان بتكوينه كل كائن  .

فعبارة الصمد مجمع للصفات الإلهية.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد