قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطهراني
عن الكاتب :
عُرف بين الناس باسم العلامة الطهراني، عارف وفيلسوف، ومؤلف موسوعي، من مؤلفاته: دورة المعارف، ودورة العلوم، توفي عن عمر يناهز الواحد والسبعين من العمر، سنة 1416 هـ.

لا ينحصر إعجاز القرآن في بلاغته، بل يعمّ جميع شؤونه

إن القرآن هو الذي يمتلك توحيداً ومعارفَ وأخلاقاً وأحكاماً حيّة معجزة، ناهيك عن فصاحته وبلاغته. يقول مؤلف كتاب  (طريق السعادة). "يقول بعض الأوروبّيّين ممّن تعلّم العربيّة وطالع الكتب العربيّة. إنّ بعض الكتب العربيّة، مثل  مقامات الحريريّ وبديع الزمان الهمدانيّ تماثل القرآن في عباراته، بل هي أفضل منه.

 

ونُجيب قائلين إنّ أولئك الأوروبّيّين لم يكونوا مطّلعين على العربيّة، ولم يكونوا يدركون معنى الفصاحة والبلاغة، لأنّ البلاغة لا تعني في لغتهم ما تعنيه في العربيّة والفارسيّة. وكانوا لا يفهمون الخصائص الذوقيّة، حتى أنّهم لم يكونوا يميّزون الوزن والقافية، فينظمون شعراً غير موزون. ثمّ إنّ الحريريّ وبديع الزمان لم يدّعيا معارضة القرآن ومماثلته. بل إنّ كثيراً من فصحاء العرب الذين يقرّ الحريريّ بأفضليّتهم، من أمثال سَحْبان بن وائل، وابن نُباتة، والحجّاج بن يوسف، وأفضل منهم جميعاً. أمير المؤمنين عليه السلام صاحب «نهج البلاغة» لم يدّعِ أحد منهم مماثلة كلامه للقرآن.

 

وتحتوي مقامات الحريريّ وبديع الزمان عدّة قصص على لسان شحّاذ كان ينتزع أموال الناس بلطائف الحيل. فقد جاء أبو زيد - شحّاذ قصّة الحريريّ - إلى طائفة من الناس فقال لهم. إن هناك بطلًا صنديداً كان يفتح القلاع ويُريق الدماء ويشترك في الحروب قد توفّي، ولا كفن له، فأريد منكم مالًا لأجهّزه به. فأعطوه شيئاً من المال. ثمّ إنّ أحدهم تبعه ليطّلع على سرّه، ثمّ أمسك بتلابيبه بعد أن سارا مسافة وقال له. أين الميّت الذي أخبرتنا عنه؟! فكشف عن سراويله وأشار إلى غرمولاه. «1» ولبديع الزمان حكايات مخجلة أسوأ من هذه، نُعرض عن ذكرها «2».

 

فكيف تقاس بقوله تعالى. (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ، ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى ، وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى). «3» وينبغي قياس كلامَين في بلاغتهما إذا تحدّثنا عن مرامٍ واحد، فكان أحدهما أفضل من الآخر، لا إذا تحدّثا عن مرامين مختلفين". «4»

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - يقول في «أقرب الموارد ». غرمل، الغَراميل. الهضاب الحمر. وقال. الهضبة. الجبل المنبسط على وجه الأرض. وقيل. كلّ جبل خُلق من صخرة واحدة. وقيل. الطويل الممتنع المنفرد؛ ولا يكون إلّا في حُمر الجبال، أو دون المرتفع من الجبال، أو ما ارتفع من الأرض.

(2) - إنّ الشيخ سعدي الذي يعتبر القمّة في الأدب، والذي يُدعى أفصح المتكلّمين، له مطالب مبتذلة في ديوانه  گلستان» تحطّ من أوج بلاغته. ولقد درّس الحقير عدّة دورات من ديوان «گلستان» إلى أولادي في المنزل لتقوية إنشائهم ولتنمية قابليّتهم في الأدب الفارسيّ، وكانت بعض الحكايات في باب الضعف والهرم وفي باب العشق والشباب مُخجلة إلى الحدّ الذي كنت معه أصرف النظر عن تدريسها، فأتخطّاها إلى غيرها. وكان هؤلاء الأطفال الأبرياء يتحيّرون ويسألون. لماذا لا ندرس هذه الصفحات؟!

أما «ديوان حافظ» فجميع أرجائه عشق وتجلٍّ وشهود وعرفان، وتعبيرات مختلفة عن طريق السلوك إلى الله تعالى. وجميعه درس وطريقة للعمل والسلوك في لباس الشعر والتشبيه والتمثيل؛ وبيان للمعارف العالية في لباس المجاز، من باب تشبيه المعقول بالمحسوس. جزاه الله عن السالكين إلى الله خير جزاء السالكين، وعن المشتاقين إلى لقائه والفناء فيحرمه خيرَ جزاء المعلّمين.

ولقد كان المرحوم آية الله الحاجّ الميرزا علي آقاي القاضي رضوان الله عليه، وهو أستاذ آية الحقّ والعرفان الحاجّ السيّد محمّد حسين العلّامة الطباطبائيّ قدّس الله نفسه القُدسيّة يقول. ليس في أشعار سعدي رائحة للعرفان، وهي بأجمعها مِمَّا لَمْ يُذْكَر اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، عدا قصيدة واحدة أو اثنان أو ثلاثة أشعار غزليّة. ومن بينها هذه الأبيات. «أنا سعيد بالعالَم، لأنّ العالَم سعيدٌ به، وأنا عاشق لجميع العالَم، لأنّ جميع العالَم منه. وإن لم يَشْفَ جرحى الدامي فلا ضيْر؛ إذ هنيئاً للجُرح الذي يضع له الحبيب مرهماً كلّ لحظة».

(3) - الآيات 1 إلى 3، من السورة 53. النجم.

(4) - «طريق السعادة» لآية الله الشعرانيّ، ص 196 و 197، الطبعة الأولى.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد