انقلب الوضع على الأمويين، فلا هم يستطيعون أن يبرروا العمل الذي قاموا به لا سيما مع شدة شناعته، ولا يستطيعون تسويقه بين الناس، بل لقد تفاعل الوضع في الشام بنحو لم يتوقعه الأمويون، فقد بدأت الاحتجاجات والمعارضة من داخل الدائرة الأموية الخاصة، وبالطبع فإنها تتوسع كلما ابتعدت تزداد تعاطفاً مع أهل البيت واحتقاناً ضد الأمويين.
لقد نقل المؤرخون أن بعض نساء الأسرة الأموية كانت تتعاطف مع نساء أهل البيت عليهم السلام، ولا نستبعد هذا أبداً لما عليه النساء عادة من المشاعر التي قد تتجاوز ما عند الرجال من مواقف سياسية أو غيرها، بل وجدنا أن بعض أفراد هذه الأسرة يقبّحون ويشنعون ما قام به الأمويون من قسوة وبشاعة سواء في القتل أو السبي، ونسب بعضهم ليحيى بن الحكم، أخ مروان:
لَهَامٌ بجنب الطف أدنى قرابة، من ابن زياد الوغد ذي الوغل
سمية أمسى نسلها عدد الحصى، وليس لآل الله يعرف من نسل
هذا بالإضافة إلى ما ذكرناه من الأثر الذي تركه المجلسان اللذان تحدثنا عنهما.
وقد تنبه يزيد إلى التغير الحاصل في المزاج العام عند الناس وأنه لم يعد يحتمل مزيداً من الإيذاء لأسارى أهل البيت عليهم السلام، فاتخذ عدداً من الخطوات: منها كان التخفيف عن حضورهن، وفي المقابل إفراد مكان مناسب لإقامتهن، بل نعتقد أنه صار من الطبيعي أن يقام مأتم الحسين عليه السلام في مثل ذلك المكان.
بل تم تسريب أفكار إلى العامة تنتهي إلى تنصل يزيد مما تم فعله بالحسين وأهله، وألقيت اللائمة في ذلك على ابن زياد! وأنه هو المباشر في كل ما حصل ولو أن الأمر كان ليزيد لكانت النتائج مختلفة، وقد بقيت هذه الكلمات في المصادر التاريخية باعتبار أنها تمثل موقف يزيد الحقيقي مما استفاد منه أتباع الخط الأموي لتبرئة يزيد فيما يزعمون، لكن الحقيقة خلاف ذلك وإنما هو مناورة سياسية من يزيد لأجل دفع اللوم والمسؤولية عنه إلى جهة (غائبة) وكما يقولون تسجيل القضية على (غائب)!
(كلامه في أنه بغّضه إلى الناس..) هل كان ابن زياد متعمداً في ذلك؟
نعتقد أيضًا أنه انخدع قسم غير قليل من نقلة الأخبار من أن يزيد كان جاداً في ندمه على ما فعل أو أنه حتى بكى، بل لقد تعثر البعض حتى في الكلمات فقد نقل بعضهم عن سكينة بنت الحسين أنها قالت: ما رأيت كافراً بالله خيراً من يزيد! والصحيح أنها كانت في صدد بيان قسوته وشدته لا سيما في أول الأمر، وأنها قالت: ما رأيت كافراً شراً من يزيد ولا أقسى قلباً منه! وبالطبع فإن أحداث اليوم الأول على وجه الخصوص كانت تتناسب مع هذا الكلام، من كونه قد نكت ثنايا الحسين عليه السلام وتهجم على النساء وتهكم عليهن!
المهم في هذا أنه أصبح بقاء الأسارى في الشام، ولا سيما مع إمكانية خروج بعضهم للعامة، وأنهم لم يكونوا في الأيام التالية محبوسين أو معزولين، مثلما ينقل عن لقاء الإمام السجاد عليه السلام مع المنهال بن عمرو، أصبح بقاء هؤلاء مشكلة للحكم الأموي، فهم بمثابة علامة استفهام لا بد من الإجابة عليها، لماذا كان ما كان؟ بل هناك سؤال جديد وهو ماذا بعد؟ لنفترض أن الذي قام بما قام به ابن زياد في السابق، ماذا بعد الآن؟
ومع تنصل يزيد من المسؤولية، رأى أن يتخلص من هذا الموضوع من خلال إعادة ركب الأسارى إلى بلدهم حتى ينطفئ السؤال والاستفهام.
فأقدم على الخطوة الثانية وهي الاقتراح والتشاور مع الإمام السجاد في أن يرحلوا من دمشق إلى بلادهم، وهذا ما حصل بالفعل، وبالطبع فإنه لا شيء يربط الإمام السجاد عليه السلام وعماته وأهل بيت أبيه بالبقاء في الشام، فكان أن تم تجهيزهم لرحلة العودة، وبطبيعة الحال فإنهم سيختاورن في هذه المرة طريق بادية الشام الذي يتجه إلى العراق شرقاً، وكما سبق أن ذكرنا أنه يبلغ نحو ألف كيلومتر تقريباً.
وبحسب ما يستفاد من المصادر التاريخية فإنهم خرجوا من دمشق ليلة الأحد الحادي عشر من شهر صفر سنة 61 هـ، ولأنه تم التوصية بالرفق بهم في المسير وهو ما تقتضيه طبيعة الأمور في هذه المرحلة فيفترض أنهم ساروا قاطعين الطريق بشكل هادئ من دون منغصات واضحة وأنهم كانوا متى شاؤوا الاستراحة والنزول فعلوا، ولعل هذا هو الذي جعل الطريق الذي لا يستغرق من الوقت أكثر من سبعة أيام، جعله يستغرق بهم حدود الأيام التسعة بحيث وصلوا إلى كربلاء يوم الثلاثاء العشرين من شهر صفر سنة 61 هـ.
عدنان الحاجي
الشيخ محمد صنقور
السيد عادل العلوي
الشيخ فوزي آل سيف
السيد عباس نور الدين
محمود حيدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد عبد الحسين دستغيب
الشيخ جعفر السبحاني
أحمد الرّويعي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
حسين آل سهوان
أحمد الرويعي
أسمهان آل تراب
حسين حسن آل جامع
أحمد الماجد
فريد عبد الله النمر
علي النمر
زهراء الشوكان
الآنَ أتّخذُ القصيدةَ معبرا
كتاب: جهاد الإمام السجّاد عليه السلام
هل غلي الماء في الغلّاية أكثر من مرّة مضرّ بالصّحّة؟
مرض الإمام زين العابدين (ع) في كربلاء
ماذا حقّق الإمام زين العابدين عليه السّلام من البكاء؟
يزيد حين تنصّل من جريمته
تجاذبات أدبيّة وثقافيّة للأستاذ علي عساكر مع الكاتبينِ محمّد المبارك وحسن البطران
العمل الحسيني: الشّهر المعظّم، فرقة حماة الصّلاة
دور التّضحية في التّقدّم الحضاري
تطوّر دماغ الطفل ونموّه بحاجة إلى نوم كافٍ