من التاريخ

نداء المأمون في ذمّ معاوية


«..وفي سنة اثنتَي عشرة ومائتين نادى منادي المأمون: بَرئتِ الذمّةُ من أحدٍ من النّاس ذَكَر معاوية بخيرٍ أو قدّمه على أحدٍ من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم... وتنازع الناس في السبب الذي من أجله أمرَ بالنداء في أمر معاوية، فقيل في ذلك أقاويل: منها أنّ بعض سُمّاره حدّث بحديثٍ عن مطرف بن المغيرة بن شعبة الثقفي... قال:
وَفَدْتُ مع أبي المغيرة إلى معاوية، فكان أبي يأتيه يتحدّث عندَه ثم ينصرف إليَّ، فيذكر معاوية ويذكر عقلَه ويعجب ممّا يرى منه، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، فرأيته مغتمّاً، فانتظرتُه ساعة، وظننتُ أنّه لشيءٍ حدث فينا أو في عملنا، فقلتُ له: ما لي أراك مغتمّاً منذ الليلة؟
قال: يا بنيّ، إنّي جئتُ من عند أخبث الناس، قلت له: وما ذاك؟
قال: قلت له وقد خلوت به: ...لو نظرتَ إلى إخوتك من بني هاشم فوصلتَ أرحامَهم، فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه، فقال لي: هيهات هيهات!! مَلكَ أخو تَيمٍ فعدل وفعل ما فعل، فواللهِ ما عدا أن هلك فهلك ذكرُه، إلّا أن يقول قائلٌ: أبو بكر، ثمّ ملك أخو عَدِيٍّ، فاجتهد وشمّر عشر سنين، فواللهِ ما عدا أن هلك فهلك ذكرُه، إلا أن يقول قائلٌ: عمر، ثمّ ملك أخونا عثمان فملك رجلٌ لم يكن أحد في مثل نسبه، فعمل ما عمل وعمل به فواللهِ ما عدا أن هلك فهلك ذكره وذكرُ ما فُعلَ به، وإنّ أخا هاشم يُصْرَخُ به في كلّ يوم خمس مرات: أشهد أنّ محمداً رسول الله، فأيُّ عملٍ يبقى مع هذا لا أمَّ لك؟! والله إلّا دفناً دفناً.
وإنّ المأمون لمّا سمع هذا الخبر بعثه ذلك على أنْ أمر بالنداء على حسب ما وصفنا، وأُنشئت الكتب إلى الآفاق بلعنه على المنابر، فأعظَم الناسُ ذلك وأكبروه، واضطربت العامّة منه فأُشير عليه بترك ذلك، فأعرض عمّا كان هَمَّ به».
(المسعودي، مروج الذهب)

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد