من التاريخ

من أخبار بدر


الشيخ المفيد قدس سره

من مختصر الأخبار التي جاءت بشرح ما أثبتناه:
«.. عن حارث بن مضرب، قال: سمعت عليّ بن أبي طالب عليه السلام، يقول: لقد حضرنا بدراً وما فينا فارسٌ غير المقداد بن الأسود، ولقد رأيتَنا ليلةَ بدرٍ وما فينا إلّا مَن نام، غيرَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فإنّه كان منتصباً في أصل شجرةٍ يصلّي ويدعو حتّى الصباح».
«.. عن أبي رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال: لمّا أصبح الناس يوم بدر، اصطفّت قريش؛ أمامها عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، وابنة الوليد، فنادى عتبة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال: يا محمّد، أَخْرِج إلينا أكْفاءَنَا من قريش. فبدر إليهم ثلاثة من شبّان الأنصار فقال لهم عتبة: من أنتم؟ فانتسبوا له، فقال لهم: لا حاجة بنا إلى مبارزتكم، إنّما طلبنا بني عمّنا.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله، للأنصار: ارجعوا إلى مواقفكم.
ثمّ قال: قم يا عليّ، قم يا حمزة، قم يا عبيدة، قاتلوا على حقّكم الذي بعث اللهُ به نبيَّكم، إذ جاؤوا بباطلهم ليُطفئوا نور الله.
فقاموا فصفّوا للقوم، وكان عليهم البيض [جمع بيضة وهي التي تغطي رأس المقاتل] فلم يُعرَفوا، فقال لهم عتبة: تكلّموا، فإن كنتم أكفاءنا قاتلناكم.
فقال حمزة: أنا حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسدُ رسوله. فقال عتبة: كُفْوٌ كريم.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: أنا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب.
وقال عبيدة: أنا عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب.
فقال عتبة لابنه الوليد: قم يا وليد، فبرز إليه أميرُ المؤمنين عليه السلام، وكانا إذ ذاك أصغريّ الجماعة سنّاً، فاختلفا ضربتين، أخطأت ضربة الوليد أمير المؤمنين عليه السلام، واتّقى بيده اليسرى ضربة أمير المؤمنين عليه السلام فأبانتها. فرُوي أنّه كان يذكر بدراً وقتله الوليد، فقال في حديثه: كأنّي أنظرُ إلى وميضِ خاتمه في شماله، ثمّ ضربتُه ضربةً أخرى فصرعته وسلبتُه، فرأيت به رَدعاً من خَلوق، [أي أثرَ الطِّيب]فعلمتُ أنه قريب عهدٍ بعرس.
ثمّ بارز عتبة حمزة رضي الله عنه فقتله حمزة.

ومشى عبيدة - وكان أسنّ القوم - إلى شيبة، فاختلفا ضربتين، فأصاب ذُباب سيف [طرف السيف الذي يُضرَب به] شيبة عضلة ساق عبيدة فقطعتها، واستنقذه أمير المؤمنين عليه السلام وحمزة منه، وقتلا شيبة، وحُمل عبيدة من مكانه فمات بالصفراء» [الصفراء: وادٍ بين مكة والمدينة].
«.. عن أبي جعفر (الباقر) عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لقد تعجبّتُ يومَ بدرٍ من جرأة القوم، وقد قتلتُ الوليد بن عتبة، وقَتل َحمزةُ عتبة، وشركتُهُ في قتل شيبة، إذ أقبل إليّ حنظلة بن أبي سفيان، فلمّا دنا منّي ضربتُه ضربةً بالسيف فسالت عيناه، فلزم الأرض قتيلاً».
«.. عن صالح بن كيسان، قال: مرّ عثمان بن عفان بسعيد بن العاص، فقال: انطلق بنا إلى... عمر بن الخطاب نتحدّث عنده، فانطلقا.
قال (ابن العاص): فأمّا عثمان فصار إلى مجلسه الذي يشتهيه، وأما أنا فملتُ في ناحية القوم، فنظر إليّ عمر وقال: ما لي أراك كأنّ في نفسك عَلَيَّ شيئاً؟ أتظنّ أنّي قتلتُ أباك؟ واللهِ لوددتُ أنّي كنتُ قاتله، ولو قتلته لم أعتذر من قتل كافر، لكنّي مررتُ به يوم بدرٍ فرأيته يبحث للقتال كما يبحث الثور بقرنه، وإذا شدقاه قد أزبدا كالوَزَغ، فلمّا رأيت ذلك هبتُه ورغتُ عنه، فقال: إلى أين يا ابن الخطاب؟ وصمد له عليٌّ فتناوله، فوالله ما رمتُ مكاني حتّى قتله.
قال: وكان عليٌّ عليه السلام حاضراً في المجلس، فقال: اللهمّ غَفْراً، ذهبَ الشركُ بما فيه، ومحا الإسلامُ ما تقدّم، فما لك تُهيِّجُ الناس؟! فكفّ عمر.
قال سعيد: أما إنّه ما كان يسرّني أن يكون قاتلُ أبي غير ابن عمّه عليّ بن أبي طالب. وأنشأ القوم في حديثٍ آخر».
«.. عن عروة بن الزبير: إنّ عليّاً عليه السلام أقبل يوم بدر نحو طعيمة بن عديّ بن نوفل، فشجره بالرمح، وقال له: والله لا تخاصِمُنا في الله بعد اليوم أبداً».
«.. عن الزهري، قال: لمّا عرف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، حضور نوفل بن خويلد بدراً، قال: اللّهمّ اكفني نوفلاً. فلمّا انكشفت قريش رآه عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وقد تحيّر لا يدري ما يصنع، فصمد له ثمّ ضربه بالسيف فنشب في حَجَفَتِه[التِّرس إذا كان من جِلد] فانتزعه منها، ثمّ ضرب به ساقه، وكانت درعه مشمَّرةً فقطعها، ثمّ أجهز عليه فقتله.
فلمّا عاد إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، سمعه يقول: مَن له علمٌ بنوفل؟
فقال له: أنا قتلتُه يا رسولَ الله. فكبّر النبيّ صلّى الله عليه وآله، وقال: الحمدُ لله الذي أجاب دعوتي فيه».