هو الإمام الهمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم أفضل الصلاة والسلام، أبوه الإمام محمد الباقر عليه السلام سيد الناس وأعلمهم في عصره، ولم يظهر من أحد في ولد الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام من علم الدين والسنن، وعلم القرآن والسير، وفنون الأدب والبلاغة مثل ما ظهر منه1 .
وأمه هي السيدة الفاضلة أم فروة بنت الفقيه القاسم بن محمد بن أبي بكر، وكانت من سيدات النساء عفة وشرفاً وفضلاً، فقد تربت في بيت أبيها، وهو من الفضلاء اللامعين في عصره، كما تلقّت الفقه والمعارف الإسلامية من زوجها الإمام محمد الباقر عليه السلام ، وكانت على جانب كبير من الفضل، فقد كانت مرجعاً لنساء عصرها في مهام أمورهنّ الدينية 2.
لقّب عليه السلام بالصادق، ونصّ المؤرخون: أن النبي هو الذي سماه بجعفر ولقّبه بالصادق3 ، كما لقب بالصابر والفاضل والطاهر وعمود الشرف، والقائم والكافل والمنجي 4، وكان يكنى بأبي عبد الله، وأبي إسماعيل، وأبي موسى 5.
وقد اختلف المؤرخون في السنة التي ولد فيها، فمن قائل إنه ولد بالمدينة سنة 80 هـ 6، وآخرون أنه ولد سنة 83 هـ يوم الجمعة، وقيل يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول7 ، وقيل سنة 86 هـ 8.
رحل إلى جوار ربه عن عمر يناهز 65 سنة في عام 148هـ، ودفن في البقيع إلى جوار أبيه الباقر عليه السلام، وقد تزامنت إمامته مع نهاية الحكم الأموي في سنة 132هـ، وبدايات الحكم العباسي الذي بدأ من ذلك التاريخ، فقد عاصر من الخلفاء العباسيين، هشام بن عبد الملك، والوليد بن يزيد بن عبد الملك، ويزيد بن الوليد بن عبد الملك، وإبراهيم بن الوليد، ومروان بن محمد المعروف بمروان الحمار، ومن الخلفاء العباسيين، عبد الله بن محمد المعروف بالسفاح، وأبو جعفر المعروف بالمنصور الدوانيقي.
المقام العلمي العظيم للإمام الصادق عليه السلام
اعترف أئمة المذاهب، وعلماء الأمة بالمقام العلمي الشامخ للإمام الصادق عليه السلام ، فقد قال أبو حنيفة النعمان بن ثابت وهو إمام المذهب الحنفي الشهير: "ما رأيت أعلم من جعفر بن محمد" 9، وقد استدل على أعلميته بأن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس10 .
وقال مالك إمام المذهب المالكي: اختلفت إلى جعفر بن محمد زماناً، فما كنت أراه إلا على إحدى ثلاث خصال: إما مصلياً، وإما صائماً، وإما يقرأ القرآن، وما رأيته قط يحدّث عن رسول الله إلاّ على طهارة 11، ولا يتكلم بما لا يعنيه، وكان من العلماء العباد والزهاد الذين يخشون الله، وما رأت عين ولا سمعت أذن، ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً 12.
وقال ابن حجر الهيثمي: جعفر الصادق نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان، ولم ينقل عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه من العلوم 13.
ويقول أبو بحر الجاحظ أحد علماء القرن الثالث: جعفر بن محمد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه، ويقال إن أبا حنيفة من تلامذته، وكذلك سفيان الثوري، وحسبك بهما في هذا الباب 14.
وكتب ابن خلكان المؤرخ الشهير: أبو عبد الله جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية، وكان من سادات آل البيت، ولقّب بالصادق لصدقه، وفضله أشهر من أن يذكر، وكان أبو موسى جابر ابن حيان الكوفي تلميذاً عنده، وصنف جابر كتاباً في ألف ورقة يتضمن رسائل الإمام جعفر الصادق، وهي خمسمائة رسالة 15.
الجامعة الجعفرية الكبرى
كان عصر الإمام الصادق عليه السلام عصراً فريداً، والظروف الاجتماعية والثقافية التي عاشها لم يعشها أيّ واحد من الأئمة عليهم السلام، ذلك أن تلك الفترة كانت من الناحية السياسية فترة تزعزع الحكم الأموي، واشتداد شوكة العباسيين، وكان الطرفان في صراع مستمر، بدأ الصراع الإعلامي، والنضال السياسي للعباسيين منذ عهد هشام بن عبد الملك، وفي عام 129هـ دخل الصراع نطاق الكفاح المسلح، وفي نهاية المطاف انتصر العباسيون عام 132هـ.
ونظراً لانشغال الأمويين خلال هذه الفترة بالمشاكل السياسية الكثيرة لم تسنح لهم الفرصة لمضايقة الإمام الصادق وشيعته، كما أن العباسيين، ولأنهم كانوا يرفعون شعار الدفاع عن أهل البيت والثأر لهم قبل استلامهم مقاليد الحكم لم تكن هناك مضايقة من جانبهم أيضاً، ومن هنا كانت هذه الفترة فترة هدوء وحرية نسبية للإمام الصادق وشيعته، فكانت فرصة مناسبة جداً لتفعيل نشاطهم العلمي والثقافي.
ومن جهة أخرى كان عصره عليه السلام عصر تلاقح وتضارب الأفكار، وظهور الفرق والطوائف والتيارات المختلفة، وانبثقت شبهات وإشكاليات متعددة جراء تضارب عقائد المسلمين مع عقائد أهل الكتاب وفلاسفة اليونان.
وقد ظهرت تيارات وفرق، مثل المعتزلة والجبرية، والمرجئة، والغلاة، والزنادقة، والمشبهة، والمتصوفة، والمجسّمة، والتناسخية وغيرها، وكانت كل فرقة تروّج أفكارها وعقائدها، وفضلاً عن ذلك كله كان الخلاف يدب في العلم الواحد من العلوم الإسلامية بين علماء ذلك العلم، فمثلاً كانت تحدث مناقشات حادة في علوم القراءة والتفسير والحديث والفقه والكلام.
نظراً لذلك كله واصل الإمام الصادق عليه السلام الجهود التي ابتدأها أبوه الإمام الباقر، وأسس جامعة علمية كبيرة، علّم وربّى فيها تلامذة كباراً وبارزين، أمثال هشام بن الحكم، ومحمد بن مسلم، وأبان ابن تغلب، وهشام بن سالم، ومؤمن الطاق، والمفضل بن عمر، وجابر بن حيان، وغيرهم كثير في مختلف العلوم العقلية والنقلية، وقد ناهز عدد تلامذته الأربعة آلاف عالم 16، وكان لبعضهم مؤلفات علمية وتلامذة كثيرون، فكان لهشام ابن الحكم واحد وثلاثون كتاباً 17، ولجابر أكثر من مئتي كتاب 18 وفي مواضيع مختلفة لا سيما في العلوم العقلية والطبيعية والكيمياوية، وقد أشتهر بأبي الكيمياء.
لقد زخرت هذه الجامعة بطلاب من مختلف المذاهب والفرق، وكان أئمة المذاهب السنية المشهورون بشكل مباشر وغير مباشر تلامذة لديه، وكان على رأسهم أبو حنيفة الذي لازم الإمام سنتين، وجعل هاتين السنتين مصدر علمه ومعرفته، وكان يقول: لولا السنتان لهلك النعمان 19.
ويكفي ما قاله الحسن بن علي بن زياد الوشاء في سعة هذه الجامعة فقال: أدركت في هذا المسجد - أي مسجد الكوفة - تسعمائة شيخ كل يقول: حدثني جعفر بن محمد 20.
ويقول ابن حجر العسقلاني: فقد حدث عنه فقهاء ومحدثون، مثل: شعبة، وسفيان الثوري، وسفيان بن عينية، ومالك، وابن جريح، وأبي حنيفة، وابنه موسى، ووهيب بن خالد، والقطان، وأبي عاصم، وجماعة كثيرة 21.
ـــــ
1- الفصول المهمة: 192.
2- قبسات من سيرة القادة الهداة 2: 50.
3- الدر النظيم في مناقب الأئمة: 185.
4- مرآة الزمان 5: 116، وسر السلسلة العلوية: 34، ومناقب آل أبي طالب 4: 281.
5- المناقب لابن شهر آشوب 4: 281.
6- تذكرة الحفاظ 1: 157.
7- أصول الكافي 1: 472، والمناقب 4: 280، وإعلام الورى: 271.
8- المناقب 4: 208.
9- تذكرة الحفاظ 1: 166.
10- الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 4: 335.
11- تهذيب التهذيب 1: 88.
12- المصدر السابق 1: 53.
13-الصواعق المحرقة: 201.
14- نقله عنه كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 1: 55.
15- وفيات الأعيان 1: 327.
16-الإرشاد: 271.
17- إعلام الورى: 284.
18-الفهرست لابن النديم: 512 – 517.
19- الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 1: 70.
20-فهرست مصنفي الشيعة: 39 – 40.
21-مرآة الجنان 1: 304.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع