من التاريخ

سقوط بني قريظة

 

أقدم رسُولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله في السنة الأُولى من هجرته إلى المدينة، على تنظيم وعقد ميثاق تعايش بين سكان المدينة وما حولها، بغية إنهاء جميع أشكال الاختلاف، والتنازع، والصراع الداخليّ.
وقد تعهَّد الأوسيّون والخزرجيُّون، عامة واليهود من تينك القبيلتين أن يدافعوا عن المدينة وما حولها.هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى عقد رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله بينه وبين يهود المدينة ميثاقاً آخر ينصُّ على أن مختلف الطوائف اليهودية تتعهد بأن لا تلحق أي ضرر وأذى برسول اللّه وأصحابه، ولا تمدَّ أعداءهم بالخيل والسلاح، وأنها لو فعلت شيئاً من ذلك يكون لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الحقُ في أن يقتلهم، ويسبي نساءهم وأبناءهم.
إلا أنَّ جميع الطوائف اليهودية الثلاث نقضت الميثاق المذكور بشتى العناوين والصور، وتجاهلت بنوده، ومواده!
فقد قتل "بنو قينقاع" مُسلماً، وخطّطت "بنو النضير" لاغتيال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وأجبرهم على الجلاء من المدينة وأخرجهم من البيئة الإسلامية.
وتعاونت "بنو قريظة"مع جيش المشركين لضرب المسلمين، وطعنهم من الخلف، والآن يجب أن نرى كيف يوبخ رسولُ اللّه بني قريظة على نقضهم للميثاق.


قوات الإسلام تحاصر بني قريظة
لم يكن الصبح قد أسفر بعد عندما غادرت آخر مجموعة من جنود "الأحزاب" أرض المدينة قافلة إلى بلادها مرعوبة للغاية.
كما أن آثار التعب والإرهاق لم تكن قد فارقت بعد ملامح المسلمين، ومع ذلك فقد أمر اللّه نبيه صلّى اللّه عليه وآله بأن يعالج قضيّة "بني قريظة" بصورة نهائية، فَأذَّن مؤذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بالمسلمين صلاة الظهر، ثم نادى منادي النبي صلّى اللّه عليه وآله في الناس: من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلينّ العصر إلا ببني قريظة!
ثم إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قدّم "عليَ بن أبي طالب" برايته، وخرج معه جنودُ الإسلام الشجعان، فحاصروا حصون "بني قريظة"، فأخبرهم ديرانيهم بنشاط المسلمين، فبادروا إلى إغلاق أبواب الحصون، والتحصّن في داخلها، ونشبت الحرب بين بني قريظة والمسلمين من اللحظات الأولى فقد أخذ اليهود يشتمون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وقالوا فيه مقالة قبيحة فرجع علي عليه السَّلام بالمسلمين فالتقى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في الطريق وقد كره أن يسمع النبي صلّى اللّه عليه وآله أذاهم وشتمهم وحاول أن يثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من الاقتراب إلى حصن بني قريظة قائل: "لا عليك أن تدنو من هؤلاء الأخابث". 
فلما عرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بسبب ذلك قال: "لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئاً"، فلما دنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من حصونهم قال لهم: "هل أخزاكم اللّهُ وأَنزل عليكم نقمته"؟
وقد كانت ردةُ فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الشديدة غير متوقعة لليهود، ومن هنا قالو: "يا أبا القاسم ما كنتَ جَهُولاً.." وهم يريدون بذلك إطفاء مشاعره الملتهبة ضدّهم. فأثارت كلمتهم هذه عاطفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بحيث رجع من غير اختيار، وسقط رداؤه من كتفه.



خرج "شأسُ بن قيس" اليهودي من الحصن ليتحادث مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله نيابة عن بني قريظة، فطلب من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أن يسمح ليهود بني قريظة بأن يحملوا معهم أموالهم ويخرجوا من المدينة كما فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله مع بني النضير، فأبى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وقال: "لا، إلا أن تنزلوا على حكمي".
فقال شأس: لك الأموالُ والسلاح وتحقن دماءنا، فأبى النبي صلّى اللّه عليه وآله ورفض هذا الاقتراح أيضاً.
وهنا يطرح السؤال التالي نفسه وهو: لماذا رفض رسول الإسلام صلّى اللّه عليه وآله مقترحات مندوب بني قريظة؟!
إن السبب واضح، فإنه لم يكن من المستبعد أن تقدم هذه الزمرة بعد خروجها من قبضة المسلمين على تحريك العرب المشركين الوثنيين ضدّ الإسلام والمسلمين على نحو ما فعلت بنو النضير، وتعرّض المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية الفتية لأخطار كبرى جداً، وتسبب في سفك دماء كثيرة.
ولهذا لم يوافق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله على اقتراحات مندوب بني قريظة، وعاد شأس إلى الحصن، وأخبر قومه بمقالة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، ورفضه لمقترحاته.
فقرر بنو قريظة التسليم للمسلمين من دون أي قيد أو شرط، أو الرضا بما يحكم به سعد بن معاذ الأوسي -وكان حليفاً لهم- في حقهم.
ولهذا عمدوا إلى فتح باب الحصن، ودخل علي عليه السَّلام على رأس كتيبة خاصة من المسلمين الحصن وجرّدوا بني قريظة من السلاح، وحبسوهم في منازل "بني النجار" ليتقرر مصيرهم فيما بعد.

وحيث إن يهود بني قينقاع قد أُسروا على أيدي جنود الإسلام، ثم عفي عنهم بوساطة من الخزرج وبخاصة "عبد اللّه بن أُبي"، وانصرف النبي صلّى اللّه عليه وآله عن إهراق دمهم فيما مضى، لذا ضغط الأوسيون المتحالفون مع بني قريظة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأصرّوا عليه إصراراً شديداً بأن يعفو عن بني قريظة الذين كانوا متحالفين مع الأوس من قبل أن يقدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله المدينة، وذلك منافسة للخزرج.
ـــــــــ
سيد المرسلين، الشيخ جعفر الهادي، مؤسسة النشر الإسلامي، ط2، قم/إيران، 1422هـ، ج2، ص281-289

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد