من التاريخ

بعض من سيرة الإمام الحسين (ع) (1)


السيد هاشم معروف الحسني
لقد جاء في مناقب آل الرّسول لمحمد بن أبي طلحة الشّافعي: قد اشتهر عن الحسين أنّه كان يكرم الضّيف، ويمنح الطالب، ويصل الرَّحم، ويعطي الفقير، ويسعف السائل، ويكسو العاري، ويشبع الجائع، ويعطي الغارم، ويشفق على اليتيم، ويعين أصحاب الحاجات، وقلّما وصله مال إلا فرَّقه.
وقد روى الرّواة ما جرى له ولأخيه الحسن وعبد الله بن جعفر مع العجوز التي ذبحت لهم الشّاة وهم في طريقهم إلى مكّة، وما جرى لهم معها حينما رأوها في المدينة بعد ذلك وهي في أسوأ الحالات من البؤس والفقر، وقد أعطاها الحسن (عليه السلام) ألف شاة وألف دينار، وأعطاها كلّ من الحسين وعبد الله بن جعفر مثل ذلك، فرجعت مع زوجها إلى بلادها بثلاثة آلاف شاة وثلاثة آلاف دينار.


وجاء في كتاب "عقد اللآل في مناقب الآل" أن الحسين كان جالساً في مسجد النبي (صلى الله عليه واله) بعد وفاة أخيه الحسن في ناحية، وعبد الله بن الزبير وعتبة بن أبي سفيان في ناحية أخرى، فجاء أعرابي على ناقة، فعقلها بباب المسجد ودخل، فوقف على عتبة وسلّم عليه، فردّ عليه السلام، فقال له الأعرابي: لقد قتلت ابن عمّ لي، وطالبني أهله بديته، فهل لك أن تعطيني شيئاً منها؟ فرفع‏ عتبة رأسه إلى غلامه وقال له: ادفع له مائة درهم، فرفضها الأعرابي، واتجه إلى عبد الله بن الزبير، وقال له مثل مقالته لعتبة، فأمر له بمائتي درهم، فرفضها الأعرابي، وقال إن مثل هذا المبلغ لا يصنع لي شيئاً، ثم اتجه إلى الحسين (عليه السلام)، فسلّم عليه وعرض له حاجته، فقال له: يا أعرابيّ، نحن قوم لا نعطي المعروف إلا بمقدار المعرفة، فقال له: سل ما تريد، فقال الحسين: يا أعرابي، ما النجاة من الهلكة؟ قال التوكّل على الله، فقال له: أيّ الأعمال أفضل؟ فقال الثقة بالله، فقال له الإمام: أيّ شي‏ء خير للعبد في حياته؟ قال علم معه حلم، قال فإن خانه ذلك؟ قال مال يزينه سخاء وسعة، قال فإن أخطأه ذلك؟ قال الموت والفناء خير له من الحياة والبقاء. ومضى الإمام يسأله وهو يجيب، حتى أعجب به الإمام (عليه السلام)، وقال لوكيله: ادفع له عشرين ألفاً، وقال له: عشرة منها لقضاء ديونك، وعشرة تلمّ بها شعثك وتنفقها على عيالك. فأنشأ الأعرابي يقول:
طربت وما هاج لي معبق‏ ولا لي مقام ولا معشق‏
ولكن طربت لآل الرّسول‏ فلذّ لي الشّعر والمنطق‏
هم الأكرمون هم الأنجبون‏ نجوم السّماء بهم تشرق‏
سبقت الأنام إلى المكرمات‏ وأنت الجواد فلا تلحق‏
أبوك الذي ساد بالمكرمات‏ فقصر عن سبقه السبق‏
به فتح الله باب الرشاد وباب الفساد بكم مغلق‏


وجاء في تاريخ ابن عساكر، أن سائلاً خرج يتخطّى أزقة المدينة، حتى أتى باب الحسين، فقرع الباب وأنشأ يقول:
لم يخب الآن من رجاك ومن‏ حرّك من خلف بابك الحلقة
أنت ذو الجود وأنت معدنه‏ أبوك قد كان قاتل الفسقة
وكان الإمام واقفاً يصلّي، فخفّ من صلاته، وخرج إلى الأعرابي، فرأى عليه الضّرّ والفاقة، فرجع ونادى وكيله، فأقبل إليه مسرعاً، فقال له: ما بقي معك من نفقتنا؟ قال: مائتا درهم أمرتني بصرفها على أهل بيتك، فقال هاتها، فقد أتى من هو أحق بها منهم، فأخذها ودفعها إلى الأعرابي، وأنشد يقول:
خذها وإني إليك معتذر واعلم بأني عليك ذو شفقه‏
لوكان في سيرنا عصا تمدّ إذاً‏ كانت سمانا عليك مندفقه‏
لكنّ ريب المنون ذو نكد والكفّ منا قليلة النفقة
فأخذها الأعرابي وهو يقول:
مطهرون نقيات جيوبهم‏ تجري الصلاة عليهم أينما ذكرو
وأنتم أنتم الأعلون عندكم‏ علم الكتاب وما جاءت به السّور
من لم يكن علويّاً حين تنسبه‏ فما له في جميع النّاس مفتخر


وجاءه رجل من الأنصار يريد أن يسأله حاجة، فقال له: "يا أخا الأنصار: صن وجهك عن ذلّ المسألة، وارفع إليَّ حاجتك في رقعة، فإني آتٍ فيها ما يسرّك إن شاء الله". فكتب إليه أنّ لفلان عليّ خمسمائة دينار، وقد ألحّ بي فكلّمه أن ينتظرني إلى ميسرة. فلما قرأ الرقعة أبو عبد الله، دخل إلى منزله، وأخرج صرّة فيها ألف دينار، وقال له: هذه ألف دينار، منها خمسمائة لقضاء دينك، والباقي تستعين بها على دهرك، ولا ترفع حاجتك إلا إلى ثلاثة؛ إلى ذي دين أو مروءة أو حسب، فأمّا ذو الدَّين فيصون دينه، وأمّا ذو المروءة فإنّه يستحي لمروءته، وأمّا ذو الحسب، فيعلم أنّك لم تكرم وجهك أن تبذله في حاجتك، فهو يصون وجهك أن يردّك بغير قضاء حاجتك.
وروى الرواة أنّه دخل على أسامة بن زيد في مرضه وهو يقول: وا غمّاه، فقال له الحسين: وما غمّك يا أخي؟ قال: ديني، وهو ستون ألف درهم، فقال له الحسين (ع): هو عليّ، فقال له أسامة: أخشى أن أموت‏ قبل وفائه، فوفاها عنه من ساعته.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد