من التاريخ

خروج التوابين بقيادة سليمان بن صرد طلبًا بدم الإمام الحسين (ع) (2)

 

في الأول من ربيع الثاني
التوبة عند قبر الحسين (ع):

ثم ساروا حتى انتهوا إلى قبر الحسين (عليه السلام)، فلما وصلوا صاحوا صيحة واحدة فما رؤي أكثر باكيًا من ذلك اليوم، فترحموا عليه وتابوا عنده من خذلانه وترك القتال معه، وأقاموا عنده يومًا وليلة يبكون ويتضرعون ويترحمون عليه وعلى أصحابه، وكان من قولهم عند ضريحه:
اللهم ارحم حسينا الشهيد ابن الشهيد، المهدي ابن المهدي، الصديق ابن الصديق، اللهم إنا نشهدك إنا على دينهم وسبيلهم وأعداء قاتليهم وأولياء محبيهم، اللهم إنا خذلنا ابن بنت نبينا (صلى الله عليه وآله) فاغفر لنا ما مضى منا وتب علينا، فارحم حسينًا وأصحابه الشهداء الصديقين، وإنا نشهدك إنا على دينهم وعلى ما قتلوا عليه، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
وزادهم النظر إليه حنقًا، ثم ساروا بعد أن كان الرجل يعود إلى ضريحه كالمودع له، فازدحم الناس عليه أكثر من ازدحامهم على الحجر الأسود، ثم ساروا على الأنبار حتى وصلوا إلى عين الوردة (4) وأقبل أهل الشام في عساكرهم وعلى رأسهم عبيد الله بن زياد، فوقعت هناك مقتلة عظيمة قتل فيها سليمان بن صرد وأصحابه، ولم ينج منهم غير رفاعة بن شداد ونفر يسير عادوا إلى الكوفة، وكان قتل سليمان وأصحابه في شهر ربيع الآخر.
ولما بلغ رفاعة الكوفة كان المختار محبوسًا - في سجن عبد الله بن يزيد الخطمي عامل ابن الزبير - فأرسل إليه: أما بعد فمرحبًا بالعصبة الذين عظم الله لهم الأجر حين انصرفوا ورضي فعلهم حين قتلوا، أما ورب البيت ما خطا خاط منكم خطوة ولا ربا ربوة، إلا كان ثواب الله أعظم من الدنيا، إن سليمان قد قضى ما عليه، وتوفاه الله وجعل روحه مع أرواح النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولم يكن بصاحبكم الذي به تنصرون، إني أنا الأمير المأمور والأمين المأمون وقاتل الجبارين، والمنتقم من أعداء الدين المقيد من الأوتار، فأعدوا واستعدوا وأبشروا، أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه والطلب بدم أهل البيت والدفع عن الضعفاء وجهاد المحلين والسلام (5).
 

خبر المختار وتتمة ثورة التوابين:
ثم خرج المختار من سجن الكوفة، وقال له أصحابه إن أجابنا إلى أمرنا إبراهيم بن الأشتر رجونا القوة على عدونا فإنه فتى رئيس وابن رجل شريف له عشيرة ذات عز وعدد فخرجوا إلى إبراهيم وسألوه مساعدتهم وذكروا له ما كان أبوه عليه من ولاء علي وأهل بيته فأجابهم إلى الطلب بدم الحسين (ع).
وكان عبيد الله بن زياد قد هرب بعد موت يزيد إلى الشام وجاء بجيش إلى الموصل فأرسل إليه المختار يزيد بن أنس في ثلاثة آلاف فلقي مقدمة أهل الشام فهزمهم وأخذ عسكرهم ومات من مرض به فعاد أصحابه إلى الكوفة لما علموا أنه لا طاقة لهم بعسكر ابن زياد فأرسل المختار إبراهيم بن الأشتر في سبعة آلاف وأمره أن يرد جيش يزيد.
 

قتل قتلة الحسين (ع):
ثم سار إبراهيم بعد يومين لقتال ابن زياد وكان قد سار في عسكر عظيم من الشام فبلغ الموصل وملكها فنزل إبراهيم قريبًا منه على نهر الخازر ولم يدخل عينه الغمض حتى إذا كان السحر الأول عبى أصحابه وكتب كتابه وأمر أمراءه فلما انفجر الفجر صلى الصبح بغلس ثم خرج فصف أصحابه ونزل يمشي ويحرض الناس حتى أشرف على أهل الشام فإذا هم لم يتحرك منهم أحد وسار على الرايات يحثهم ويذكرهم فعل ابن زياد بالحسين وأصحابه وأهل بيته من القتل والسبي ومنع الماء وتقدم إليه وحملت ميمنة أهل الشام على ميسرة إبراهيم فثبتت لهم وقتل أميرها فاخذ الراية آخر فقتل وقتل معه جماعة وانهزمت الميسرة فاخذ الراية ثالث ورد المنهزمين فإذا إبراهيم كاشف رأسه ينادي:
أي شرطة الله أنا ابن الأشتر إن خير فراركم كراركم ليس مسيئًا من أعتب.
وحمل إبراهيم وجنوده على جند ابن زياد وأوقعوا فيهم مقتلة عظيمة راح فيها كبار قواد جيش ابن زياد ورجالاته، ولما انهزم أصحاب ابن زياد تبعهم أصحاب إبراهيم فكان من غرق أكثر ممن قتل وأنفذ إبراهيم عماله إلى نصيبين وسنجار ودارا وقرقيسيا وحران والرها وسميساط وكفر توثا وغيرها وأقام هو بالموصل.
________________________________________
4- مدينة من مدن الجزيرة بين حران ونصيبين ودنيسر، وتسمى رأس العين. معجم البلدان: 4 / 180.
5- انظر: مقتل الحسين لأبي مخنف: 248 - 310، تاريخ الطبري: 4 / 426 - 471.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد