من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مصباح يزدي
عن الكاتب :
فيلسوف إسلامي شيعي، ولد في مدينة يزد في إيران عام 1935 م، كان عضو مجلس خبراء القيادة، وهو مؤسس مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي، له مؤلفات و كتب عدیدة فی الفلسفة الإسلامیة والإلهیات والأخلاق والعقیدة الإسلامیة، توفي في الأول من شهر يناير عام 2021 م.

الغدير والسقيفة !!

الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي

لقد أنزل الله تبارك وتعالی آیات عديدة في القرآن بخصوص خلافة أمير المؤمنين (ع) وولايته بعد النبي (ص) ، كما أن النبي (ص) حدّث الأمة بهذه المسألة بمقدمات وبيانات متعددة وسعى لأن يرسخها في الأذهان بقوله وبفعله

وفي آخر إجراء له قبل رحيله بسبعين يومًا أعلن عنها يوم الغدير أمام حشد عظيم من المسلمين كي تكون القضية واضحة بالنسبة للأمة الإسلامية ولا تقع ضحية الاختلاف والفرقة بعد النبي (ص).

لكن التاريخ يقول إن المسلمين عملوا خلافًا لذلك بعد رحيله (ص). لقد كان أولئك المسلمون أناسًا شاركوا في معارك عديدة في ركاب النبي (ص) ، بل إنهم تعرضوا للجراح أيضًا، وبعضهم كان قد أنفق أموالًا طائلة في سبيل نشر الإسلام، كما أن البعض الآخر كان من عوائل الشهداء، والأعجب من كل ذلك  هو أن الكثير منهم قد كان حاضرًا يومذاك في غدیر خم وكان قد رأى بعينه واقعة التعريف بأمير المؤمنین (ع) ولكن كأنهم قد نسوا كل ذلك بعد سبعين يومًا لقد تصرفوا عندما رحل النبي (ص) وكأن شيئًا من هذا القبيل لم یکن فلمّا تزل جنازة رسول الله (ص) مطروحة على الأرض وإذا بجماعة تجتمع لتعين خليفة لرسول الله.

لقد كان صحيحًا أصل الفكرة بوجوب أن يكون للأمة الإسلامية قائد ولا ينبغي أن تبقى دون قائد ولو ليوم واحد،

لكنهم وقعوا بالخطأ في الكيفية التي يجب من خلالها معرفة هذا القائد وتعيينه، فاجتمعوا في السقيفة وتباحثوا  فيما بينهم حول من الذي يجب انتخابه بدلًا عن النبي (ص) .

لقد جرت جدالات كثيرة ، وربما جرّت الجدالات إلى تنازع وشجار أيضًا، بيد أن ما لم يجر الحديث عنه أو لم تجرِ الإشارة إليها في التاريخ على أقل تقدير - ولو أن حديثًا كان قد جرى حوله لكان قد ترك أثره في الاجتماع قطعًا ولنقل في التاريخ - كان هو موضوع  من الذي عينه النبي (ص) ؟

لم يقل أحد ماذا كانت الواقعة في الغدير قبل سبعين يومًا، ولماذا رفع النبي (ص) يد علي (ع) وقال: من کنت مولاه فهذا علي مولاه فلم يتم التفوه باي كلام في هذا الصدد، بل :

قال أحدهم يجب أن يكون خليفة رسول الله (ص) ، من المهاجرين

فيما قال آخر يجب أن يكون من الأنصار،

وقال الثالث: يجب أن يكون من قريش،

وفي النهاية جرى التصويت، بيد أنه لم يجر الحديث فيما يخصّ من الذي عينه النبي (ص) ، أو كان راغبًا في أن يخلفه على أقل تقدير.

وتلا ذلك على مدى أربعة عشر قرنًا ما حل بالغدير حيث إن الكثير من المسلمين لا يمتلكون معرفة عن قصة الغدير وإن الكثير من علماء أهل السنة يدّعون أن لا حقيقة لهذه القضية في حين أن أعلام من قبيل صاحب "کتاب العبقات وصاحب کتاب الغدير" ومن خلال الجهود التي بذلوها أثبتوا أن الواقعة من أكثر الروايات اعتبارًا لدى الشيعة والسنة، فاذا لم نقبل بالروايات التي نقلها هؤلاء الأعلام في هذا المجال رغم كثرتها ووثوق رواتها، فليس معلومًا کم من الأحاديث يبقى موضع قبول من بين أحاديث الشيعة والسنة ‼

رغم ذلك فإن بعض علماء أهل السنة يدعون عدم وقوع مثل القضية أو أنها مصطنعة وقد ابتدعها الشيعة ‼ هذا في الوقت الذي جرى نقل أغلب الروايات المتعلقة بالغدير عن أسانيد أهل السنة .

على أية حال، الأمر المهم في هذا المجال هو حلّ هذا اللغز وهو كيف لم تثمر كل تلك المقدمات وإنزال الآيات بخصوص قضية الولاية وطواها النسيان ⁉  وهي القضية التي يخاطب الله النبي و بشأنها: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ  وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ  وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ  إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ

فلقد كانت هذه القضية من الأهمية لدى الله سبحانه وتعالى بحيث كان عدم إبلاغها بمثابة التخلي عن الرسالة (..وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ ) أي إنك إن لم تبلغ هذه القضية(فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ..)

 من الواضح أن "المراد من إبلاغ الرسالة" ليس إيصالًا لرسالة خاصة (إبلاغ ولاية أمير المؤمنين (ع) وخلافته) فقط، لأن معنى هذه الآية يصبح في هذه الحال : إنك إن لم تبلغ الرسالة لم تكن قد أوصلتها ! وبديهي أن التفوه بمثل هذا الكلام لغو وبعيد عن الحكمة.

من هنا فإن معنی هذه الآية هو: إن لم تبلغ هذه الرسالة الخاصة (خلافة علي عليه السلام) فإنك لم تؤدِ مهمة النبوة والرسالة الإلهية وستُلغي جهودك على مدى السنوات الثلاث والعشرين الماضية، أي إن شأن كل رسالة النبي الأكرم (ص) رهن بهذه القضية، ولولاها فانه يتلاشی أصل الرسالة

والسرّ في ذلك هو لولا وجود علي (ع)  بعد النبي الأكرم (ص) لما بقي اسم للإسلام البتة، فرغم عدم خضوع الكثير من المسلمين لولاية أمير المؤمنین عليه السلام لكن وجوده وتوجيهاته أدت الآن إلى أن يبقى الإسلام بهذا المستوى .

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد