قراءة في كتاب

قراءة في ديوان "رسل" للشاعر علي النمر


الدكتورة انتصار رضي ..
ديوان رسل هو مجموعة من قصائد عمودية والقليل جدا من قصائد التفعيلة، صدر عن منشورات مركز تبارك لرعاية الإبداع وتكريم الإنجاز بالمملكة، للشاعر علي عبدالمجيد النمر من مواليد الدمام 1981 حاصل على البكالوريوس باللغة العربية، وهو عضو مؤسس بملتقى ابن المقرب، وهذا هو ديوانه الأول .
لفتتي تجربة الشاعر في هذا الديوان وإن كانت القصائد كتبت في أعوام متفرقة على ما يبدو، فمن الواضح جدا تنامي تجربته الشعرية بين رسله التي جاءت في 205 صفحة، بعثها في ألوان متعددة بين الشجا والبهجة والوفاء ..
لقصائد علي النمر التي وجدتها هنا، هويتها وملامح شخصيتها الذاتية التي تعبر عنها كما تلاحظ في قراءتك لقصائده التدفق الوجداني والصور الحسية الجميلة، تجعلك تتأكد أن هذا الشاعر يؤمن بقيمة الشعر وفائدته ..


ستتنفس هذا الجمال للتوهج العاطفي حين تقرأ في قصيدة " كسرة الخلد "
من قال أن الحَبّ يؤلم طحنه
إن كان كفّ للبتولة دورّا
سيذوب حُبّا قبل وقت طحينه
أنّى لهذا الحّب أن يتصبرا ..


كما يدهشني الشاعر في بعض المفردات التي أستطيع أن أقول أنها خاصة به ....
كرنفال الجرح في عاشوراء قد كان مريرا ..
وقوله في رثاء الشاعر محمد المخوضر
وأن تشطّئ بحر الوصل مبتعدا وأن تمد شراع البعد معتزلا ..
أشد ما يلفتك في قراءة هذا الديوان؛ سحر القصائد في الموسيقى الداخلية التي تسندها موسيقى خارجية ... أيضا بقدر اهتمامه بلغة الخلق والابداع، فهو يدهشك في حفاظه على عدم تجاوز الموضوع الذي يود تناوله، ولا يكون ذلك على حساب اللغة .. يعرف كيف يتحدث بالصور البلاغية الجميلة وعن ماذا يود يتحدث ...


يبدو هذا جليا في قصيدته روح السنابل في الإمام الحسن عليه السلام التي يقول فيها :
فهما قيامان
امتشقت عطاهما
والسيف أصدق إن أردت فصيحا
وهما قعودان
ارتأيت مداهما
ليظل وجه الدين منك سموحا
من كان يحسب أن مجدك كلّه في الصلح ،
لم يقرأ جهادك روحا
الصلح آخر بلسم أنشأته وشرعته ،
لتمد منه فتوحا


رائعة هذه الأبيات جدا .. لم يسبق أن قرأتها في قصيدة من قبل .. الشاعر يعبر عن وجود قيامين وقعودين للحسن والحسين، فالحسن ثار ثم أصلح، والحسين التزم بصلح الحسن ثم ثار ... وفي هذا دفع للتجني الكبير الذي يحصل في قراءة سيرة الإمام الحسن سلام الله عليه .. وأن القيام للحسين والقعود للحسن عليهما السلام ...
يبدع النمر في قصائد الرثاء والتي يعنونها برسل الوفاء، وأكاد أقول أنه شاعر خلق لكي يكتب قصائد الرثاء، أستطيع أن أقول أن هذا الشاعر يكتب في الرثاء بلغة لا تشبه أحدا إلا هو ...


يقول في رثاء محمد جمعة أحد شهداء وحماة الصلاة في حادثة تفجير مسجد الامام الحسين في الدمام :
يا مالئ الضوء من إنسان روعته
أين ارتميت فألقاك الردى بددا ؟
حتى تشظيت لم تقنع بواحدة
فكنت جمع شموس كنت متقدا
وزعت أرغفة الايمان من جسد

هذبته فتهادى للصلاة فدا


ويعود النمر في قصيدة رثاء شهداء القديح من جديد، ليؤكد تفرّده في الحفاظ على الموضوع مع توهج اللغة في تمازج لم أقرأ له مثيل في رثاءات هذه الحادثة، هذه القصيدة تكاد تكون أجمل ما كتب في رثاء شهداء القديح ... يستدعي فيها الشاعر حادثة حريق القديح المفجع (العرس الدامي) والذي راح ضحيته اكثر من (76) حالة وفاة، وأكثر من أربعمائة حالة إصابة .. أغلب الضحايا والمصابين من النساء والأطفال .. يستدعي هذه الكارثة في قصيدته حضن النخيل بقوله :
أيام شيّعنا العروس بوجدنا
وتناثر المشموم فيمن أفجعه
يوم الزفاف المستفيض بلوعة
حرّى تقاسمها القطيف موزعه
من حرضّ المشموم حتى هزّه ؟
وأثار فيه الوجد حتى أفزعه
ليمدّ في وجه القديح غصونه
ليكون عرّاب الشجون
ومبدعه


علي النمر شاعر يخطو في خطى شاعر المشروع لا التجربة فقط ... استمتعت بقراءته ...

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد