قراءة في كتاب

وارث: فلسفة جماليّة كربلائيّة

 

ربى حسين .. 

هو وارِث آدَمَ صـَفـُوةِ اللهِ، وارِث نـوُحٍ نَبــِيِ اللهِ، وارِث إبـراهيـمَ خـَليـلِ اللهِ، وموســى وعيسى، ووارِث مـُحـَمـّدٍ حـَبـيبِ اللهِ. هو الحسين بن علي، الرّمز الدّيني الأعظم للأمّة الإسلاميّة الّذي استشهد على رمضاء كربلاء في السّنة ال 61 للهجرة النّبويّة الشّريفة.
هل تستطيع الظاهرة التاريخية تأويل النص عبر تطبيق مفرادته؟ وإلى أيّ حد؟ وما هو النطاق الذي استطاعت كربلاء أن تظهره في تمثّلاتها الواقعية للوحي الإلهي؟ هل تعلّقت حركة التأويل مثلًا بالأحكام الشرعية والاستدلالات العقائدية المختلفة مثلًا؟ وإذا اعتبرنا أنَّ الحادثة ذات دلالة تأويلية، فهل كلّ الجزئيات المكوّنة لها ذات دلالة؟ أم أنَّ الدلالة عامّة؟ وكيف يمكننا الوصول إلى تحليل هذه الدلالات؟ ووفق أيّ منهج؟
بهذا السؤال قدم هادي قبيسي لكتابه "وارث: فلسفة جمالية كربلائية". هذا كتاب الذي وصفه على صفحته في موقع فيسبوك أنّها محاولة خجلى في وصف شمس الجمال الحسيني. 
وعن ثورة كربلاء أشار الكاتب إلى أنّ الامام الحسين (ع) أسماها الفتح والسيّدة زينب (ع) حصرت الحادثة في النّطاق الجمالي (ما رأيت الّا جميلا). وأضاف أنّ حديث "حسين مني وأنا من حسين" والإشارات إلى أنّه مصباح الهدى وسفينة النّجاة، تؤكّد أنّ في كربلاء جمالًا ونورَ هداية لم تطمسه سنابك الخيل، ولا الرّماح والسّيوف، بل هناك اشتعل ذلك المصباح".
كربلاء معجزة محمد (ص)  
ضمن هذا الباب وصف كيف أنّ عاشوراء أنزلت المثال المتخيّل إلى الواقع  التّاريخي، هناك في كربلاء حيث العمل لله وللناس صار واحدًا، فالحسين استشهد لأجلي وأجلك، وفي سبيل الله في آن.
سقاية الجدب، دمع ودم
ضمن هذا الباب طرح الكاتب ثلاثة أسئلة وأجاب عليها تمحورت حول تداعيات واقعة الطّف على مضمون وروح الوحي، وكيف استطاعت الحفاظ على الدّين الإسلامي ومعانيه. هذه الواقعة الّتي أحدثت ردود فعل ثوريّة قاسية، وحدّدت خطًّا أحمر أمام السّلطات الزّمنيّة التي حكمت العالم الإسلامي، بأن لا إمكانيّة لاجتثاث الإسلام.
كما واعتبر الكاتب أنّ كربلاء كانت قتالًا ودفاعًا عن الدّين من قبل جماعة كانت على أعلى قدر من الإيمان بهذا الدّين. كما كانت على استعداد لبذل كل شيئ لأجله وكيف لا وهي على أعلى قدر من الذّوبان في الشّريعة. 
واللّافت في الكتاب أن لوحات زيتيّة تعبّر عن بعض مواقف واقعة كربلاء تفصل بين فصوله.
الحسين(ع): الإمام القائد
قبل الدّخول في تفصيل المشهد الكربلائي الوجودي أضاء الكاتب على الدّور الفعلي لسيّد الشّهداء. وقد ناقش ضمن هذا الباب كيف تحرّك الإمام (ع)، وما أنتج هذا المشهد الإلهي. ومن ثمّ تطرق إلى الأبعاد القيادية في شخصية الإمام والتي تجلت في مسيرة كربلاء بدءًا من القرار منذ لحظة طلب والي المدينة مجيء الإمام الحسين صلوات الله عليه إلى قصر الإمارة بعد موت معاوية، ليأخذ البيعة قبل أن يتفشى في الناس الخبر. منذ تلك اللحظة اتخذ الإمام قرار الرفض، وقد كان الإمام (ع) يمتلك وعيًا تاريخيًّا ورؤية واضحة وحاسمة عن مّا سيؤول إليه وضع الأمة عند استقرار يزيد في السلطة. ولفت إلى أنّ مسير الإمام ركيزة للمشروع الكوني للإنسان وامتداد الرسالة والرّؤية الكونيّة الّتي رسمها اللّه تعالى. وبهذا تبقى الغاية الأصلية لكل الحركة التي بادر إليها سيد شباب أهل الجنّة الرحمة للمجتمع.
ومن ثمّ انتقل الكاتب للحديث عن الرؤية القيادية العامة التي حكمت تحرك الإمام والّتي وضعت نصب عينها الإصلاح في المجتمع كهدف أساسي، مرورًا بوضع الخطّة الاستراتيجيّة للإمام. وقد حافظ الإمام الحسين (ع) على التوجه نحو الهدف الأصلي، من حيث توزيع الوقت والأولويات، ومن حيث الأدوار، ومن حيث الالتفات إلى محاذير الميدان. 
وختم هذا الباب بالحديث عن دور الإمام كقائد في ساحة كربلاء، مشيرًا الى التوجيهات الإستراتيجية: كالتموضع، وتوزيع الجيش والرايات، إضافة إلى التوجيهات العسكرية: إدارة الوقت والموارد خاصّة عندما أمر الإمام بتأجيل المعركة لليلة واحدة ليتاح له ولأصحابه التعبد والتهجد في الليل، ولما في ذلك من تأثير معنوي إيجابي على الأصحاب. وقال: "الجاذبية التكوينية التي يمتلكها الإمام الحسين صلوات الله عليه هي نقطة محورية في الواقعة العاشورائية".
عاشوراء المشهد الكمالي
ومن ثمّ انتقل للحديث عن عاشوراء وتجلي الصفات الإلهية فيها، والتخلق بأخلاق الله وصفاته الحسنى. وضمن المشهد الكربلائي هنا نرى الإمام على أنه شخصيات عدة، ونرى اجتماع الصفات والأسماء في وجوده المقدس. 
هذا الحراك الجمالي والجلالي هو أقصى ظهور للجمال والجلال الإلهيين، بما يعكس مدى اتحاد هذه الصفات والأسماء في الإنسان الكامل، بحيث لا تغيب عنده صفة عن أخرى، مهما كانت الظروف والضغوط الهائلة التي اجتاحت ذلك الجسد وتلك الروح وذلك القلب الرؤوف للحسين صلوات الله عليه.
بين العرفان وتزكية النّفس

في القسم الأخير من الكتاب كان للكاتب وقفة وجدانيّة مع العرفان الإلهي المتمثّل في شخصيّة الإمام الحسين، وذوبانه الكامل في الذّات الإلهية. وقد تضمّن هذا القسم  تفصيلًا لمظاهر الشّوق للّه تعالى والّذي نتج عنه عشق الأصحاب الأوفى لإمامهم، وهو (ع) القائل: " فَمَا الْمَوتُ اِلاَّ قَنْطَرَةٌ تَعْبُر بِكُمْ عَنِ الْبُؤسِ وَ الضَّرّاءِ إلَى الْجِنَانِ الْوَاسِعَةِ وَالنَّعِيمِ الدَّائِمَةِ. فَأَيُّكُمْ يَكْرَهُ أَن‌ يَنْتَقِلَ مِنْ سِجْنٍ لقَصْرٍ؟".
وختم الكتاب بالحديث عن تزكيّة النّفس والصّفات الحسنى الّتي برزت في الواقعة كالتّوكّل على اللّه، وثقته به، وإيمانه بحضور قدرته في جميع مراتب الوجود، إضافة إلى الرّضا بقضاء اللّه وقدره والعزم والصّبر الأبي من دون  أن ينسى ذكر اللّه تعالى الّذي يطمئن القلوب.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد