مقالات

أهمّية تهذيب النفس وضرورته (1)

 

الإمام الخميني (قده) ..

ضرورة التربية لتحصيل الكمال

هذا الإنسان لو خلّي ونفسه ولم يُكبَح جماحه، يُصبح أكثر افتراساً وشراسة من جميع الحيوانات.

إنّكم تشاهدون الجرائم التي تُرتكب الآن بحقّ البشر من قِبَل هذه القوى العظمى، والتي تتصوّر أنّها قد تحلّت بالتربية. هذه الجرائم التي ترتكبها هذه الحكومات بحقّ البشرية وبحقّ أبناء جنسهم على طول التاريخ لم تصدر من أيّ حيوان مفترس. فالحيوان المفترس يُطارد الفريسة فإذا نال منها وشبع فإنّه لا يُفكّر بعدها باستغلال عدّة من الحيوانات الأخرى وبسط هيمنته عليها.

أمّا هذا الإنسان الذي لا يعرف الشبع ولا حدّ لأهوائه النفسية فلو أُعطي دولة بأكملها فإنّه يبحث عن دولة أخرى. وإذا بسط هيمنته عليها بادر إلى البحث عن دولة أخرى. ليس لتطلّعات الإنسان حدّاً ولا نهاية. فما أن يحصل على شيء تجده يُفكّر بالحصول على ما لم يحصل عليه. فإذا تُرك الإنسان وشأنه فإنّ آماله تكون في الشهوات اللامتناهية وفي الغضب اللامحدود وفي نوازع الهيمنة التي ليس لها نهاية.

لا تتوهّموا أنّ الإنسان لو أُعطي المنظومة الشمسية بأكملها سيقنع ويكتفي، لا بل إنّه سيتطلّع إلى منظومة أخرى. أنتم ترون أنّهم الآن يتطلّعون إلى مناطق أخرى غير الأرض. يريدون السيطرة على الكواكب الأخرى. فإذا ما سيطروا على كوكب فلن يكفّوا عن التطلّع إلى كوكب آخر. لقد خُلق الإنسان على هذه الشاكلة، لا حدّ لغضبه، ولا حدّ لشهوته، لا حدّ لأنانيّته.

لا شيء يُشبِع الإنسانَ ما لم يتربّ. فمن خلال هذه التربية يصل الإنسان إلى منتهى شبع ينال فيه غاية كلّ تلك الأشياء التي يريدها، وذلك هو الوصول إلى الكمال المطلق. فإذا وصل إلى الكمال المطلق يحصل على هذه الطمأنينة.

فطمأنينة القلوب هي في الوصول إلى الله. وبغيره لا تهدأ القلوب مطلقاً. هم أنفسهم لا ينتبهون إلى أن هذه النفس تتطلّع إلى الكمال المطلق، فيتيهون عن الكمال في نهاية المطاف. إن نفس الإنسان تريد الوصول إلى الكمال المطلق. والخطأ يقع في تشخيص ما إذا كان هذا أو ذاك هو الكمال. يرى أحدهم الكمال في العلم فيقتفي أثر العلم. ويرى آخر الكمال في السلطة فيلهث خلفها. وكلّ هؤلاء الساعين في الدنيا إنّما يطلبون الكمال المطلق، وبعبارة أخرى الجميع يسعون للقاء الله، ولكنّهم غير ملتفتين .

 

أهمّية تهذيب النفس عند الأولياء

من غير الممكن أن تلبّوا دعوة الله إلى الضيافة وتردّوا الضيافة الإلهية ما لم تنسلخ قلوبكم عن هذه الدنيا. إن ما اهتمّ به أولياء الله هو تهذيب النفس وانتزاع القلب ممّا سوى الله والتوجّه إليه سبحانه. فكلّ المفاسد التي تحدث في العالم هي وليدة التوجّه إلى النفس في مقابل التوجّه إلى الله. وإنّ كلّ الكمالات التي تحقّقت لأنبياء الله وأوليائه كانت نتيجة سلخ القلوب عمّن سواه تعالى والارتباط به. وتتجلّى علامات هذه الأمور في أعمالنا .

 

توصية شرائح المجتمع بالابتعاد عن حبّ النفس

لا تجعلوا النظرة نظرة متشائمة. ولا يكوننّ الحبّ والبغض في قلوبكم بحيث تحكمون أو تكتبون أو تقولون ما يُخالف الواقع. قولوا الوقائع.

بالطبع أنا لا أعني أن تؤيّدوا وتروّجوا الفحشاء. لأن هذا العمل خلاف الشرع ومن الذنوب الكبيرة. ولكن من باب الموعظة ومن أجل التنبيه، أَظهِروا نقاط الضعف ولكن بهدوء، لا أن يشوّه الشخص الذي يسمع بما كتبتموه الأمور أكثر. إذا قلتم شيئاً سيّئًا أزعج أحدًا وهو أيضًا لم يكن مهذّباً لدرجة كبيرة بحيث يغمض عينه عنه. هو أيضاً يقوم في المقابل بردّ فعل مشابه ومغرض. بل ويزيد عليه ومن يواجهه يزيد عليه أيضاً وهكذا. نحن إذا أردنا أن يكون وطننا لنا ولا يستطيع الآخرون التسلّط عليه، من الآن يجب على جميع الطبقات الموجودة التعاضد والتعاون. والتخلّي عن هذا الحبّ والبغض المبني على أساس حبّ النفس. وأن يسيطروا قليلاً على حبّ النفس، إن لم يتمكّنوا من اقتلاعه بشكل كامل فليقلّلوا منه إلى أن يتمّ الانتصار. وأن يضبطوا الأقلام مؤقّتاً وإذا ما أرادوا النصيحة فلتكن نصيحة، نصيحة يُمكن أو يتقبلّها المرء، ولكن الحدّة لا يُمكن أن يتحمّلها ذلك المرء نفسه مهما كان. نحن يجب أن نتعلّم من العظماء. لقد سمعتم قصة مالك الأشتر حين شتمه شخص وبعد أن علم أنّه مالك ذهب خلفه. وكان مالك قد دخل المسجد وانشغل بالصلاة فجاءه واعتذر منه. فقال: أنا لم آت- هكذا يروون- إلى المسجد إلا لأستغفر لك.

انظروا كيف يُربّي وكيف يؤدّي هكذا أمر إلى التربية. كتب أحدهم إلى الخواجه نصير الدين الطوسي قدس سره مكتوباً فيه بعض المسائل. وكان من ضمن ما كتب له أن تجرّأ عليه ونعته‏ باسم "الكلب". فعندما أجابه الطوسي - حسب الرواية- ردّ على كلّ إشكالاته بحكمة إلى أن وصل إلى قوله (أنت كلب) فكتب له: كلا، إنّ أوصافي وخواصي وآثاري تختلف عن أوصاف الكلب وخواصه وآثاره. الكلب عنده الصفة الفلانية وهي ليست موجودة عندي، وأنا اتصف بالصفة الفلانية وهي ليست موجودة في الكلب. لقد حلّ القضية بمنتهى الحكمة في هذا الشكل. حسناً، لو أنّ الخواجة كتب له في جوابه أنّك أنت الكلب وأبوك الكلب فلقد كان سيتلقّى في اليوم التّالي كتاباً آخر يحمل شتائم أكثر. عندما نستطيع باللسان الليّن ومن خلال القول السليم الخالي من الطعن وغير المغرض أن نُصلح الناس وأن نزيد من عدد أصدقائنا وأن يكون هذا لله فما الداعي لأن يكتب الإنسان بقلمه ضدّ نفسه. الكثيرون يتخيّلون فيظنّ الواحد منهم أنّ هذا الذي أقوله ضدّ فلان سيقمع فلاناً. لكنّه سيقمعه هو نفسه أوّلاً. هؤلاء لا ينتبهون إلى هذا الأمر. فعندما يحصل مثل هذا الأمر ويقرؤون أن هذا القلم قلم ملوّث فإنّهم سوف يشعرون بالنفور منه.

ما هي دعوى الإنسان الذي يُمكنه أن يهدي إنساناً آخر إلى الخير بلسان طيّب وقلم حسن وبالنصيحة والمصادقة كما كان يفعل الأنبياء! .

 

الجميع مكلّفون بالتزكية

جميعنا مكلّفون بتزكية أنفسنا، فقد جاءت البعثة من أجل التزكية. وإذا لم تحصل التزكية فإنّ كلّ ما يقع في النفس، وكلّ ما يجري معها، فهو حجاب للإنسان. كلّنا مكلّفون بتزكية أنفسنا حتى نستطيع أن نستفيد من النور الإلهي ومن نور القرآن .

 

التقدّم بالقوى الإلهية

هذّبوا أنفسكم وزكّوها. لا تركّزوا الاهتمام على أنّني بقوّتي أُريد أن أطرح فلاناً أرضاً وأغلبه مثلًا. لينصب اهتمامكم على أن تتقدّموا بقوّة إلهية. أي اجعلوا يدكم وعينكم ونفسكم وكلّ ما لكم، بدّلوا كلّ هذه من قوى شيطانية إلى قوى إلهية. إذا غفل الإنسان كانت قواه قوى شيطانية، عينه شيطانية، ويده شيطانية. أمّا إذا هذّب نفسه فتصير كلّها إلهية. تتحوّل كلّ قواكم قوّةً إلهية، والقوّة الإلهية ستنتصر .

 

السعي لأجل تقوية الروحانية

علينا أن نسعى إلى تقوية الروحانية وسحق النفسانية بكل ما نستطيع. فإذا تحقّق هذا الأمر فستُحَلّ كلّ الأمور لأنّ الاختلافات تدور حول هذا الأمر. لا يقع أيّ اختلاف في العالم إلا ويكون سببه هو هذا. والشيطان أيضاً قال منذ اليوم الأول ﴿خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾، أنا أفضل منه فعصى الله تعالى. الحاصل أنّه قال أنا أفضل وهذا إرث شيطاني ورثناه جميعاً. الكلّ يرون ما عندهم أفضل ممّا لدى الآخرين، وإذا ما رأوه عند الآخرين يستصغرونه، أمّا فيهم فيرونه عظيماً. يتجاهلون عيوبهم ويرون العيب الصغير لدى الآخرين كبيراً .

 

تبعية كلّ المجاهدات لجهاد النفس

على من يُريد الخروج من هذه الأنانيّة أنْ يُهاجرَ بالمجاهدة، يُجاهد ويُهاجر هذه الهجرة، فطبق الحديث الشريف، جئتم من الجهاد الأصغر وبقي عليكم الجهاد الأكبر . إنّ جهاد النفس هو الجهاد الأكبر، وسائر أشكال الجهاد في الدنيا تَبَعٌ لهذا الجهاد، فلو انتصرنا فيه لكان كُلُّ جهاد نقوم به هو جهاد إلهي، وإذا لم ننجح في هذا الجهاد لكانت سائرُ أشكال جهادنا الأُخرى شيطانيّةً.

ورد أنّ من خرج للجهاد من أجل الحصول على جاريةٍ أو طعامٍ فأجره هو هذا، أمّا ذلك الذي يكون جهاده إلى الله فأجره على الله . فسنخيّة الأفعال تختلف، وهناك فَرْقٌ بين الأفعال الصادرةِ عن أولياء الله وبين تلك الصادرة عنَّا لأنَّ المصدرَ مختلفٌ .

 

الانتصار في ميدان النفس والروح

اسعوا إلى أن تفوزوا في تلك الساحة، ساحة الجهاد بين الله والشيطان، الجهاد بين نفس الإنسان وروحه. فلو حقّقتم هذا الفوز، فلا تخافوا أيّة هزيمة فتلك ليست هزيمة.

 

أولوية البناء الروحي

إنّ البناء الروحي يحتلّ الأولوية بين جميع عمليات البناء. جهاد البناء يجب أن يبدأ من الأفراد أنفسهم فيبنوا أنفسهم، ويجاهدوا شيطانهم الداخلي، لأنّ هذا الجهاد هو منشأ جميع أنواع الجهاد التي تحصل فيما بعد. وما لم يبنِ الإنسان نفسه فلن يتمكّن من بناء الآخرين، وما لم يبنِ الآخرون أنفسهم فإنّهم لا يستطيعون بناء بلدهم. جهاد البناء يجب أن يبدأ من نفس الإنسان.

جهاد النفس هو الجهاد الأكبر. ولهذا فالانتصار في كلّ أنواع الجهاد الأخرى والغلبة فيها رهين بانتصار الإنسان في جهاد النفس.

فإذا انصبّ اهتمام أفراد الناس على أنفسهم، ولم يجاهدوا شيطانهم، فإنّهم علاوة على أنّهم لن يتمكّنوا من إصلاح المجتمع، سيفسدون فيه. فجميع المفاسد التي تحدث في العالم مردّها إلى انعدام ذلك الجهاد، وهو الجهاد الأكبر. جميع المشكلات التي يُعانيها البشر هي من أنفسهم. البشر هم الذين يرتكبون الجرائم بحقّ البشر. وسائر الموجودات وسائر الحيوانات حتى السباع لا تقوم بمقدار ما يرتكبه البشر من جرائم. فهذا البشر، الذي لم يتمّ إصلاحه ولم يقم ببناء نفسه هو أكثر سبعية من كلّ الحيوانات، فليس هناك سبع كالإنسان. ولا يصل حيوان آخر إلى مستوى هذا الحيوان أيضاً.

 

وجوب تطهير القلب

ومن المهمّات التي لا بدّ للإنسان أن يقوم بها بكلّ عدّة وعُدّة وبكلّ رياضة ومجاهدة ويُخلّص نفسه من قبحها وعارها، تطهير القلوب من القذارات المعنوية والأوساخ الخلقية، فإنّه إن قام في المحضر الربوبي بدون ذاك التطهير المعنوي فلا ينال غير صورة الصلاة وقشرها وتعبها ومشقّتها.

 

دعوة الفئات المختلفة للتهذيب

هذّبوا نفوسكم، وأخرجوا حبّ الدنيا من قلوبكم، (أخرجوا) رأس كلّ خطيئة . فكلّ الخطايا هي من حبّ الدنيا وحبّ الشهرة. اخرجوا هذا الحبّ من قلوبكم وأميتوه واحيوا بحياة الإسلام، بالحياة الإلهية. كونوا إلهيّين، اتحدوا، وكونوا صفّاً واحداً.

 

التفكُّر في كيفية عيشنا

يجب أن نُفكّر كيف جئنا من هناك وكيف نحيا هنا وكيف سنرجع إلى هناك. هل أنّنا هنا في خدمة الحق تعالى وخدمة الخلق؟ هل نُجاهد في سبيل الله ونمشي على صراط الربوبية المستقيم أم أنّنا عنه منحرفون؟ فإذا ما كنّا منحرفين سواء للشمال أو اليمين، فالشمال يُعبّر عنه بـ (المغضوب عليهم)، واليمين يُعبّر عنه بـ (الضالّين)، فهذا في مقابل الصراط المستقيم. إنّنا إذا انطلقنا من على الصراط المستقيم فلنُحافظ على حركتنا المستقيمة، فلا ننحرف ولا نكون شرقيين ولا غربيين، بل مستقيمين، لا إلى اليمين ولا إلى الشمال. نتحرّك بنحو مستقيم من هنا حتى اللانهاية، فنكون سعداء وقد أسعدنا شعبنا. وإذا انحرفنا- لا قدّر الله- إلى الشمال أو اليمين على حدٍّ سواء نكون منحرفين. وإذا كان لنا مقام ما بين أبناء الشعب، فعندها سوف نتسبّب بانحراف شعب.

 

التوصية بتقوية الروح والقلب

إنّ كلّ عمل يبدأ من الفكر. كلّ عمل يبدأ من التفكُّر والتأمّل في أطرافه. فلو كان في روحنا ضعف لن نستطيع عمل شيء. قوّوا روحكم، قوّوا قلوبكم وانقطعوا إلى الله.

 

الجدّية في تطهير الباطن

..إذا أحسّ بأنّ الغلبة في باطن ذاته ومملكة روحه لجنود الجهل وحزب الشيطان، فعليه أن يبادر بكل جدّية وبأية رياضة ومجاهدة لطرد الجنود الشيطانية من مملكته الباطنية، ويمنع إبليس الخبيث من التصرّف فيها.

 

ضرورة تعلّم العلوم المعنوية

إن من أسمى وأرفع المجالات التي ينبغي وبنحو عمومي أن تنصبّ عليها جهود التعليم والتعلّم هي العلوم المعنوية الإسلامية، كعلم الأخلاق وتهذيب النفس والسير والسلوك إلى الله رزقنا الله ذلك وإيّاكم فإنّه الجهاد الأكبر.

 

استثمار الفرص

يا أيّها العزيز، يا من تقرأ هذه الوريقات، خذ العبرة من حال هذا الكاتب الذي يرزح الآن تحت الثرى، وهو في العالم الآخر مبتلى بأعماله البشعة وأخلاقه القبيحة. وطالما سنحت له الفرصة فقد ضيّع عمره الثمين بالبطالة والهوى والشهوة، فأتلف ذلك الرأسمال الإلهي وأباده. فانتبه إلى نفسك لأنّك ستكون يوماً ما مثلي دون أن تعلم متى يكون ذلك. فلعلّك الآن وأنت مشغول بالقراءة، إذا تباطأت ذهبت الفرصة من يدك. يا أخي، لا تؤجّل هذه الأمور لأنّها لا تحتمل التأجيل، فكم من إنسان سليمٍ وصحيح الجسم فاجأه الموت في لحظة وأخرجه من هذه الدنيا ولا نعلم عن مصيره شيئاً. إذاً، لا تُضيّع الفرصة، بل اغتنم اللحظة الواحدة، لأنّ القضية عظيمة الأهمية، والرحلة شديدة الخطورة. فإذا قصّر الإنسان في هذه الدنيا التي هي مزرعة الآخرة، يكون السيف قد سبق العذل، ولن تستطيع إصلاح مفاسد النفس، ولا يكون نصيبك سوى الحسرة والندم والذل.

إنّ أولياء الله لم يخلدوا إلى الراحة آناً، وكانوا دائمي الخوف من هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر .

 

الاستفادة من الرحمات الإلهية

إنّ رحمة الله قد أحاطت بك الآن، رحمة الصحّة والسلامة والحياة والأمن والهداية والعقل والفرصة والإرشاد إلى إصلاح النفس. أنت مغمور بآلاف الرحمات الإلهية المختلفة ولكنّك لا تنتفع بها، بل تُطيع أوامر الشيطان. فإذا لم تستفد من هذه الرحمات في هذا العالم، فاعلم أنّك في العالم الآخر ستكون محروماً من رحمات الله اللامتناهية، وستُحرم كذلك من شفاعة الشافعين. إنّ مظهر شفاعة الشافعين في هذه الدنيا هو الاهتداء بهداهم، وفي ذلك العالم يكون باطن الهداية هو الشفاعة. فإذا حرمت الهداية، حرمت الشفاعة، وعلى قدر اهتدائك تنل الشفاعة. إنّ شفاعة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مثل رحمة الحق المطلقة تنال من هو جدير بها. فإذا انتزع الشيطان ـ لا سمح الله ـ بهذه الأسباب الإيمان من يدك، فلن تكون جديراً بالرحمة والشفاعة. نعم، رحمة الله وافرة في الدارين. فإذا كنت طالباً للرحمة، فلماذا لا تستفيد من فيوضات الرحمة المتتالية في هذه الدنيا، وهي بذور الرحمات الأخرى؟ إنّ هذا العدد الكبير من الأنبياء والأولياء دعوك إلى مائدة ضيافة الله ونعمته، وأنت رفضت وهجرت كلّ ذلك بوسوسة من الخنّاس، وبإلقاء شيطاني، وضحّيت بمحكمات كتاب الله، والمتواترات من أحاديث الأنبياء والأولياء، وبضروريات عقول العقلاء، وببراهين الحكماء القطعية، لأجل نزغات الشيطان والأهواء النفسية. الويل لي ولك من هذه الغفلة والعمى والصمم والجهل!.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد