مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
حيدر حب الله
عن الكاتب :
ولد عام 1973م في مدينة صور بجنوب لبنان، درس المقدّمات والسطوح على مجموعة من الأساتذة المعروفين في مدينة صور (المدرسة الدينية). ثم سافر إلى الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانية لإكمال دراساته الحوزويّة العليا، فحضر أبحاث الخارج في الفقه والأصول عند كبار آيات الله والمرجعيات الدينية. عام 2002م، التحق بقسم دراسات الماجستير في علوم القرآن والحديث في كلّية أصول الدين في إيران، وحصل على درجة الماجستير، ثم أخذ ماجستير في علوم الشريعة (الفقه وأصول الفقه الإسلامي) من جامعة المصطفى العالميّة في إيران (الحوزة العلمية في قم). من مؤلفاته: علم الكلام المعاصر، قراءة تاريخية منهجيّة، فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حجية الحديث، إضاءات في الفكر والدين والاجتماع (خمسة أجزاء) ...

فهم ووعي العصر الحديث


الشيخ حيدر حب الله

.. فليسوا الأكثرية مَنْ وعى حقيقة العالم الحديث؛ لأنّ وعي حقيقة هذا العالم شيءٌ مهمّ جدّاً، وما لم تكن المؤسّسة الدينية تضع في أولويات اختصاصاتها فهم العالم الحديث وشبكته وهويته، ووعي تحوّلاته العميقة، فلن نتمكّن من التعامل معه.

وهذا ما يحتاج لوعي عدّة عناصر، من نوع: (العلم الحديث (طبيعيات وإنسانيّات) وحقيقته ومكوّناته وعقليّته + الديانة المسيحيّة وتحوّلاتها خلال القرون الخمسة الأخيرة + الفكر الفلسفي الغربي وتحوّلاته العميقة منذ عصر النهضة)، فهذا المركّب الثلاثي لا يمكن فهم العالم الحديث دون فهمه، فما لم تخُضْ المؤسّسة الدينية الإسلاميّة غمار هذا الثلاثي، بتنويع أدوار طلاّبها ورجالاتها، فلن تتمكّن من فهم الحياة المعاصرة، وستبقى طريقة أجوبتنا وحلولنا متناسبة مع تلك الشريحة من شعوبنا التي ما تزال تحيا الحياة القديمة، ولم تدخل بجدٍّ مرحلة الحياة المعاصرة.

وأقول هذا كلّه بصرف النظر عن كوني أوافق أصلاً على الحياة المعاصرة، بل قد أرفضها، وأنزع نزعة أمثال: رينيه غينون(1951م)، في قراءته النقدية للحضارة الحديثة، لكنّ ما يهمّني هنا هو الفهم، لا القبول.

إنّ مخاطبة العالم الحديث تستدعي مسبقاً فَهْمَه، وفَهْمُه لا يكون بفهم العلوم الإسلاميّة وحدها، ولا برؤية ناطحات السحاب أو استخدام أجهزة التقنيات المعاصرة، والتي يجيد استخدامها أفضلَ منّا بعضُ (الإرهابيّين) المتشدِّدين المنغلقين اليوم…، بل بفهم علوم هذا العصر وعقليّته وإطاره الفكري، وهو ما لا يمكن الوصول إليه دون فتح الباب لدفع طلاب العلوم الدينيّة (ولو نسبة معتدّ بها منهم) للدخول في مجال العلوم الإنسانيّة والأديان والفلسفة الحديثة، وحتّى الإمكان العلوم الطبيعيّة، ولو نظريّاً، فلم يَعُدْ يمكن فهم الآخر دون التماهي معه وتقمُّص شخصيّته لمعرفة لماذا يفكر بهذه الطريقة أو تلك؟ ولماذا يتّجه لهذه الناحية أو تلك؟ بَدَل الجلوس بعيداً واستغراب أفعاله.

هذا كلّه كان ما نأمل من المؤسّسة الدينيّة الإسلاميّة أن تخطوه بعد قرنٍ ونصف من حركة التحديث الإسلامي، وبعد سلسلة قرون من تحوّل العالم بعصر النهضة وما تلاه، والهدف ألخِّصه بكلمة: إذا كانت المؤسّسة الدينيّة المحافظة ترفض حركة الإصلاح الديني، وتعتبرها هرطقة اليوم، فلا سبيل أمامها؛ للحدّ ـ وليس إلغاء ـ نموّ هذه الحركة، سوى أن تقوم هي بنفسها بحركة إصلاح في ذاتها، ولو على المستويات التي أشرنا إليها، حتّى لو أرادت أن تحافظ على بنيتها الفكريّة والدينيّة ولا تقبل بإجراء إصلاح في العقل الاجتهادي نفسه، وإلاّ فنحن نأمل من هذه المؤسّسة أن تنحو منحىً أكثر من هذا، وربما تخبئ لنا الأيّام من وقائع ما يشبه ما حدث مع غيرنا، وصولاً للتحوّلات العميقة التي وقعت في المجمع الفاتيكاني الثاني.

خطورة هذا الموضوع كلّه هو أنّ المؤسسة الدينيّة المحافظة إذا كانت تعتبر حركة الإصلاح والنقد الديني سبباً للابتعاد عن الدين، فينبغي أن لا يغيب عن بالها أنّ نزعتها المحافظة وعدم قبولها بممارسة إصلاح متناسب معها ربما يكون سبباً آخر لابتعاد الناس عن الدين، وبتعبير أمثال: مؤسِّس الوجوديّة المؤمنة سورين كيركجارد(1855م)، والمفكّر اللاهوتي الكاثوليكي ديلوباك(1991م): إنّ الكنيسة بنزعتها وإصرارها ودنيويّتها أو بميتافيزيقيّتها وغرقها في الغيبيات كانت سبباً أيضاً في نشر الإلحاد واللادينيّة… يجب أن نبقى قلقين من احتمال أنّ تصرّفاتٍ محافِظة من هذا النوع قد تحمِّلنا أمام الله والتاريخ مسؤوليّة نتائج من هذا القبيل.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد