مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مصباح يزدي
عن الكاتب :
فيلسوف إسلامي شيعي، ولد في مدينة يزد في إيران عام 1935 م، كان عضو مجلس خبراء القيادة، وهو مؤسس مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي، له مؤلفات و كتب عدیدة فی الفلسفة الإسلامیة والإلهیات والأخلاق والعقیدة الإسلامیة، توفي في الأول من شهر يناير عام 2021 م.

ما هي حاجة الله لعبادة الانسان؟

 

الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
ماذا يعني قولنا إن الله خلق الإنسان ليعبد ربه؟ هل أنه يعني أن الله بحاجة للعبادة وهو متعطش لأن يخشع المرء ويخضع أمامه وقد خلق الإنسان ليفعل ذلك أمامه؟ هل أننا إذا لم نعبد الله فإنه ينزعج إذا لم نكترث للهدف الذي يتوخاه من الخلق؟ هل أن الحاجة للاحترام لدى الله هي التي تسببت في أن يخلق الإنسان كما يرغب الإنسان بأن يحترمه الآخرون وأن الله يرغب بدوره بأن يتمرّغ أناس بالتراب أمامه وعن هذا الطريق يشبع الشعور بحب الاحترام لديه؟
إن مثل هذه التصورات بشأن الله سبحانه وتعالى في غاية السذاجة والجهل! 
الله كمال مطلق ولا معنى لمفردة "الحاجة" بالنسبة إليه فهو لا حاجة له كي يحاول سدها بخلقه للإنسان فلا ينقص من الله شيء أو يزيد نتيجة فعله ولا تصيبه بهجة أو لذة، وإن الله لا توحشه وحدة وفقدان المؤنس والجليس كي يخلق الإنسان لكي يكون أنيسًا له في وحدته ... فلا حاجة لله بعبادتنا ولا يضره تمردنا "فإن الله خلق الخلق غنيًّا عن طاعتهم آمنا من معصيتهم" كما ورد في نهج البلاغة عن الإمام علي عليه السلام.
إن الله لا يتلذذ حين نعبده، ولا ينقص من كبريائه شيء عندما نبرز لحربه ونتمرد عليه! 


وإذا ما وردت مثل هذه العبارات في الآيات والروايات وبعض النصوص الأخرى ينبغي إرجاعها إلى الله بعد تشذيب مواطن النقص عن هذه المفاهيم كما في سائر الموارد، ففي أبحاث التوحيد والمواضيع ذات الصلة بصفات الله يجري التذكير بهذه المسألة وهي : 
إذا ما قلنا ـ مثلاً ـ إن الله «عالم» أو «قادر» فينبغي أن لا نتصور أن علم الله وقدرته علمنا وقدرتنا نحن البشر، فعلمنا حصولي [ الذي هو حصول صورة المعلوم بعد جهل سبقه ] وطارئ على الذات، أما علم الله فهو حضوري [ حضور نفس المعلوم لدى العالم كحضور الألم لدى المتألّم ] وعين الذات، و «القدرة» لدينا تعني امتلاك القوة العضلية والأعصاب الحسية والحركية.. الخ، ولكن هل أن الله يمتلك يداً وساعداً وعضلات؟
من هنا فإننا نقول أن علم الله ليس كعلمنا (عالم لا كعلمنا)، وهكذا الأمر فيا يخص سائر المفاهيم التي تنسبها إلى الله سبحانه وتعالى.
وكذا تعبير «الرضا» و «الغضب» وما شابهها التي نستخدمها بشأن الله، فإذا قلنا إن العمل الفلاني مدعاة لرضا الله فليس معناه أن حالة من البهجة والسرور تحصل لدى الله سبحانه وتعالى؛ فنحن نقرأ في دعاء عرفة [ المروي عن الإمام الحسين عليه السلام ] : 《الهي تقدّس رضاك أن يكون له علةً منك فكيف يكون له علة مني.》 فليس الأمر أنك تفتقد الرضا في بادئ الأمر ثم تخلقه بنفسك لنفسك، ناهيك عن أن أكون أنا سبباً في رضاك. أو أن نقول أن شيئاً ما يثير غضب الله وسخطه، أو أن الله قد غضب على فلان من الناس أو على قوم معينين، فليس معناه أن الله يغضب كغضبنا بحيث يتغيّر حاله ! فليس لله حالة كي تتغير، فالإنسان وما سواه أعجز من أن يُحدث شيئًا بالنسبة لله سبحانه وتعالى أو يؤثر في ذاته، يقول عنها الإمام الباقر عليه السلام :《 كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم 》 . فالكثير مما ننسبه لله سبحانه وتصوراتنا عنه تعالى إنما هي واهية وتأتي من باب المقارنة مع النفس .


 ما معنى العبادة؟ هي نفي الأنانية .. نفي الربوبية ..العبادة أن يكون الإنسان عبدًا، أي فاقد لكل شيء لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا. فالعبادة عمل يقرّب الإنسان من هذه الحقيقة. أول عبادة للإنسان هي أن يخضع لإرادة الله، فأنا أقوم وأصلي، هذا يعني أن إرادتي كانت في أن أستلقي وأستريح، وإرادة الله كانت في أن أقوم، فأخضع إرادتي لإرادة الله، تقرّبًا إلى الله، فيصير ذلك عبادة .
فحقيقة العبادة هي إخضاع إرادة الإنسان وإمحاؤها في إرادة الله، فلا يكون له استقلال في الإرادة فيكون بذلك عبدًا ...
العبادة إذًا هي إنجاز عمل العبد، والعبد هو الذي لا يملك لنفسه أي شيء ، فحقيقة العبادة تتقوّم بإمحاء إرادة الإنسان في إرادة الله. هذه أول مرتبة من مراتب العبادة .
ثم يصل إلى حد لا يطلب لنفسه شيء استقلالًا، فإذا أراد الله له العافية قبلها وشكر الله عليها وإذا أراد له المرض رضي بقضاء الله .
طبعًا ليس معنى هذا أن يسعى الإنسان لكي يمرض. هذا خطأ بل هذا أيضًا نوع استقلال في الإرادة حيث يقول: أنا أريد أن أكون مريضًا . 
لقد وردت رواية عن صحابي جليل أنه قال للمعصوم صلوات الله عليه : أصبحت مؤثرًا الفقر على الغنى والمرض على الصحة.
فقال صلوات الله عليه [ ما مضمونه ] : نحن لسنا كذلك . قال : لماذا؟ أنا زعمت أني صرت شبيهًا بكم قال (ع) : إنا لا نريد إلا ما أراد الله، إذا أراد الله لنا العافية أردناها، وإذا أراد لنا المرض قبلناه، فنصبر على البلاء ونرضى بقضائه ونفوض الأمر إليه ونسلم تسليمًا .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد