
الشيخ محمد تقي بهجت
لقد طلب جماعة من المؤمنين والمؤمنات النصيحة، وطلبهم هذا يَرِدُ عليه إشكالات منها:
1- أنّ النصيحة تكون في الجزئيات، والموعظة أعمّ من الكليات والجزئيات. ولا تكون النصيحة ممّن لا يملك المعرفة لمثله.
2- "من عمل بما علم ورّثه اللّه عِلْمَ ما لم يعلم"(1).
- "من عمل بما عَلِم كُفِيَ ما لم يعلم"(2).
- ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ (سورة العنكبوت الآية 69).
إعملوا بما تعلمون، واحتاطوا فيما لا تعلمون إلى أنْ يتضح أمره. فإنْ لم يتضح، فاعلموا أنكم قد أهملتم بعض ما تعلمون. وطلب الموعظة من غير العامل محل اعتراض. ومن المقطوع به أنكم قد سمعتم بعض المواعظ، وتعلمتموها ولم تعملوا بها، وإلاّ لكنتم على بصيرة ووضوح من الأمر.
3- الجميع يعلمون أنّ عليهم أخذ الرسالة العملية، وقراءتها وفهمها، والعمل طبقها، وتشخيص الحلال والحرام بواسطتها. وكذلك الأمر بالنسبة للمدارك الشرعية إن كانوا من أهل الاستنباط. إذاً، لا يمكنهم القول: "إننا لا نعلم ما الذي يجب علينا فعله أو تركه".
4- انظروا إلى أعمال مَنْ لديكم اعتقاد حَسَنٌ بهم، فما يأتون به عن اختيار فعليكم بإتيانه، وما يتركونه عن اختيار فعليكم بتركه. وهذا من أفضل السبل للوصول إلى المقاصد العالية "كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم"(3).
5- من الأمور الواضحة أنّ قراءة القرآن في كل يوم، والأدعية المناسبة للأوقات والأمكنة، في التعقيبات وغيرها، وكثرة التردّد إلى المساجد والمشاهد المشرّفة، وزيارة العلماء والصلحاء ومجالستهم، ممّا يرضاه اللّه ورسوله صلى الله عليه وآله . كما يجب مراقبة ازدياد البصيرة والأنس بالعبادة والتلاوة والآيات يوماً بيوم. وعلى العكس من ذلك، فإن كثرة مجالسة أهل الغفلة تزيد من قساوة القلب وظلمته، ومن النفور من العبادات والزيارات. ولذا، نجد أنّ الأحوال الحسنة الحاصلة من العبادات والزيارات وأنحاء التلاوة، تتبدّل بسبب مجالسة ضعفاء الإيمان إلى سوء الحال والنقصان. فمجالسة ضعفاء الإيمان إذاً في غير صورة الاضطرار - أو من دون قصد هدايتهم - تسبّب فقدان الملكات الحسنة للمرء، بل إنّه يكتسب أخلاقهم الفاسدة: "جالسوا من يذكّركم اللّه رؤيته، ومن يزيد في علمكم منطقه، ومن يرغّبكم في الآخرة عمله"(4).
6- من الواضحات أنّ ترك المعصية في الاعتقاد والعمل يغني عن غيره. فغيره يحتاج إليه، بينما هو لا يحتاج إلى غيره، بل هو مولّد للحسنات ودافع للسيئات: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾(الذاريات: 56). ويظن البعض أنهم قد اجتازوا مرحلة ترك المعصية، غافلين عن أنّ المعصية لا تختص بالكبائر المعروفة، بل الإصرار على الصغائر أيضاً كبيرة. والنظرة الحادّة مثلاً إلى المطيع لإخافته إيذاء محرّم، كما أنّ الابتسام للعاصي لتشجيعه إعانة على المعصية. ومحاسن الأخلاق الشرعية ومفاسدها قد تمّ بيانهما في الكتب والرسائل العملية. وإنّ الابتعاد عن العلماء والصلحاء يمنح سارقي الدين الفرصة، لتضييع الإيمان وأهله بأهون السبل وأرخصها، وأبعدها عن الخير والبركة. وكلّ هذا مجرّب ومشاهد. نسأل اللّه تعالى أن يجعل هديتنا في أعياد الإسلام الشريفة، التوفيق للعزم الراسخ الثابت الدائم على ترك المعصية، فإنّه مفتاح سعادة الدنيا والآخرة، إلى أنْ يصبح ترك المعصية ملكة. والمعصية بالنسبة لصاحب الملكة بمنزلة شرب السمّ للعطشان، أو أكل الميتة للجائع. وبالطبع، فلو كان هذا الطريق صعباً إلى آخره، ولا ينتهي بالسهولة والرغبة، لما وقع مورداً للتكليف والترغيب والحثّ من قبل الخالق القادر الرحيم. وما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكّلت وإليه أنيب، والحمد للّه أوّلاً وآخراً، والصلاة على محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.
* مَنْ عَمِلَ بما عَلِم كُفي ما لم يعلم
لنسأل السادة الذين يطلبون الموعظة: هل عملتم بالمواعظ التي سمعتموها لحدّ الآن أم لا؟
هل تعلمون أنّ مَنْ عَمِل بما يعلم علّمه اللّه ما لا يعلم؟
هل من اللائق توقّع زيادة المعلومات مع كونكم تركتم العمل بما تعلمون باختياركم؟
وهل يفترض أن تكون الدعوة إلى الحق بواسطة اللسان؟
ألم يقولوا عليهم السلام [ما مضمونه]؛ "كونوا دعاة للحق بأعمالكم".
هل علينا تعليم طريق التعليم أم تعلّمه؟
[أفلا يتّضح] جواب هذه الأسئلة من القرآن الكريم [حين يقول]: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾(العنكبوت:69). ومن كلام المعصوم عليه السلام [حيث يقول]: "مَنْ عَمِلَ بما عَلِمَ ورَّثه اللّه عِلْمَ ما لم يعلم"(5). "مَنْ عَمِلَ بما عَلِمَ كُفي ما لم يعلم"(6). منَّ اللّه علَينا بالتوفيق لعدم ترك [وإهمال] ما نعلم، وللتوقّف والاحتياط فيما نجهل إلى أن يُعلم. ولا نكون ممّن قيل فيهم: "أقاموا المجلس لحاجة ومصلحة، فلم ينلهم إلاّ الجلوس والكلام والقيام"(7). وما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكّلت وإليه أنيب.
ــــــــ
(1) بحار الأنوار، ج 8; ص18.
(2) التحفة السنيّة، السيد عبد الله الجزائري، ص6.
(3) أصول الكافي، ج2.
(4) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج47، ص453.
(5) بحار الأنوار، ج8، ص18.
(6) التوحيد، الشيخ الصدوق، ص416.
(7) ترجمة لشعر بالفارسية.
الاعتراف بالذنوب يقرّبنا إلى الله
الشيخ محمد مصباح يزدي
طرق الوقاية والعلاج من حبّ الدنيا
الشيخ مجتبى الطهراني
شكل القرآن الكريم (2)
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الهداية والإضلال
الشيخ شفيق جرادي
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (5)
محمود حيدر
كيف ننمّي الذكاء الاجتماعي في أولادنا؟
السيد عباس نور الدين
الذنوب التي تهتك العصم
السيد عبد الأعلى السبزواري
كلام في الإيمان
السيد محمد حسين الطبطبائي
الإسلام أوّلاً
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
لا تجعل في قلبك غلّاً (2)
السيد عبد الحسين دستغيب
اطمئنان
حبيب المعاتيق
الحوراء زينب: قبلة أرواح المشتاقين
حسين حسن آل جامع
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
الاعتراف بالذنوب يقرّبنا إلى الله
طرق الوقاية والعلاج من حبّ الدنيا
أظافر قدميك تكشف إذا كنت تعرضت لسبب غير مرئي لسرطان الرئة
شكل القرآن الكريم (2)
الهداية والإضلال
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (5)
كيف ننمّي الذكاء الاجتماعي في أولادنا؟
(قضايا مأتميّة) الكتاب الإلكترونيّ الأوّل للشّاعر والرّادود عبدالشهيد الثور
مركز (سنا) للإرشاد الأسريّ مشاركًا خارج أسوار برّ سنابس
شروق الخميس وحديث حول الأزمات النّفسيّة وتأثيرها وعلاجها