صمّم الإمام الحُسينُ (عليه السّلام) على الخروج إلى العراق، ولم تُثنِه العراقيلُ التي كانت على طول طريقه، ولم تثبّطه الاحتمالاتُ، بل ولا ما كان واضحاً في المنظور السياسي ذلك اليوم من شدّة بطش الحكومة الأُمويّة وعدم ارعوائها من فعل كلّ مخالفة حتّى إبادته! وغدر أهل الكوفة وتقاعسهم عن نصرته!
بل سار يَسوقه الواجب الإلهيّ المفروض عليه، لكونه إماماً للأُمّة يجب عليه القيام تلبية لندائها لإتمام الحجّة الظاهرة.
والمصير الغيبيّ الذي كان يعلمه هو يعلمه كلّ من سمع جدّه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) يتحدّث عن كربلاء، أو شاهده وشاهدَ أباه عليّاً (عليه السّلام) يشمّان تربتها ويتناولانها، ويتعاطيانها، ويستودعانها! كان هذا المصير يقود الإمام الحسين (عليه السّلام).
وأمّا من كان مع الحسين (عليه السّلام) في مسيره:
فقد كان (عليه السّلام) يصطحبُ معه «جَيْشاً» يُشيرُ إليه، ويستعرضه كلّما سُئِلَ عنه؟ ألا وهي أكداس الرسائل وكتب الدعوة الموجّهة إليه من الكوفة، ممّن كان يعبّر عن رأي عامّة الناس من الرؤساء والأعيان.
إنّه (عليه السّلام) كان يعدّ تلك الأعداد من الكتب والرسائل «جيشاً» يستحثّه المسير، ويُصاحِبُه، وكانَ كلّما عرضه على المتسائلين والمتشائمين، بل الناصحين، أُفْحِمُوا ولم يَحْرُوا جواباً!
وليس الاستنادُ إلى هذا الكمّ الهائل من عهود الناس ـ وفيهم أصحاب الزعامة، والكلمة المسموعة ـ بأهونَ من الاعتماد على أمثالهم من الأشخاص المجنّدين الحاضرين معه لو كانوا.
فإنّ احتمالات الخيانة والتخاذل في الأشخاص مثلها في أصحاب الرسائل والعهود إنْ لم تكن أقوى وأسرع!
وغريبٌ أمرُ اُولئك الّذين ينظرون إلى الموقف من زاوية المظاهر الحاضِرة، ويحذفون من حساباتهم الأُمور غير المنظورة، ويُريدون أن يُحاسِبوا حركة الإمام (عليه السّلام) وخروجه على أساس أنّه إمام عالم بالمصير، بل لا بُدّ أن يعرف كلّ شيء من خلال الغيب! فكيف يُقدم على ما أقدم وهو عالم بكلّ ما يصير؟!
والغرابةُ من أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) لو عَمِلَ طبقاً لما يعلمه من الغيب، لعابَ عليه كلّ مَنْ يسمع بالأخبار ويقرأ التاريخ أنّه ترك دعوة الأمّة ـ المتظاهرة بالولاء له، من خلال آلاف الكتب والعهود الواصلة إليه بواسطة أُمناء القوم ورؤسائهم ـ استناداً إلى احتمالات الخيانة والتخاذل التي لم تظهر بوادرها إلاّ بالتخمين حسب ماضي هذه الجماعة وأخلاقهم. واعتماداً على الغيب الذي لم يؤمن به كثير من الناس في عصره ومن بعده، ولم يسلّمه له غير مجموعة من شيعته.
فلو أطاع الإمام الحسين (عليه السّلام) اُولئك الناصحين له بعدم الخروج، لكان مطيعاً لمن لم تجب عليه طاعتهم، وتاركاً لنجدة من تجب عليه نجدتهم.
كما إنّ طاعة اُولئك القلّة من الناصحين لم تكن بأجدر من طاعة الآلاف من عامّة الشعب الّذين قدّموا له الدعوة، وبإلحاح، وقدّموا له الطاعة والولاء.
وقبل هذا وبعده فإنّ الواجب الإلهيّ يحدوه، ويرسم له الخطط للقيام بأمر الأُمّة، فإذا تمّت الحجّة بوجود الناصر، فهذا هو الدافع الأوّل والأساس للإمام (عليه السّلام) على الإقدام، دون الإحجام على أساس الاحتمالات السياسية والتوقّعات الظاهرية، وإنّما استند إليها في كلماته وتصريحاته لإبلاغ الحجّة، وإفحام الخصوم، وتوضيح المحّجة لكلّ جاهل ومظلوم([1]).
وأمّا ظاهرياً:
فقد كان في «قلّة من الناس» وهذا يوجب القلق في الوجه الذي سار فيه الإمام:
قال زُهَيْر بن شدّاد الأسديّ ـ من أهل الثعلبيّة التي مرّ بها الحسين (عليه السّلام) في طريقه إلى الشهادة ـ: أي ابن بنت رسول الله، إنّي أراك في قلّة من الناس، إنّي أخاف عليك!
فأشار بسوط في يده ـ هكذا ـ فضرب حقيبةً وراءَه، فقال: «إنّ هذه مملوءةٌ كتباً، هذه كتب وجوه أهل المصر»!
وقد كان أصحاب الحسين (عليه السّلام) من القلّة بحيث قد عدّهم التاريخ كمّاً، عدّاً بأسمائهم وقبائلهم وأعيانهم.
فكان معه من بني هاشم عدّة معروفة كما في الحديث:
بعث الحسين (عليه السّلام) إلى المدينة، فقدم عليه مَنْ خفّ معه من بني عبد المطلّب، وهم تسعة عشر رجلاً، ونساء وصبيان من إخوانه وبناته ونسائهم([2]).
ويقول الحديث الآخر عن الذين استشهدوا معه (عليه السّلام) من الهاشميّين:
قُتل مع الحسين (عليه السّلام) ستّة عشر رجلاً من أهل بيته([3]).
والحسين (عليه السّلام) هو السابع عشر والّذين خرجوا من المعركة أحياء هم اثنان فقط، أحدهما عليّ زين العابدين، والآخر: الحسن المثنّى، اللذان ارتُثّا([4]) في المعركة واُخذا مَع الأسْرى!
وأمّا العدد الإجماليّ لمجموع الّذين «حضروا» مع الإمام (عليه السّلام) في كربلاء فقد جاء في الحديث:
فخرج متوجّهاً إلى العراق في أهل بيته، وستّين شيخاً من أهل الكوفة([5]).
وجاء في بعض المصادر المتخصّصة ذكرُ مَن «حَضَر مع الحسين في كربلاء» وعددهم يتجاوز المئة بقليل.
أمّا الّذين قتلوا معه فقد أُحصوا بدقّة، وسُجّلتْ أسماؤهم في كتب النسب([6])، والمشهور أنّ مجموع من قُتل معه هم «72» شهيداً([7]).
الحسين (عليه السلام) سماته وسيرته - السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
ــــــــــــــــــــ
([1]) وقد فصّلنا الحديث عن علم الأئمة (عليهم السّلام) بالغيب والاعتراض على إقدامهم بأنّه إلقاء إلى التهلكة، في مقال مفصّل طبع في «تراثنا» عدد 37.
([2]) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 143.
([3]) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 148.
([4]) ارتثّ: أي قاتل وجرح في المعركة، فاُخرج منها وبه رَمَقٌ.
([5]) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 143.
([6]) من ذلك كتاب «تسمية من قُتِل مع الحسين (عليه السّلام) من أهله وأولاده وشيعته» للراوي الفضيل بن الزبير بن درهم الأسدي الرسّان الكوفي، من أصحاب الباقر (عليه السّلام)، وقد حقّقتُه ونشرته في مجلّة «تراثنا» الفصليّة التي تصدر في قم، (العدد الثاني) (1406). وقد حاولتُ إعادة النظر فيه، والاستدراك عليه، والتقديم له بشكل موسّع وأسأل الله التوفيق لنشره ثانيةً. وهناك كتب متخصّصة لذكر أنصار الإمام الحسين (عليهم السّلام) الّذين كانوا معه في كربلاء، من أشهرها «إبصار العين في أنصار الحسين» للشيخ محمد السماوي.
([7]) ا ُسد الغابة، لابن الأثير 2 / 22.
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد جواد البلاغي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد عبد الأعلى السبزواري
محمود حيدر
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
الشيخ علي رضا بناهيان
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الحب في اللّه
العرفان الإسلامي
جمعية العطاء تختتم مشروعها (إشارة وتواصل) بعد 9 أسابيع
الرؤية القرآنية عن الحرب في ضوء النظام التكويني (2)
قول الإماميّة بعدم النّقيصة في القرآن
معنى كون اللَّه سميعًا بصيرًا
الصابئة، بحث تاريخي عقائدي
الاستقامة والارتقاء الروحي
إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا
ماهية الميتايزيقا البَعدية وهويتها*