قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا). (١)
الآية الشريفة المباركة: تخاطب الرسول الأعظم الأكرم (ص) بالنبوة (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ) على غير العادة في مخاطبة الله عز وجل للأنبياء سواه، حيث يخاطبهم في العادة بأسمائهم، مثل: يا نوح، يا إبراهيم، يا موسى، يا عيسى، يا يحيى، ولم يخاطبهم بمثل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ) و(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ)(٢) و(يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ)(٣). وفي ذلك تكريم له وتعظيم لشأنه عليهم جميعا، ودليل على أنه قد ملك ناصية النبوة وحقيقتها الكاملة، وأن له من الخصوصيات عند الله (عز وجل) ما ليس لغيره من الأنبياء.
خمسة أوصاف للرسول الأكرم (ص):
وتؤكد الآية الشريفة المباركة على أنه رسول من الله (عز وجل) يحمل رسالته الكريمة إلى الناس جميعا (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ)، وتذكر الآيتان (45 ـ 46 من سورة الأحزاب)، اللتان نحن بصدد الحديث بشأنهما، أن له خمسة أوصاف تقوم عليها رسالته إلى الناس، وكلها أوصاف كمال وجمال، وهي:
الصفة الأولى "شَاهِدًا": تقول شهد الشيء: أي حضره وعاينه. وشهد على كذا: أي أخبر به عن يقين، فهو شاهد. والجمع: شهود وأشهاد. والشهيد: الأمين في شهادته.
والآية الشريفة المباركة تتناول شهادة للرسول الأعظم الأكرم (ص) ذات أبعاد عديدة شاملة، منها: شهادته لله عز وجل بالوحدانية والعدل (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٤)، وشهادته على الأنبياء السابقين والأوصياء: السابقين واللاحقين. فالرسول الأعظم الأكرم (ص) هو شاهد على الشهود من الأنبياء والأوصياء.
قال الله سبحانه وتعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا) (٥).
وقال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (٦).
وهو شاهد على أمم الأنبياء السابقين وعلى أمته إلى يوم القيامة، بأنهم قد أبلغوا رسالات ربهم، وشاهد على مواقفهم منها (شاهد للمؤمنين بأنهم قد أطاعوا واتبعوا، وشاهد على المكذبين بأنهم قد عصوا وخالفوا)، وكأنه (ص) يقدم تقريرا شاملا بين يدي الله عز وجل في يوم القيامة عن إبلاغ الأنبياء لرسالة ربهم إلى الناس، وعن مواقف الناس منها.
ومن الواضح أن الرسول الأعظم الأكرم (ص) هو الصادق المصدق، فأبرز صفاته الصدق، وهو أسّ الفضائل وأصلها، فيستحيل عليه الكذب والخيانة والسفاهة والخطأ، فشهادته: شهادة حق وعدل، والنتيجة: هنيئا لمن يشهد لهم حيث النجاة والنعيم المقيم والسعادة الأبدية، والويل لمن يشهد عليهم حيث الخيبة والخسارة والتعاسة والعذاب المقيم والشقاء الأبدي.
والسؤال: من المفهوم أن يكون الرسول الأعظم الأكرم (ص) شاهدا على أصحابه، حيث إنه يعيش معهم، ولكن كيف يكون شاهدا على الأنبياء السابقين وأممهم، وعلى الأوصياء بعده وعلى أمته بعد وفاته إلى يوم القيامة وهو غائب عنهم؟!
الجواب: إن هذه الشهادة التي يذكرها القرآن الكريم للرسول الأعظم الأكرم (ص) تدل على أنه يتمتع بحالة إشرافية وجودية تتجاوز حدود الزمان والمكان اللذين يعيش فيهما، تمكّنه من الاطلاع والهيمنة على مسيرة الإنسان منذ أبينا آدم وحتى أن يرث الله عز وجل الأرضَ ومن عليها، بل أوسع من ذلك. وهذه الحالة الإشرافية لا تنفصل عن كماله الروحي والمعنوي وسموه العقلي والأخلاقي، فهي تتطلب كمالا روحيا يحمله إلى الأفق الأرحب ويمنحه هذه الحالة الإشرافية العظيمة. وهذا بدوره لا ينفصل عن كمال الرسالة التي يحملها، وشمولها، وخاتميتها، وحاكميتها على جميع الرسالات السابقة، مما يدل على أن الرسول الأعظم الأكرم (ص) يتمتع بأفضلية وجودية واقعية على جميع البشر، بمن فيهم جميع الأنبياء.
وقبل أن أنتقل من الحديث عن هذه الصفة، أقول: إن كلَّ مؤمن ومسلم يعشق الرسول الأعظم الأكرم (ص) وكلَّ عاشقٍ حريصٌ على كسب رضا معشوقه وأن لا يُدخل الأذى إلى قلبه. وقد علمنا علما يقينيا بأن الرسول الأعظم الأكرم (ص) مطلع على أعمالنا وأحوالنا وأوضاعنا الفردية والمجتمعية، قال الله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (٧)، فإذا حسنت أعمالنا وأحوالنا وأوضاعنا الفردية والمجتمعية، فإن من شأن ذلك أن يدخل البهجة والسرور إلى قلبه المقدس (ص)، وإذا ساءت أعمالنا وأحوالنا وأوضاعنا الفردية والمجتمعية، فإن من شأن ذلك أن يدخل الأذى إلى قلبه المقدس (ص)، فإذا كنا عاشقين للرسول الأعظم الأكرم (ص) بحق وحقيقة، فليكن لنا كامل الحرص على أن تحسن أعمالنا وأحوالنا وأوضاعنا الفردية والمجتمعية، وأنبه: لا يكفي حرصنا على أن تحسن أعمالنا وأحوالنا الفردية، وإنما المجتمعية أيضا.
قال الله تعالى: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (٨).
الجدير بالذكر أن الأمة التي تتبع الرسول الأعظم الأكرم (ص) بحق وحقيقة، ينبغي أن تعكس أوضاعها الفكرية والروحية والاجتماعية والحضارية وغيرها صفات الكمال التي يتمتع بها، وإلا فإنها لا تتبعه حق الاتباع.
1. سورة الأحزاب، الآية: 45 ـ 46.
2. سورة المزمّل، الآية: 1.
3. سورة المدثّر، الآية: 1.
4. سورة آل عمران، الآية: 18.
5. سورة النساء، الآية: 41.
6. سورة البقرة، الآية: 143.
7. . سورة التوبة، الآية: 105.
8. . سورة التوبة، الآية: 128.
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة
اعتبار الإسلام لرابطة الفرد والمجتمع
لا يدرك الخير إلّا بالجدّ
الوصول إلى حالة الانغماس وقياس مستواها
هل يمكن إثبات المعجزة علميًّا؟ (2)
أزمة العلمانية مع الإسلام