مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عباس نور الدين
عن الكاتب :
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران: الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه.

نهج الإمام الخميني كمدرسة تربويّة شاملة

إن أردنا أن نتوقف عند قضية مناهج تعليم الدين، بمعنى تربية الأفراد وإعدادهم ليطبقوا هذا الدين في حياتهم بأفضل صورة، فلن نجد ما هو أفضل وأيسر وأكثر تأثيرًا من التعلق القلبي والمعنوي والفكري والعملي بالإنسان الكامل الذي يجسّد في شخصيته هذا الدين بكل أبعاده.

لأجل ذلك، لو استطاع المربي أن يحقق هذا الهدف بأن يجعل التلميذ شديد التعلق بقلبه ووجدانه برسول الله (ص) وأهل بيته الأطهار عليهم السلام، باعتبار أنّ هذه الرابطة موجودة بنحوٍ في الأصل في نفوس الطيبين، لحقّق الغرض الأعلى من التعليم الديني ولأنجز بذلك عملًا كبيرًا.

وهكذا يتربع هذا المنهج على رأس قائمة المناهج التي يمكن أن تُطرح في التربية الدينية؛ إلّا أنّ تحقيق هذا الهدف دونه العديد من الصعاب التي تتطلب جهودًا إبداعية استثنائية.

 

فالتعرّف إلى الدين كمنظومة متكاملة شاملة لكل شؤون الحياة، تعمّق نظرة الإنسان إلى الوجود وتقدّم له الأجوبة الشافية عن الأسئلة التي يطرحها، يصبح أمرًا صعبًا وبعيد المنال إن أردنا أن نوجد هذه الرابطة المباشرة بين التلميذ وأهل البيت(ع).

فأن نطلب من التلميد أن ينفتح بعقله على التراث العلمي والمعرفي لأهل بيت العصمة والطهارة، يعني أن نطلب منه جهدًا كبيرًا واجتهادًا لا يقدر عليه، نظرًا لتشعب هذا التراث ووجود الكثير من الدس والتحريف والمتعارضات الظاهرية فيه، ما يتطلّب مهارات ذهنية خاصة ـ يقوم بها عادةً الفقهاء من الطراز الأول؛ أضف إلى ذلك عامل اللغة الذي يتطلب بدوره مهارات بيانية عالية.

فرغم حضور هذا التراث على مدى التاريخ، فإنّ عدد الذين استفادوا منه ليكوّنوا هذه الرؤية الدينية العميقة والشاملة لم يكن بالعدد الكبير. وبعبارةٍ أخرى، شكّلت تلك العقبات والموانع مانعًا طبيعيًّا أمام تحقق هذه الرابطة بكل أبعادها المعنوية والفكرية. فالذين ادّعوا الارتباط والحب والتعلق بأهل البيت (ع) كانوا كثرًا، لكنّ الذين استطاعوا أن يتعرفوا إلى نهجهم ورؤيتهم الكونية ومنظومتهم الفكرية كانوا قلة.

 

على سبيل المثال تكشف دراسة الإمام الخميني (قده) لقضية الحكومة في الإسلام عن حصول انحرافٍ كبير عن تعاليم أهل البيت حتى داخل الحوزات العلمية نفسها، التي يُفترض أنّها قابعة على هذا التراث الغني وتستطيع في أي لحظة أن تستنبط منه ما تشاء.

هنا، دعت الحاجة إلى المزيد من التحقيق والاجتهاد والتعمق في كل هذا التراث المرتبط بسيرة وسنة وتعاليم أهل البيت (ع)، وتبيّن أنّ الوصول إلى هذه المنظومة الشاملة والرؤية الكونية المترابطة يتطلب مجموعة من الخصائص والمهارات النفسية والفكرية والعقلية والقلبية، تجسّدت بأعلى مستوياتها عبر التاريخ ومن بين كل هذه التجارب في شخصية الإمام الخميني (قده)، الذي تميّز تميّزًا واضحًا في استنباطه للأحكام والتعاليم والبرامج والرؤى والمبادئ والأفكار المرتبطة بتفسير الوجود، فمثّل بشخصيته وفكره أعظم مدرسة استطاعت أن تجسّد تلك التعاليم، بل تلك الشخصيات العظيمة في إنسانٍ غير معصوم.

لذلك نجد أنّ شخصية الإمام الخميني من الناحية التعليمية التربوية هي أفضل نموذج لتحقيق تلك الأهداف التي أشرنا إليها، في العلم والعمل.

 

إنّ المقارنة بين عظمة شخصية الإمام الخميني وعظمة شخصية المعصومين (ع) ليست بالأمر الميسّر، لكنّ الأحاديث والروايات والأدلة العقلية والنقلية تبيّن لنا أنّ هناك فارقًا كبيرًا بين شخصية الإمام وشخصية هؤلاء المعصومين، الذين كان هذا الإمام يسعى للاقتداء بهم، وجسد ـ كما ذكرنا ـ النموذج الأعلى لهم من بين البشر غير المعصومين. فالإمام الخميني ليس مطروحًا بعرض أهل البيت (ع) حتى يُقال ما يُقال، لكنّه يمثّل أوسع بوابة وأيسر طريق لتحقيق ذلك الارتباط المعنوي والفكري والعملي بهم، من الناحية التعليمية التربوية.

لقد استطاع هذا الإمام بشخصيته المعنوية وسلوكه وأفكاره أن يقدّم مدرسة شاملة لكل شؤون الحياة، يمكن عرضها بالأساليب التعليمية بسهولة. وهكذا نقترح دائمًا أن يكون الإمام كشخصية، بما تتضمنه من معاني، وكنهج يجمع هذه المعاني في إطارٍ واحد منسجم ومترابط، مدرسة ومنهاجًا للتعليم الديني. فلو استطعنا أن نحقق هذه الرابطة المعنوية والفكرية بالإمام ونهجه، لتحققت كل الأهداف المنشودة من التعليم الديني.

 

سوف يتخرج الطالب من هذه المدرسة وقد حقق أعلى مستوى متوقع في هذا الزمان من الارتباط العاطفي والمعنوي والقلبي بأهل البيت؛ كما سيتخرّج وقد وصل إلى أعمق ما ظهر من تعاليم أهل البيت في تراث العلماء والمجتهدين والمحققين. فلا يوجد من استطاع أن يصل بتحليقه إلى هذه المديات أو أن يسبر بنظره الثاقب أعماق التعاليم الواردة عن أهل البيت كما فعل الإمام الخميني(قده).

فالإمام مدرسة متفوّقة في الرؤية الكونية وتفسير الوجود وتثبيت أصول الدين وفي تفريع المسائل المختلفة، التي يمكن الاستفادة منها لامتلاك القدرة على تقديم الأجوبة المختلفة عن كل المسائل التي تواجه الإنسان في هذا الزمان وتجعله أمام تحديات عقائدية وإيمانية عاصفة.

كما أنّ الإمام بكلماته ونهجه وسيرته وأفعاله وشخصيته يمثّل أجمل وأرقى مدرسة أخلاقية في تهذيب النفس والسير إلى الله وتعميق الإيمان والارتباط بالله والعروج في مراتب الكمال.

 

ويمكن للإمام أن يؤسس بفضل جهوده العلمية والتحقيقية تلك المنهجية القويمة المحكمة للسير على طريق التحقيق والاجتهاد، من دون أن نقيّد الطالب بقيود التقليد. فكما أنّ الإمام يحرّر النفوس ويطلق العنان للعقل ليسبح في آفاق هذا الوجود، فإنّه يحرّر الفكر البشري الباحث عن الأجوبة الأساسية لأحكام الإسلام المرتبطة بشؤون الحياة المختلفة وتفاصيلها الجزئية. ولا ننسى أنّ هذا الإمام قد قدّم فكره في قوالب بيانية غاية في الروعة والجاذبية، وبعيدة عن التعقيد، وممتزجة بالسلاسة، فحقّق بذلك أحد أرقى أساليب التعبير التي تخاطب العقل والقلب معًا.

والتراث الواسع للإمام في كلماته وخطبه وكتاباته يغني كل طالب وباحث عن أفكار الإسلام، في الوقت الذي يدلّه على عناصر الغنى الموجودة في تراث العلماء الماضين والمعاصرين؛ ففي الوقت الذي يغنيك هذا الإمام، يفتح لك أبوابًا لا تحلم بالحصول عليها.

 

فإذا أردنا أن نحقق رابطة معنوية قوية بكتاب الله المجيد، فلن نجد أفضل من سيرة الإمام وأفكاره وتفاسيره وشروحاته وأحاديثه عن القرآن الكريم. يكفي أن نطرح هذه الشخصية بسيرتها وأفكارها المرتبطة بالقرآن الكريم حتى نحقق نقلة نوعية في نفوس الطلاب وأذهانهم وعلاقتهم وارتباطهم بكتاب الله المجيد.

كما أنّ الإمام أعظم من استطاع أن يفهم مقام الإنسان الكامل ودور الإمام المعصوم ومنزلته، ومزج ذلك بعلاقته القلبية وسيرته العملية. فيكفي أن نعرض سيرة الإمام وأفكاره المرتبطة بأهل بيت النبوة ـ بالإنسان الكامل والإمام المعصوم ـ حتى نحصّل كل ما يمكن أن يكون من عناصر إيجابية موجودة في هذا التراث ومصادره الأساسية.

والإمام أفضل من يشجع على قراءة الصحيفة السجادية، التي هي الكتاب الثاني بعد القرآن الكريم في معرفة الدين وتحقيق أهدافه، وكذلك هو الأمر بالنسبة لنهج البلاغة والقيادة الشرعية وتراث العلماء الكبار وفهم الغرب والحضارات الأخرى والأديان والمذاهب والتحديات المعاصرة وكل ما نحتاج إليه للعمل على بناء المجتمع المثالي والمجتمع الممهد لذلك المجتمع الأعلى.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد