إن إلقاء الضوء على دور المرأة في قضية الإمام الحسين(ع) يمكن أن يوضح دورها في المجتمع الإنساني، ولاسيما في الحركة السياسية والاجتماعية العامة، فالمرأة كان لها دور كبير ومهم في النهضة الحسينية لا يقل عن دور الرجل فيها، ولاسيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار الخصوصيات التي يتميز بها الإمام الحسين (ع) كإمام مفروض الطاعة وله مواصفات خاصة لا يمكن أن يشبهه فيها أحد من الناس.
فكما أن الإمام الحسين(ع) يبقى رمز كل الرجال الذين شاركوا في واقعة كربلاء، وملحمة الشهادة والفداء والبذل والتضحية والمعاناة، كذلك تبقى الحوراء زينب(ع) عقيلة بني هاشم تمثل الرمز في هذه الحركة بالنسبة إلى النساء.
ويمكن تلخيص الأدوار والنشاطات والأعمال التي قامت بها المرأة - بصورة عامة، والعقيلة زينب بصورة خاصة - في كربلاء في عناوين وأدوار خمسة رئيسة:
1- القتال في سبيل الله
2- المحافظة على البقية الصالحة
3- المحافظة على القيم والأخلاق
4- الدور الإعلامي
5- الأسر والسبي
الدور الأول: القتال في سبيل الله:
يمثل القتال في سبيل الله العنوان البارز في حركة الإمام الحسين(ع)، ونجد أنَّ المرأة كان لها مشاركة في هذه النهضة بمستوى القتال، بالرغم من أنَّ الموقف المعروف عن الإسلام والذي طرح في معركة كربلاء ـ أيضاً ـ هو أنَّ النساء ليس عليهن جناح، ولكن نجد مع ذلك:
أولاً: إن وجوب القتال في سبيل الله في أصل الشريعة يترتب على المرأة في بعض الأحيان: وهو فيما إذا كان القتال والجهاد قتالاً وجهاداً دفاعياً كما يعبر عنه الفقهاء، وكانت المرأة قادرة على ممارسته، ولم يكن في الرجال من يقوم بذلك ممن به الكفاية.
فالجهاد يصنف -عادة- في الشريعة إلى صنفين(1):
أ) الجهاد الابتدائي: وهو أن يكون من أجل نشر الإسلام، وكسر الحواجز التي يضعها الطغاة أمام حركة الإسلام وحركة الهدى، فهنا قد يبادر المسلمون بقيادتهم الشرعية إلى القيام بالعمل القتالي؛ عندما يقف الطغاة سدّاً حاجزاً ومانعاً من حركة الهدى بين الناس، ويرى الفقهاء بأن هذا النوع من القتال يكون مختصاً بنوع من الناس، وهم: الرجال من الأصحاء والأقوياء فقط، ولا يشمل كل الرجال، فالضعفاء منهم - كما يعبر عنهم القرآن الكريم - من قبيل: المريض، والأعرج، والأعمى، والشيخ الكبير، أو غير ذلك من الأشخاص الذين يتصفون بمواصفات تؤشر على الضعف فيهم مرخصون في ترك الجهاد لقوله تعالى:«لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»(2).
ب) الجهاد الدفاعي: وهو فيما إذا تعرض المسلمون إلى هجوم الأعداء والعدوان من قبل الكافرين أو الطغاة، فعلى المسلمين أن يدافعوا عن إسلامهم وعن بيضة الإسلام والمسلمين، كما جاء في الحديث المعتبر المروي عن أهل البيت(ع)(3)، دون فرق في ذلك بين القوي والضعيف.
فالجهاد هنا يكون واجباً دفاعيّاً على كل القادرين، سواء كان رجلاً أم امرأة، سالماً كان في بدنه، أم ناقصاً من قبيل الأعمى والأعرج، أم غيرهم، ممن يقدر أن يدافع أو يساهم في عملية الدفاع.
ولاشك بأن معركة كربلاء كانت جهاداً دفاعيّاً، فالإمام الحسين(ع) كان يجاهد ويدافع عن الإسلام الذي يتعرض إلى الخطر، بسبب وجود وطبيعة حكم الطاغية يزيد، ومحاولاته لحرف المسلمين عن الإسلام، وطرحه للمفاهيم الضالة ضده. وهذا الحكم في الجهاد حكم شامل لا يختص بحالة يزيد، وإنما يشمل كل الطغاة الذين تكون لهم المواصفات اليزيدية، وعندئذٍ يكون الجهاد جهاداً دفاعيّاً، ويكون شاملاً وعامّاً لكلّ القادرين، مهما كان نوع هذا القادر، ولذا فهو يشمل النّساء أيضاً.
ثانياً: إن الجهاد على المرأة في نهضة كربلاء وإن لم يكن واجباً بالفعل: لعدة أسباب، أهمها: وجود مصلحة مهمة ترتبط بالمرحلة الثانية من المعركة التي كان يخوضها الإمام الحسين (ع)، وهي مرحلة بقاء النساء من أجل القيام بالأدوار الأخرى التي سنشير إليها؛ ولذا كان الإمام الحسين(ع) يمنع بعض النساء من المساهمة بشكل فعّال في القتال.
ولكن مع ذلك كله نلاحظ أنَّ هذه المساهمة من المرأة كانت قائمة وموجودة، من قبيل:
أ) أم وهب زوجة عبد الله بن عمير الكلبي وكنيته أبو وهب، فحينما برز زوجها إلى القتال، وقتل يسار مولى زياد، وسالم مولى عبيد الله بن زياد، وأقبل إلى الحسين يرتجز بهذا العمل البطولي، أخذت زوجته أم وهب عموداً، وأقبلت نحوه تقول له: فداك أبي وأمي، قاتل دون الطيبين ذرية محمد(ص)، فأراد أن يردها إلى الخيمة فلم تطاوعه وأخذت تجاذبه ثوبه، وتقول له: لن أدعك دون أن أموت معك، فناداها الحسين(ع): جزيتم عن أهل بيت نبيكم خيراً، ارجعي إلى الخيمة، فإنه ليس على النساء قتال، فرجعت.
ولكن بعد ان استشهد زوجها مشت إليه وجلست عند رأسه تمسح الدم عنه، وتقول: هنيئاً لك الجنة، أسأل الله الذي رزقك الجنة أن يصحبني معك، فقال الشمر لغلامه رستم: اضرب رأسها بالعمود فشدخه وماتت مكانها، وهي أول امرأة قتلت من أصحاب الحسين(4).
ب) أم عبد الله بن عمير الكلبي - أبو وهب - فبعد أن قُتِلَ ولدها، قطعوا رأسه ورموا به إلى جهة الحسين، أخذته أمه ومسحت الدم عنه، ثم أخذت عمود خيمة وبرزت إلى الأعداء فردها الحسين(ع) وقال: ارجعي رحمك الله فقد وضع عنك الجهاد(5).
ج) أم عمرو بن جنادة الأنصاري، بعد إن قتل زوجها في الحملة الأولى جاء ولدها عمرو، وهو ابن إحدى عشرة سنة يستأذن الحسين (عليه السلام) فأبى أن يأذن له بالقتال، وقال: هذا غلام قتل أبوه في الحملة الأولى، ولعل أمه تكره ذلك، فقال الغلام: إن أمي أمرتني، فأذن له (عليه السلام)، فما أسرع أن قتل ورمي برأسه إلى جهة الحسين(ع)، فأخذته أمه ومسحت الدم عنه، وضربت به رجلاً قريباً منها، فمات، وعادت إلى المخيم فأخذت عموداً، فردها الحسين إلى الخيمة، بعد أن أصابت بالعمود رجلين(6).
د) موقف طوعة التي آوت وأخفت مسلم بن عقيل في بيتها، عندما كان مطارداً من قبل عبيد الله بن زياد، حيث تصدَّت هذه المرأة الصالحة لحمايته، وعرَّضت وجودها ونفسها وبيتها إلى أشد الأخطار القتالية(7).
وكذلك نجد مواقف أخرى للمراة في الجانب المعادي للإمام الحسين (عليه السلام) تعبر عن رفضهن لهذه الجريمة الوحشية، كموقف النوار زوجة كعب بن جابر، الذي شارك في قتل برير بن خضير، فعتبت عليه، وقالت: "أعنت على ابن فاطمة، وقتلت سيد القراء، لقد أتيت شيئاً عظيماً من الأمر، والله لا أكلمك من رأسي كلمة أبدا"(8)، وهذا موقف البراءة من أعداء الله، وهو من المواقف المكملة لموقف الولاية والولاء لأولياء الله، وهناك العديد من هذه النماذج المشرّفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1- وهذا هو مذهب فقهاء الإمامية قديماً وحديثاً، قال العلم الكبير زين الدين بن علي العاملي المعروف بـ(الشهيد الثاني) في المسالك: "اعلم أن الجهاد على أقسام: أحدها: أن يكون ابتداء من المسلمين للدعاء إلى الإسلام. وهذا هو المشروط بالبلوغ والعقل والحرية والذكورية ونحوها، وإذن الإمام أو من نصبه. ووجوبه على الكفاية إجماعاً. والثاني: أن يدهم المسلمين عدوّ من الكفار، يريد الاستيلاء على بلادهم أو أسرهم أو أخذ أموالهم وما أشبهه من الحريم والذرية. وجهاد هذا القسم ودفعه واجب على الحر والعبد والذكر والأنثى إن احتيج إليها. ولا يتوقف على إذن الإمام ولا حضوره. ولا يختص بمن قصدوه من المسلمين . بل يجب على من علم بالحال النهوض، إذا لم يعلم قدرة المقصودين على المقاومة". وفي منهاج الصالحين للسيد الخوئي(قدّس سرّه) المسألة (57) من كتاب الجهاد: "يجب على كل مسلم الدفاع عن الدين إذا كان في معرضاً الخطر، ولا يعتبر إذن الإمام (عليه السلام) بلا إشكال ولا خلاف".
2-التوبة: 91.
3- عن يونس، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال:"قلت له: جعلت فداك إن رجلاً من مواليك بلغه أن رجلاً يعطي السيف والفرس في سبيل الله فأتاه فأخذهما منه وهو جاهل بوجه السبيل، ثم لقيه أصحابه فأخبروه أن السبيل مع هؤلاء لا يجوز وأمروه بردهما؟ فقال: فليفعل، قال: قد طلب الرجل فلم يجده وقيل له: قد شخص الرجل؟ قال: فليرابط ولا يقاتل. قال: ففي مثل قزوين والديلم وعسقلان وما أشبه هذه الثغور؟ فقال: نعم، فقال له: يجاهد؟ قال: لا، إلا أن يخاف على ذراري المسلمين [فقال] أرأيتك لو أن الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ لهم أن يمنعوهم؟ قال: يرابط ولا يقاتل، وإن خاف على بيضة الإسلام والمسلمين قاتل، فيكون قتاله لنفسه وليس للسلطان، قال: قلت فإن جاء العدو إلى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟ قال: يقاتل عن بيضة الإسلام لا عن هؤلاء لأن في دروس الإسلام دروس دين محمد (صلّى الله عليه وآله)". الكافي5: 21 ، ح2.
4- تاريخ الطبري4 : 327، 334.
5-كربلاء الثورة والمأساة: 312.
6- أبصار العين في أنصار الحسين: 159
7-البداية والنهاية8 : 166 ، روضة الواعظين: 175، مقاتل الطالبيين: 71.
8-تاريخ الطبري4: 329
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان