مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ د .أحمد الوائلي
عن الكاتب :
ولد الشيخ أحمد بن الشيخ حسون بن سعيد الوائلي عام 1927 في مدينة النجف الأشرف، أظهر الوائلي نبوغاً في صغره ودرس في الحوزة العلمية متتلمذاً على يد ثلة من العلماء والمراجع المحققين وقد كان ينهل من علومهم ومعارفهم محققاً تفوقاً لافتاً في كل صنف من صنفي دراسته الحوزوية والأكاديمية العليا التي تابعها حتى حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة تميز شعر الوائلي بفخامة الألفاظ وبريق الكلمات فقد كان يُعنى بأناقة قصائده لذلك وهو يعتبر شاعراً محترفاً من الرعيل الأول المتقدم من شعراء العراق، جمعت بعض قصائده التي تنوعت في مضامينها في ديوانه المسمى باسم "ديوان الوائلي" وهي قصائد في المدح والرثاء والسياسة وفي أهل البيت ورثاء بعض الأئمة. وافاه الأجل في الرابع عشر من يوليو سنة 2003م.

معطيات ثورة الإمام الحسين (ع)

ماذا أعطى الحسين عليه السلام للإنسانية بنهضته؟ إن الظلم الأمويّ وصل إلى درجة أشعر فيها كلّ مسلم بفقدان الثقة بنفسه، فالأجيال التي عاصرت الأمويين ماتت في نفسها البطولة وطأطأت للذل، وديست رؤوسها (1).

فأي مجتمع هذا الذي يتقدّم ليبايع يزيد على أنه عبد قن له يتحكّم بماله ونفسه وعرضه؟(2) نَقّل طرفك في مثل هذا المجتمع وانظر، هل تسميه مجتمعًا إنسانيًّا؟

بالطبع كلا. فالمجتمع الذي لا تنبض فيه داوعي الرجولة، ولا يقف دفاعًا عن مقدّساته، لا تستطيع أن تسميه مجتمعًا. وهذا ما فعله الأمويون؛ فلقد سحقوا نخوة المسلمين ورجولتهم، وسلطوا عليهم السيف والإرهاب، فأخذتهم الذلّة وغطتهم موجة من الشعور بالخذلان، فمات كلّ نبض فيهم، وسكت كل همس عندهم.

فالحسين عليه السلام رأى المجتمع الذي صنعه جده ألقًا، قد بدأ يتحوّل إلى ظلام، فرفع مشعل الحرية، وأراد أن يعطي المجتمع الثقة بالنفس. وهكذا أعاد عليه السلام للمجتمع الثقة بالنفس، وبرهن على أن الأمة لا تموت، وأن الشعب لا يموت، وإذا سكت فإنما يسكت مؤقتًا ولن يبقئ كذلك، وإذا غلب عليه الظلم فهو سيتمرد يومًا ما على الظلم، وسيحمل على يديه آماله وآلامه ثم يسلك منهج الحسين عليه السلام. وهكذا تكون هذه النهضة المباركة قد أعطت عطاء عظيمًا ولم تأخذ شيئًا.

 

ومن معطيات هذه النهضة المباركة:

 

الأول: إعادة الثقة للأمة الإسلامية بنفسها

فأول إنجازات الحسين عليه السلام، إذًا أنه أعاد للأمة الإسلامية الثقة بنفسها، وأشعرها أن فيها زادًا وذخيرة، ومهما مرّت عليها أيام الذل فسوف لن تبقى ذليلة.

فهذا أول عطاء حمله الإمام الحسين عليه السلام للإنسان المسلم، بل وغير المسلم أيضًا (3).

 

الثاني: أن الحق ينتصر وإن قل ناصروه

فثورة الحسين عليه السلام بعد أن أعادت إلى الأمّة الثقة بنفسها، أوعزت إلى الظالمين بأن وسائل القوّة مهما كانت جبارة وعاتية، فقد تطردها محجمة من الدماء. وهذا الموقف من الإمام الحسين عليه السلام، يلخّص موقف النبي (ص) يوم خرجت قريش بكبريائها وغرورها ومعها ألف فارس، وآلاف أخرى من المسلحين، وخرج النبي وسلاح أصحابه جريد النخل ليس إلا، فهزم أسلحة قريش بذلك الجريد، بل بالإيمان الذي وراء الجريد(4).

وحمل الحسين عليه السلام على يديه إيمانًا يقاتل به أسلحة الأمويين، بعد أن جاءه الجيش من كلّ جانب ومكان، يقول السيد حيدر الحلي "ره":

وَطَا الوحـشُ إذ لم يَـجِـد مهرباً

وَلازَمَتِ الطَير أوكانهَا

وحـُفـَّت بـمن حيثُ يلقى الجُمُـوع

يثنّي بـماضِـيهِ وجدانَهَا

وَسَامـَتهُ يركب إحـدى اثـنـَتـَيـنِ

وَقَد صَرَّت الحربُ أسنانَهَا

فإمـا يـُرى مـــذعِــنـاً أو تـَمـــوت

نفـــسٌ أبَـى العِـزُّ إذعانَهَا

فـقـال لها اعـتصمي بالإبا

فنفسُ الأبيِّ وما زانَهَـا

إذا لم تَجِد غـيــرَ لبس الهَوان

فـبالموت تَنـزَعُ جُثمَانَهَـا

ركـين وللأرض تحت الكُماة

رجــيـف يـزلزل ثهلانها

أقـرَّ على الأرض مـن ظهرهـا

إذا مـَلمَل الرعبُ أقرانَهَـا (5)

حمل الحسين عليه السلام إيمانه وعزيمته وموقفه، فقاتل به أسلحة الأمويين وجيوشهم، وما أروع ما قال شاعر الطف:

قومٌ إذا نُــودوا لدفعِ ملمةٍ  

والقومُ بين مدعــسٍ ومكردسِ

 لبسوا القلوبَ على الدروعِ وأقبلوا  

يتهـافتون عـــــلى ذهابِ الأنفسِ (6)

لقد لبس الحسين عليه السلام قلبه على درعه، وهو يهزأ بالسلاح ويهزم كل قوة؛ لأنه تجلبب بقوة الإيمان والعزيمة، واستطاع أن يعطينا درسًا، ويعيد إلينا نبرة القرآن الكريم: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ) (7).

 

الثالث: أنها المحرّك الوحيد لما بعدها من ثورات

لقد تركت لنا هذه الحركة المباركة تيارًا ثوريًّا وداعيًا إلى الجماعة، امتدّ من يوم الطف إلى يوم الناس هذا، فإذا مر المحرم فلن تجد جالية إسلامية في شرق الأرض وغربها إلا وتحتفل بذكرى الحسين عليه السلام.

ولو أنه لم يقتل في واقعة الطف، كم يمكن له أن يعيش؟ عاش جده (ص) ثلاثة وستين عامًا، وعاش أبوه ثلاثة وستين أيضًا والحسين في يوم الطف كان عمره سبعًا وخمسين سنة، فلو قدّر له أن يعيش كما عاش جده، فهل سيعيش (سلام الله عليه) أكثر من ست سنوات أو عشر أخرى؟

فلو سكت عن الظلم ومات موتًا طبيعيًّا، هل كان سيعيش أكثر من عشر سنوات؟ ولكنه الآن يعيش منذ أكثر من ألف وأربعمئة سنة، وسيبقى يعيش والدنيا إلى جانبه، وستمتدّ الأجيال وللحسين فيها صوت وتيار، ولفكره فيها مسيرة:

ورأيتك الفكر الحصيف يشقّ

أستار الغيوب ويستشفُ بعيدا

فإذا أراقَ اليومَ زاكية الدّما

فغدًا سترفعها الشَعوب بنودا

ـــــــــــــــــــــ

1- قال ابن أبي الحديد” وكانت بنو أمية تختم في أعناق المسلمين كما نوسم الخيل؛ علامة لاستبعادهم” شرح نهج البلاغة 15 : 242.

2- انظر تاريخ مدينة دمشق 54 : 181- 182.

3- غاندي واعترافه بأنه تعلم من الحسين "ع".

4 – قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ. الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) 6. الأنفال: 65.

5- ديوان السيد حيدر الحلي: 108.

6- عمدة الطالب: 256 ؛ اللهوف في قتلى الطفوف: 77

7- البقرة: 249.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد