مقالات

رضا الله رضانا أهل البيت

الشيخ محمد جواد مغنية

 

من كلام سيّد الشّهداء أبي عبد الله الحسين عليه ‌السلام :

«اللهمّ اجعلني أخشاك كأنّي أراك... واجمعني عليك بخدمة توصلني إليك، وكيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟! أيكون لغيرك من الظّهور ما ليس لك حتّى يكون المظهر لك؟! متى غبت حتّى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟! عميّت عين لا تراك عليها رقيبًا، وخسرت صفقة عبد لم يجعل له من حبّك نصيبًا» (1).

هكذا عرف الله سبحانه أئمّة أهل البيت عليهم ‌السلام. عرفوه حتّى كأنّهم يرونه وجهًا لوجه، وحتّى كأنّهم يسمعون أوامره، ونواهيه رأسًا وبلا واسطة، لقد فتح الله لهم أبواب العلوم بربوبيته وعظمته، وأضاء لهم طرق الإخلاص له في توحيده وطاعته، وشرّفهم بالفضائل على جميع خلقه، فما نطقوا إلّا بكلمة الله، وما عملوا إلّا بما يرضي الله، وما قطعوا أمرًا، إلّا بأمر من الله. لـمّا عزم الحسين على الخروج إلى العراق قام خطيبًا، وقال:

«الحمد لله ما شاء الله، ولا قوّة إلّا بالله، وصلّى الله على رسوله، خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النّواويس وكربلاء، فيملأنّ منّي أكراشًا جوفًا، وأجربة سغبًا، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصّابرين، لن تشذّ عن رسول الله لحمته بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تقرّ بهم عينه، وينجز بهم وعده، من كان باذلًا فينا مهجته، وموطّنًا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإنّني راحل، مصبحًا إنّ شاء الله تعالى» (2).

 

قيل للإمام الصّادق عليه ‌السلام: «بأي شيء يعلم المؤمن أنّه مؤمن؟ قال: بالتّسليم والرّضا فيما ورد عليه من السّرور أو السّخط» (3).

إذن لا يقاس المؤمن المخلص بالإعتقادات والعبادات، وإنّما يقاس إيمانه وإخلاصه بالتّسليم لأمر الله، وطيب نفسه بما يرضي الله، ولو كان قرضًا بالمقاريض، ونشرًا بالمناشير.

قال أمير المؤمنين: «أوحى الله إلى داود: تريد وأريد، ولا يكون إلّا ما أريد، فإن أسلمت لما أريد أعطيت ما تريد، وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد، ثمّ لا يكون إلّا ما أريد» (4).

وقال: «... ولا تسخط الله برضا أحد من خلقه، فإنّ في الله خلفًا من غيره، وليس من الله خلف في غيره...» (5).

وقال رسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله: «من طلب رضا مخلوق بسخط الخالق سلّط الله عليه ذلك المخلوق»(6).

 

وأوضح مثال على هذه الحقيقة جزاء ابن زياد لابن سعد. قاتل هذا الحسين عليه ‌السلام طمعًا في ملك الرّي، فحرمه من الملك، ثمّ سلّط الله عليه المختار (7) فذبحه على فراشه، وحرمه الحياة. (فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (8).

ولبى أصحاب الحسين نداءه، ورحلوا معه، وبذلوا مهجهم دونه طلبًا لمرضاة الله، ورغبة بلقائه وثوابه، فلقد كان حنظلة بن أسعد الشّبامي (9) يوم الطّفّ يقف بين يدي الحسين يقيه السّهام والرّماح والسّيوف بوجهه ونحره، وينادي يا قوم! إنّي أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل قوم نوح وعاد وثمود والّذين من بعدهم: (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) (10)، (وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) (11). يا قوم لا تقتلوا حسينًا: (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى) (12).

ثمّ قال حنظلة: السّلام عليك يا أبا عبد الله، صلّى الله عليك وعلى أهل بيتك، وعرّف بيننا وبينك في جنته، وقاتل حتّى قتل رضوان الله عليه (13)، وكان من الّذين عناهم الله بقوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)(14).

ــــــــــــــــــ

(1).. انظر ، كتاب الإقبال لابن طاوس : 349 ، من دعاء الحسين يوم عرفة.

(2). ) انظر ، شرح الأخبار ، القاضي النّعمان المغربي : 146 ، كشف الغمّة : 2 / 239 ، اللهوف في قتلى الطّفوف : 25.

(3). انظر ، أصول الكافي : 2 / 62 ح 12.

(4). انظر ، توحيد الصّدوق : 337.

(5). انظر ، نهج البلاغة : من كتاب له عليه‌السلام تحت رقم (27).

(6). انظر ، تحف العقول : 52.

(7). انظر ، تأريخ الطّبري ، «ثورة المختار» : 4 / 487 ـ 577 و : 7 / 146 ، الفرق بين الفرق : 31 ـ 37 ، الكامل لابن الأثير : 4 / 82 ـ 108 ، الحور العين : 182 ، الأخبار الطّوال : 282 ـ 300 ، أخبار اليمن : 32 ، الفاطميون في مصر : 34 ـ 38.

(8). الرّوم : 47.

(9). الشّبامي : شبام بطن من همدان ، من القحطانية (يمن ، عرب الجنوب) كوفي.

(10). غافر : 31.

(11). غافر : 30 ـ 32.

(12). طه : 61.

(13). انظر ، تأريخ الطّبري : 5 / 443 ، مقتل الحسين : 2 / 24.

(14). البقرة : 207.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد