عدم التعلّق بالدنيا:
ينبغي للمؤمن أن يسعى كي لا يكون لقلبه وخاطره تعلّق بالدنيا والماديّات، وأن ينمّي ويقوّي في وجوده روح الزهد وعدم الاعتناء بالدنيا، وأن يلتفت إلى أنّ التعلّق بالدنيا والماديّات يُضعف إرادة الإنسان ويصيّره ضعيف النفس أمام الدنيا وتابعًا ومنقادًا لها، ويسلبه حريّته وتفكيره الحر، ولا يبقي له مجال للتفكّر في عاقبة أعماله.
إذا غرق الإنسان بالأنس بالدنيا ولذّاتها، تصبح إزالة هذا الأنس والتعلّق القلبي في غاية الصعوبة، وقلّة هم الذين بإمكانهم أن يوفّقوا لذلك بواسطة الرياضة الروحيّة والسعي الحثيث؛ لذا يلزم على الإنسان أن يسعى منذ البداية كي لا يأنس بالدنيا ولذّاتها، وأن يجتنب زخارفها وزينتها، ويوطّن نفسه على بساطة العيش، ولا يتعلّق قلبه بالأمور الماديّة المحيطة به، فإذا ما أصابها ضررٌ، أصابه قلق واضطراب وحسرة!
وعلى ضوء ما ذكرناه، يصل المؤمن شيئًا فشيئًا إلى مقام الزهد، والذي يُعدّ من الخصائص الرفيعة لأولياء الله تعالى، وينال في مقابل ذلك نعم الله الخالدة والدائمة، كما نقرأ في مطلع دعاء الندبة: اللّـهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلى ما جَرى بِهِ قَضاؤكَ في أوْلِيائِكَ الَّذينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَدينِكَ، إذِ اخْتَرْتَ لَهُمْ جَزيلَ ما عِنْدَكَ مِنَ النَّعيمِ الْمُقيمِ الَّذي لا زَوالَ لَهُ وَلاَ اضْمِحْلالَ، بَعْدَ أنْ شَرَطْتَ عَلَيْهِمُ الزُّهْدَ في دَرَجاتِ هذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ وَزُخْرُفِها وَزِبْرِجِها، فَشَرَطُوا لَكَ ذلِكَ وَعَلِمْتَ مِنْهُمُ الْوَفاءَ بِهِ فَقَبِلْتَهُمْ وَقَرَّبْتَهُمْ، وَقَدَّمْتَ لَهُمُ الذِّكْرَ الْعَلِيَّ وَالثَّناءَ الْجَلِىَّ، وَأهْبَطْتَ عَلَيْهِمْ مَلائِكَتَكَ وَكَرَّمْتَهُمْ بِوَحْيِكَ، وَرَفَدْتَهُمْ بِعِلْمِكَ.
عدم الإفراط في اللذات الماديّة:
ينبغي على المؤمن أن لا يُسرفَ ولا يُفرطَ في إشباع اللذات الماديّة التي توجب أنس النفس باللذات الحيوانيّة وانعطاف توجّهها نحوها. بل عليه أن يسعى لجعل أعضائه وجوارحه، وعلى وجه الخصوص بطنه، تحت سيطرته وتحكّمه، لأنّه إن لم يكن للإنسان برنامج منظّم من حيث الكمّ والكيف في الاستفادة من اللذات الحيوانيّة، بل كان على سبيل المثال يتناول أيّ طعامٍ يصل إلى يدَيه من دون تفكير، فإنّه سوف يكون عاجزًا عن السيطرة على إرادته.
وإنّ من شأن ضعف الإرادة في مسألة تناول الطعام، بوصفه عادةً سيّئةً مذمومةً، أن يسري إلى سائر أنحاء الحياة الإنسانيّة، فيصبح الإنسان في جميع الميادين الحياتيّة ضعيفًا أمام الموانع والجاذبات الماديّة والشهوانيّة وفاقدًا للإرادة والتصميم المناسبَين. بالطبع ينبغي لبرنامجنا العملي أن يكون مبتنيًا على الاعتدال والوسطيّة، فكما أنّ الإفراط أمر مضرّ ويُفضي إلى جموح النفس وتمرّدها وتسلّط الشهوات والأهواء النفسانيّة على الإنسان، فإنّ التفريط في الاستفادة من النعم يوجب ضعف الإنسان عن أداء وظائفه ومسؤوليّاته.
ومن هنا، ينبغي على الإنسان أن يراعي الاعتدال في الأمور كافّة من قبيل العبادة، والدرس، والنوم والاستفادة من اللذات الحيوانيّة، وأن يجتنب الإفراط والتفريط في ذلك.
ومن المهمّ أن يسعى المؤمن كي يجعل الداعيَ إلى استفادته من النعم الدنيويّة هو تهيئة مقدّمات السير التكاملي، بمعنى أن ينظرَ إلى سلامة البدن وقوّته ونشاطه بوصفها مقدّمات لعبادة الله وشكره.
ولا بأس هنا التأكيد على أنّ أمورًا من قبيل الصوم وعدم الشبع وقلّة الكلام وقلّة النوم -كلّ ذلك مع رعاية الاعتدال وحفظ سلامة البدن- من شأنها أن تلعب دورًا مهمًّا في السير إلى الله والتقليل من اللذات الحيوانيّة.
عدم إطلاق عنان الحسّ والخيال:
إنّ باستطاعة القوى الحسيّة والقوّة الخياليّة أن تكون من خلال تداعي الـمُدركات محرّكة للميول الحيوانيّة، وهنا تكمن أهميّة السيطرة على هاتَين القوّتَين في مسير بناء الذات، وخاصّةً التحكّم بالعين والأذن وحفظهما من مشاهدة المناظر المثيرة للشهوة وسماع الكلام الباطل والأصوات اللهويّة، وبشكل عامّ حفظهما من أيّ شيءٍ يجلب توجّه النفس نحو ما لا يرضي الله. يقول الله تعالى ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً﴾.
عدم التفكير بما يؤدّي إلى الزلل:
ينبغي على المؤمن أن يحفظ فكرَه من كلّ ما من شأنه أن يوقعه في عثرات ومزلّات فكريّة، وأن يجتنب على وجه الخصوص المطالعة والبحث حول الشبهات التي لا يمتلك القدرة على دفعها والإجابة عنها.
وإذا ما خطرَت في ذهنه أمثال هذه الشبهات أو سمعها من أحدٍ ما، فعليه أن ينهض فورًا للبحث عن جوابٍ مقنعٍ يزيل هذه الشبهات من ذهنه.
يقول الله تعالى ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ الله جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾.
وقد ورد في الحديث الشريف: مَنْ أَصْغى إلى ناطِق فَقَدْ عَبَدَهُ فَإنْ كانَ الناطِقُ يُؤَدّي عَنِ اللهِ فَقَدْ عَبَدَ اللهَ، وَإنْ كانَ الناطِقُ يُؤَدّي عَنِ الشَيْطانِ فَقَدْ عَبَدَ الشَيْطان.
ومن الأمور التي يجدر التأكيد عليها أن لا يغفل الإنسان عن ضرورة مراعاة أصل التدرّج والاعتدال في تنظيم البرنامج العملي لبناء الذات، وفي تنفيذه أيضًا، بمعنى أن لا يُحمِّل نفسَه ما لا طاقة له به من الضغط، فهذا الأمر بالإضافة إلى أنّه يوجب تمرّد النفس وطغيانها، من شأنه أن يعود على الإنسان بأضرار بدنيّة ونفسيّة لا تُعوَّض. ومن هنا، يُستَحسَن الرجوع إلى شخصٍ واعٍ وقابلٍ للاعتماد من أجل وضع [جزئيّات] هذا البرنامج، والعمل بمشورته.
ومن جهة أخرى، لا ينبغي أن يتسلّل إلى نفوسنا الضعف في تنفيذ البرنامج العملي الدقيق، وأن نلتمسَ الأعذار والذرائع من أجل تركه، لأنّ ظهور الآثار المهمّة لهذا البرنامج متوقّفة على المداومة عليه. وفي جميع الأحوال، ينبغي أن يكون اعتمادنا وتوكّلنا على الله وحدَه، وأن نسأله التوفيق والسداد.
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
التمثيل بالمحقَّرات في القرآن
الشّيخ صالح آل إبراهيم: ميثاقنا الزّوجي
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة
اعتبار الإسلام لرابطة الفرد والمجتمع
لا يدرك الخير إلّا بالجدّ
الوصول إلى حالة الانغماس وقياس مستواها