مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عادل العلوي
عن الكاتب :
السيد عادل العلوي، عالم فاضل وخطيب وشاعر، ولد في السادس من شهر رمضان 1375ﻫ في الكاظمية المقدّسة بالعراق. درس أوّلاً في مسقط رأسه، قبل أن يسافر مع أفراد عائلته إلى قمّ المقدّسة عام 1391ﻫـ ويستقرّ فيها مكبًّا على الدّرس والتّدريس والتأليف، له كثير من المؤلّفات منها: دروس اليقين في معرفة أصول الدين، التقية بين الأعلام، التوبة والتائبون على ضوء القرآن والسنّة، تربية الأُسرة على ضوء القرآن والعترة، عقائد المؤمنين، وغير ذلك. تُوفّي في السابع والعشرين من ذي الحجّة 1442ﻫ في قمّ المقدّسة، ودفن في صحن حرم السيّدة فاطمة المعصومة (عليها السلام).

الزواج التكويني

من القوانين والسنن الطبيعية الحاكمة على الكون بتمامه، بل على ما سوى الله سبحانه هو قانون الزوجيّة، ليكون دليلاً على فردانيّة الله سبحانه ووحدانيّته، فإنّه عزّ وجلّ وحده لا شريك له، ولا ندّ ولا ضدّ ولا مثل ولا زوج له.

 

وكلّ من يدّعي لا بدّ أن يكون له بيّنة، فلا تقبل دعوىً من دونها كما في الشرائع السماوية والقوانين الوضعيّة، وتسمّى بالبيّنة الشرعيّة، وهي عبارة عن شاهدين عدلين، وبها تتمّ الدعوى وتكون حقّة.

 

والله سبحانه له بيّنة تكوينية تشهد على وحدانيّته وفردانيّته، وهي قانون الزوجية، فإنّه خلق من كلّ شيئين زوجين ليكون آية من آياته على أنّه واحد لا شريك له، فإنّ الزوجية يستلزمها التركيب، ولازم التركيب الاحتياج والافتقار، وهو يتنافى مع الواجب الوجود لذاته، بل الاحتياج من خواصّ الممكن، والله سبحانه هو الغنيّ الحميد، فلا تركيب فيه، ولا ندّ ولا ضدّ له، فهو الوجود البحت البسيط الواحد الذي لا ثاني له، والأحد الذي لا تركيب فيه، وإلى قانون الزوجية يشير سبحانه الكريم في كتابه الحكيم:

 

(أوَ لَمْ يَرَوْا إلَى الأرْضِ كَمْ أنْبَـتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ)[1]. (اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأنْبَـتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ )[2]. (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[3]. (وَأنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَـيْنِ الذَّكَرَ وَالاُنْثَى)[4]. (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ)[5]. (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أنفُسِكُمْ أزْوَاجًا)[6]. (وَمِنْ آيَاتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أنفُسِكُمْ أزْوَاجًا لِتَسْكُـنُوا إلَيْهَا)[7]. (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أزْوَاجًا)[8]. (وَمِنَ الأنْعَامِ أزْوَاجًا)[9]. (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا)[10]. (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا)[11]. (يَا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا)[12].

 

فمن الآيات التي يستدلّ بها على وحدانية الله وأحديّته، أي لا ثاني له ولا تركيب فيه، هو زوجيّة كلّ شيء، فإنّه وإن خلق الإنسان من نفس واحدة، إلّا أنّه خلق منها زوجها، فخلق آدم وخلق حوّاء من فاضل طينته، وكانت زوجًا له.

 

ومن مصاديق الأزواج العقل الكلّي والنفس الكلّي، وزوج الأرض السماء، زوج الليل النهار، ومن الأزواج العلم والعمل، والوجود والماهيّة، وكلّ مذكّر ومؤنّث من النباتات والحيونات والإنسان، والروح المتكوّن من نطفة الرجل، والبدن المتكوّن من نطفة المرأة.

 

فقانون الزوجيّة حاكم على كلّ شيء حتّى أعصاب المخّ الإنساني، فإنّه متكوّن من أعصاب زوجيّة، ثمّ النكاح أي اللقاح التكويني هو الحاكم في قانون الزوجية، ويتولّد منه العوالم المعنوية والروحية والنفسية والمثالية والحسّية، ففي عالم الأجساد والطبيعة والعنصرية يتولّد منه المولّدات الثلاثة (المعادن والنباتات والحيوانات ومنها الإنسان) ومن النكاح ما يختصّ بالإنسان الكامل والكون الجامع، ويكون الروح بمنزلة الزوج، والنفس بمنزلة الزوجة.

 

ثمّ الإنسان الكامل سواء الرجل أو المرأة هو ثمرة شجرة الوجود، فهو غاية الحركتين الوجودية والإيجادية، والمرأة بمنزلة المصنع الإلهي، فهي كالشجرة الطيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي اُكلها كلّ حين. والإنسان الكامل لو كان رجلاً، فهو مظهر العقل الكلّي، وإن كان امرأة فهو مظهر وصورة النفس الكلّية.

 

يقول الراغب الإصفهاني في مفردات القرآن الكريم[13]: زوج: يقال لكلّ واحد من القرينتين من الذكر والأنثى في الحيوانات المتزاوجة زوج، ولكلّ قرينتين فيها وفي غيرها زوج كالخفّ والنعل، ولكلّ ما يقترن بآخر مماثلًا له أو مضادّ زوج، قال تعالى: (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَـيْنِ الذَّكَرَ وَالأنثَى)[14]، وقال: (وَزَوْجُك الجَنَّةَ)[15]. وزوجة لغة رديئة، وجمعها زوجات، قال الشاعر: (فبكا بناتي شجوهن وزوجتي)، وجمع الزواج أزواج، وقوله: (هُمْ وَأزْوَاجُهُمْ)[16]، (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأزْوَاجَهُمْ)[17] أي أقرانهم المقتدين في أفعالهم، (إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أزْوَاجًا مِنْهُمْ)[18] أشباهًا وأقرانًا، وقوله: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ)[19]، (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ)[20].

 

فتنبيه أنّ الأشياء كلّها مركّبة من جوهر وعرض ومادّة وصورة، وأن لا شيء يتعرّى من تركيب يقتضي كونه مصنوعًا، وأنّه لا بدّ له من صانع، تنبيهًا أنّه تعالى هو الفرد، وقوله: (خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ)[21] فتبيّن أنّ كلّ ما في العالم زوج من حيث أنّ له ضدًّا أو مثلاً ما، أو تركيبًا ما) بل لا ينفك بوجه من تركيب، وإنّما ذكر هنا زوجين تنبيهًا أنّ الشيء وإن لم يكن له ضدّ ولا مثل، فإنّه لا ينفك من تركيب جوهرٍ وعرض وذلك زوجان، وقوله: (أزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى)[22] أي أنواعًا متشابهة، وكذلك قوله: (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ)[23]، (ثَمَانِيَةَ أزْوَاجٍ )[24] أي أصناف، وقوله: (وَكُـنتُمْ أزْوَاجًا ثَلاثَةً)[25] أي قرناء ثلاثًا، وهم الذين فسّرهم بما بعد، وقوله: (وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ)[26] فقد قيل: معناه قرن كلّ شيعة بمن شايعهم في الجنّة والنار، نحو: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأزْوَاجَهُمْ)[27].

 

فكلّ شيء في عالم التكوين لا يخلو من زوج، فيكون قانون الزواج أو الزوجيّة حاكمًا على الطبيعة والعالم التكويني.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الشعراء: 7.

[2] الحجّ: 5.

[3] الذاريات: 49.

[4] النجم: 45.

[5] يس: 36.

[6] النحل: 72.

[7] الروم: 21.

[8] فاطر: 11.

[9] الشورى: 11.

[10] الأعراف: 189.

[11] الزمر: 6.

[12] النساء: 1.

[13] مفردات الراغب: 230.

[14] القيامة: 39.

[15] البقرة: 35.

[16] يس: 56.

[17] الصافّات: 22.

[18] الحجر: 88.

[19] يس: 36.

[20] الذاريات: 49.

[21] الذارايات: 49.

[22] طه: 53.

[23] الشعراء: 7.

[24] الأنعام: 143.

[25] الواقعة: 7.

[26] التكوير: 7.

[27] الصافّات: 22.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد