مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إيمان شمس الدين
عن الكاتب :
باحثة في الفكر الديني والسياسي وكاتبة في جريدة القبس الكويتية

السّيادة والتّسيّد وإشكاليّات التّغيير، الزهراء عليها السلام نموذجًا (2)

المدرسة الحضارية بين الثابت والمتغير

 

يقول الشيخ أحمد مبلغي بخصوص موضوع الثابت والمتغير: “يحظى بحث الثابت والمتغيّر في الإسلام بأهميةٍ كبيرة؛ ففي ظلّه نستطيع أن نجلّي قدرة الإسلام على إدارة المجتمعات المعقّدة، ونثبت بطلان الشبهة التي ترى عدم قدرة الأحكام الإسلامية على حلّ مشكلات الإنسانية، أو محدوديّة هذه القدرة مع تزايد احتياجات البشرية وكثرة أزماتها، فهذا الفكر الخاطئ يرى عدم قدرة الأحكام الإسلامية الثابتة على تلبية تلك الاحتياجات المتفاقمة، ورفع الصعوبات المتزايدة وإدارة المجتمعات المعقّدة.

 

فالبحث في هذا المجال يحتاج –من جهة– إلى خبرة طويلة بالمجتمعات الإنسانية المعقّدة، كما يتطلّب –من جهة أخرى– فهم الإسلام وأهدافه وعمق تعاليمه، إضافةً إلى اطّلاع كافٍ على أسس الاجتهاد ومناهجه، وهذه المعارف شرطٌ رئيس في حلّ المعضلة، وحلّ هذه المسألة يحتاج إلى تنظير، أيّ ينبغي على من اكتسب المعرفة حتى أصبحت طوع يده أن يقدّم –بشكل جاد وعلى مستوى عال من الدقة مع مراعاة الجوانب كافّة– نظريةً تتوافر على خصلتين، هما:

 

أ– تصوير الإسلام وقدراته تصويرًا صحيحًا وواضحًا.

 

ب– القدرة على وضع أساس وإطار أفضل للتوجّه الإسلامي والسياسة الإسلامية العامّة.

 

إن ما قلناه سابقًا دليلٌ على كمال أي نظرية في هذا الخصوص، لكنّ هناك ملاكين إذا تجرّدت النظرية عن أحدهما غدت باطلةً من الأساس، وهما:

 

أولًا: عدم الخلط بين مساحات الثابت والمتغير، أو الخطأ في تحديد مصاديق كلّ واحدٍ منهما.

 

ثانيًا: أن لا تُبتلى النظرية بتقليد الآراء واجترارها؛ فأغلب من يَرِد هذا البحث لا يملك اطلاعًا على علم أصول الفقه والاجتهاد مما يجعل نظريّته فاقدةً لكلا الملاكين، فلا يضعنّ من ليس له الأهلية قدمه في هذا الوادي السحيق، كما ينبغي على من ينظّر من العلماء أن يراعي الدقة في عمله”.

 

٢- الثابت والمتغير في الفقه الإسلامي – قراءة في جهود التيار النهضوي الخميني، الطباطبائي، الصدر

 

يتطرق الشيخ إلى النظريات الثلاثة:

 

١- نظرية العلامة الطباطبائي، الثبات الإنساني والتحوّل البشري

 

يقول العلامة: قسّم الإسلام أحكامه إلى قسمين متمايزين ومنفصلين بعضهما عن بعض، الأحكام الثابتة والأحكام المتغيّرة.

 

أمّا الأحكام الثابتة، فهي الأحكام والقوانين التي وضعت على وفق مقتضى حاجات الطبيعة الواحدة والثابتة للإنسان؛ فقد سمّى الإسلام تلك الأحكام التي أقامها على أساس طبيعة الإنسان وخصوصيّاته بالدين والشريعة: فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم.

 

وأمّا الأحكام المتغيّرة، فهي الأحكام المؤقّتة أو تلك التي لُحظ فيها شيء ما، وتختلف وفق أنماط الحياة المختلفة، ويتماشى هذا القسم مع التقدّم التدريجي للمدنية والحضارة وتغيّر المظاهر الاجتماعية وظهور الأساليب الحديثة وانضمار الأساليب القديمة، وتختلف بحسب مصالح الزمان والمكان المختلفة.

 

وهذه الأحكام باعتبارها من آثار الولاية العامة، منوطةٌ بنبيّ الإسلام محمد- والقائمين مقامه والمنصوبين من قبله، وتشخّص وتنفّذ في دائرة الثوابت الدينية، وطبقًا لمصالح الزمان والمكان، قال تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}(النساء: 59).

 

٢- نظرية الإمام الخميني، التحوّل الموضوعي وإطلاق ولاية الفقيه

 

يؤكّد الإمام الخميني على أصلين هما:

 

أ – تبدّل موضوع الحكم إلى موضوع آخر في ظلّ العلاقات الحاكمة، يقول بهذا الخصوص: بلحاظ العلاقات الحاكمة في السياسة والاجتماع والاقتصاد في نظامٍ ما لعلّ حكمًا جديدًا يطرأ على مسألة ما، كان حكمها السابق يختلف، بمعنى أنّ الإحاطة الدقيقة بالعلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية جعلت ذلك الموضوع نفسه بالظاهر موضوعًا جديدًا فيستتبعه حكم جديد.

 

تكمن أهمية نظرية الإمام الخميني في أنّها ترى –من جهة– أنّ العصر الحاضر عصر سيادة العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقّدة، ومن جهة أخرى تأثير ذلك في تغيير موضوعات الأحكام الشرعية بشكل بسيط وواضح

 

أهمّ بُعد جديد في نظرية الإمام الخميني أنّ تبدّل الموضوع في ضوئها يمكن أن يتمّ بشكل خفي ودون أيّ ضجيج، أي قد نرى ظاهر الموضوع ساكنًا لكنّ هناك تحولًا يجري خلف هذا السكون الظاهري، فقبل هذه النظرية كان الفقهاء يقبلون ذلك حينما يتحوّل الموضوع إلى موضوع آخر، وتبرز علامات تدلّ عليه، كما في استحالة الخمر إلى خلّ أو الميّت إلى ملح، أمّا الإمام الخميني، فإن معرفته بالوقائع المتأثرة بالعلاقات الاقتصادية والسياسية من جهة، وتعريفه موضوع الحكم الشرعي ومناطه وفلسفته من جهة أخرى، لم يحصرا تبدّل الموضوع بظهور ما يدلّ عليه، مثيرًا –إلى جانب ذلك– فكرة التبدّل الداخلي.

 

ب– الولاية المطلقة للفقيه، يقول الإمام الخميني: الحكومة المتفرّعة عن ولاية رسول الله – المطلقة، هي أحد الأحكام الأوّلية للإسلام، ومقدّمة على جميع الأحكام الفرعية.. فالحكومة قادرة على منع الحجّ، الذي هو من الفرائض الإلهية المهمّة، مؤقتًا، إذا كان في ذلك صلاح البلد الإسلامي.

 

٣- نظرية الشهيد الصدر، منطقة الفراغ التشريعي

 

وخلاصة نظرية الشهيد الصدر:

 

أ – ترك الإسلام، في نظامه التشريعي، منطقةً خالية من أيّ حكمٍ إلزاميّ من وجوب أو حرمة، تسمّى منطقة الفراغ.

 

ب – لا تدلّ منطقة الفراغ على نقصٍ في الصورة التشريعية، أو إهمال من الشريعة لبعض الوقائع والأحداث، بل تعبّر عن استيعاب الصورة، وقدرة الشريعة على مواكبة العصور المختلفة.

 

ج – وضع الإسلام منطقة الفراغ الخالية من الحكم تحت تصرّف وليّ الأمر ليملأها على أساس متطلّبات الزمان ومصالحه، وفي ضوء أهداف الشريعة ومقاصدها.

 

وهذه النظريات في الحقل الفقهي تساعد على توضيح المرونة في التشريع الإسلامي وطبيعة هذه المرونة.

 

والمرونة هنا لا تعني الخضوع للواقع بل محاكاة الواقع ومن ثم الذهاب للنص أي هي انفتاح عقلي على النص يأتي بقراءته وفق أدوات ثابتة أصوليًّا ومتحركة على مستوى انكشاف الواقع للعقل. وطبعًا الخوض في حقول الثابت والمتغير تحتاج متخصصين وأهل خبرة في ذلك وذكرنا لهذا الموضوع جاء فقط لتسليط الضوء على شخصية الزهراء عليها السلام من باب السيادة ومتطلبات هذه السيادة لتقديم النموذج المعصوم والمشروع البديل لما يقدمه الغرب، والسيادة لكل العالمين تحمل في عمق شخصيتها كمعصومة ما يحمله الإسلام للمرأة تجسدت في شخصيتها النموذجية وهما الأصالة والخلود وبالتالي في التشريعات الفقهية الإسلامية شخصيتها أيضا تحمل الثابت والمتغير.

 

ولكن السؤال كيف يمكن اليوم النهوض بالمرأة من خلال تقديم مثال لشخصيتها في الإسلام يصلنا بالنموذج الأصل؟

 

للفتوى عمل السحر في عقول الناس إذا الفقه بوابة التغيير، ولكن هل مشروع النهوض بالرؤية الفقهية تجاه المرأة يكون بالمقارنة بين الأحكام ومعارضتها أو عدم معارضتها للقيم وهو ما يمكن أن يقوض غالبًا كثيرًا من الأحكام الفقهية وهو أمر غير مقبول عقلًا كون الفقيه يمتلك أدوات علمية ومنهجية في قراءة النص واستخلاص الحكم الفقهي، أو أن التغيير يكون من خلال تغيير زاوية النظر الاجتهادية بمعنى إعادة النظر في مناهج وأدوات الاجتهاد وفق مقولة الثابت والمتغير والأصالة والخلود والزمان والمكان خاصة في قراءة النصوص؟

 

لتتحقق السيادة وفق النموذج الرباني الزهراء عليها السلام:

 

إن الفكرة التي نريد صياغتها كمشروع عمل هو كيف يمكننا اليوم من خلال نموذج الزهراء عليها السلام سيدة نساء العالمين أن نصوغ مثالًا في طول هذا النموذج يكون قادرًا على سيادة زمننا بحيث يصاغ وفق قراءة موضوعية للواقع وحاجات المرأة في هذا الزمان وهذا المكان، ووفق الحفاظ على الثوابت والأصالة لكنه يقدم نظرية إسلامية تبين قدرة الإسلام على إدارة المجتمعات.

 

من وجهة نظرنا يمكن ذلك كفكرة أولية من خلال تكريس الأبحاث في ٣ اتجاهات للخروج برؤية أولية:

 

– الاتجاه القرآني ونظرته للمرأة أي النظرية القرآنية في المرأة

 

– الاتجاه الفقهي والخروج برؤية الفقه لشخصية المرأة من خلال عملية استقراء لكل الأحكام الفقهية الخاصة بالمرأة، خاصة فيما يتعلق بالبعد الأسري الحقوقي والبعد الاجتماعي ومجالات العمل الاجتماعية، وبحقوقها كفرد جزء من أسرة وجزء من مجتمع.

 

– الاتجاه التاريخي من خلال استقراء دقيق لكيفية تعامل المعصوم مع قضايا المرأة من عصره وخاصة الزهراء (ع)، والخروج بمنهج دقيق.

 

ثم بعد هذه الدراسات الدقيقة وفق أدوات منهجية أصيلة، يتم وضع هذه الدراسات في هيكل عام ومن ثم دراسة أين يقع التعارض والخلل بين الهيكليات الثلاث، تكون فيها النظرية القرآنية في المرأة هي المرجع المعرفي المعصوم في كشف ثغرات الاتجاهات الأخرى، لتتم موالمة تلك النظريات مع الرؤية القرآنية.

 

وبعد الخروج بتصور عام وفق هيكل يشكل شخصية المرأة في الإسلام، يمكن بعد ذلك الولوج في موضوع إعادة النظر في مناهج الاجتهاد خاصة فيما يتعلق بالمرأة.

 

فسيدة نساء العالمين لقب جاء وفق استحقاقات ومؤهلات توفرت في الزهراء وحولتها لنموذج معصوم قادر على سيادة المجتمعات في كل زمان ومكان كمرجعية معرفية تصون المرأة من كل الانحرافات والتوجهات المنحرفة التي تحاول جرها لتغرد خارج سرب هذا النموذج، وهو ما يفرض واقعًا على كل المهتمين أن يدرسوا النموذج المعصوم ليصوغوا المثال الحضاري الإسلامي للمرأة، الذي يقع في طول نموذج الزهراء المعصوم في السيادة، والقادر على سيادة المجتمعات الإنسانية وحمايتها من كل الأفكار المنحرفة التي تحاول تجريد المرأة من هويتها الإنسانية التي تستبطن وظيفة الخلافة الربانية على الأرض وما لهذه الوظيفة من حقوق وما عليها من واجبات، وتبرز هويتها الأنثوية التي تركز على تمييع دورها وتحويلها لمعول هدم للمجتمعات.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد