سماحة الشيخ عبد الكريم الحبيل حفظه الله ..
أيها الأخوة الكرام والأخوات المؤمنات في مستهل خطبتنا هذه نتقدم برفع أسمى التبريكات إلى مقام سيدنا ومولانا المهمدي الموعود المنتظر (عج) وإلى نوابه بالحق مراجعنا العظام وإلى جميع شيعة آل محمد ومحبيهم واليكم أيها الأخوة الكرام خاصة بمناسبة ذكرى ميلاد سيدنا ومولانا ثاني أئمة الهدى الإمام أبي محمد الحسن المجتبى (ع) وعلى آباءه الطيبين الطاهرين النجباء.
نسأل العلي القدير أن يعيد علينا وعليكم هذه الذكرى الميمونة المباركة ونحن في خير وعافية ونصر للإسلام وعزة للمسلمين إنه سميع مجيب.
أيها الأخوة الكرام من الأدب ونحن نعيش ذكرى ميلاد الإمام الحسن (ع) أن نغترف من نمير فيضه وعطاءه، ونحن نعيش في شهر القرآن الكريم أن نغترف من نمير الإمام مما أفاضه في فضل القرآن وكرم القرآن ومرجعية القرآن والعمل بالقرآن، روي عنه (ع) أنه قال إن هذا القرآن فيه مصابيح النور، وشفاء الصدور ليجل جال بضوءه وليجم صفة قلبه، فإن التفكير حياة القلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور.
يتحدث الإمام عن فضل القرآن، ثم يصف القرآن بأن فيه مصابيح النور، من أراد أن هذه الحياة الدنيا بنور من ربه فليتخذ القرآن له مصباحا، يتخذ القرآن مصباح، كيف وأنت تمشي بسيارتك في طريق مظلم أو في الليل تشعل أنوار سيارتك لترى الطريق، لترى الدرب وأنت تمشي لئلا تقع في مطبات، أو تصطدم بأمور تعترض طريقك، كذلك مسيرتنا في هذه الحياة الدنيا، من يوم ولادتنا إلى يوم خروجنا من هذه الدنيا، نحتاج إلى مصباح هدى نسير به في هذه الحياة الدنيا، وأفضل مصباح نستنير به هو القرآن الكريم، نور الله، إن هذا القرآن فيه مصابيح النور، وشفاء الصدور، شفاء لما في الصدور، شفاء لكل ما يختلج في صدرك، إن أردت العلم ففيه العلم، وإن أردت البصيرة ففيها البصيرة، وإن أردت اليقين ففيه اليقين، وإن أردت الإيمان ففي هذا الكتاب الإيمان، وإن أردت جميع خير الدنيا وجميع خير الآخرة، وإن أردت اليقين ففيه اليقين، وإن أردت الإيمان ففيه الإيمان، ففي هذا الكتاب الإيمان، وإن جميع خير الدنيا وجميع خير الآخرة ففي ذلك الكتاب القرآن الكريم، ليجل جال بضوءه، جال في الشيء يعني ماذا؟ يجول بمعنى يسير ويمشي في هذه الحياة الدنيا ويطوف من هنا وهنا ولكن بضوء القرآن، بنور القرآن، بهدي القرآن، في مجال الإعتقاد في مجال الفكر، في مجال الفقه، في مجال السياسة، في مجال العلاقات الإجتماعية، في مجال العمل في هذه الحياة الدنيا، في مجال الأخلاق، تجول أنت في هذه الحياة، ولكن ليكن تجوّلك بضوء القرآن، بضياء القرآن، وليلجم الصفة قلبه، يلجم، يُشد، ألجم، اللجام هو ماذا؟ المشد الذي يوضع على رأس الفرس ووجه الفرس لئلا يذهب يمينا وشمالا، وليمسك به الفارس، فيلجم يعني يشد، الصفة الصفاء، الصفة هي من الصفاء، شد قلبك بالصفاء، تحتاج إلى صفاء قلب، ولا يتحقق صفاء القلب إلا بالعمل الصالح، والخلاص من الذنوب، ذنوب القلوب وذنوب الجوارح هذه التي تجعل في القلب ظلمات، ذنوب القلوب مثل الحسك، مثل الكبر مثل النفاق مثل الرياء مثل الشرك...
هذه ذنوب القلوب الكثيرة التي ذكرها علماء الأخلاق، وهناك ذنوب الجوارح، الذنوب التي يرتكبها البصر ويرتكبها الفرج ويرتكبها البطن وترتكبها اليدان من السلب والنهب والسرقة وما شابه ذلك ومن إعتداء وغير ذلك، هذه القلب يحتاج إلى صفاء من تلك الذنوب، فإن التفكير حياة القلب، هذا القلب لا يكون حيا إلا في التفكير أما القلب الغافل الساهي يصبح قلبا ميتا، العقل الذي لا يفكر القلب الذي لا يفكر كأنه قلب ميت، فإن التفكير حياة القلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات، حينما يكون عندك فكر حي ومستنير بنور القرآن وهدي القرآن فأنت تمشي بنور في الظلمات كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور، هذا فضل القرآن الكريم، ثم يتحدث الإمام (ع) عن العمل بالقرآن، يمكن أن أقرأ القرآن، ويمكن أن أكون عالما بالقرآن، ولكن لا قرائتي ولا علمي ينعكسان على عملي، يقرأ القرآن وهو من أفضل القرّاء للقرآن الكريم، ومن أفضل القرّاء تجويدا وقراءة للقرآن الكريم وهو يرتكب أبشع الجرائم في حق الإنسانية، بل في حق الإنسانية بل في حق المسلمين كذلك، كمن تال للقرآن والقرآن يلعنه، أو عالم بالقرآن ولكنه لا يعمل بمقتضى علمه، بل يخالف علمه لأجل الدنيا والأهواء والأطماع، يقول الإمام (ع) ما بقي في الدنيا بقية غير هذا القرآن فاتخذوه إماما، يدلكم على هداكم إذا تريد أن تهتدي إلى الحق فاتخذ القرآن، وإن أحق الناس بالقرآن من عمل به، وإن لم يحفظه، وإن بعدهم من لم يعمل به وإن كان يقرأ، الله سبحانه وتعالى أنزل هذا القرآن للتلاوة فقط أو للعمل؟ قال تعالى في سورة الأنعام "تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا" آية: 91، هذا الآن نحن المسلمين نجعل القرآن قراطيس جميلة وطبعة أنيقة ونوزع فيه، نوزع بالمجان ماشاء الله، ومن أجمل الطبعات وأحلاها، تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا، ولكن العمل نخفيه، نخفي العمل بالقرآن، آيات القرآن هدي القرآن مواعظ القرآن كل ذلك نخفيه، وهذا أيضا إذا لم نحرفه! يحرفون الكلم عن مواضعه، إذا ما لوينا عنق الآية، الآية تدل على شيء معين ونلوي عنق الآية إلى شيء آخر! إذا ما بقي في الدنيا بقية غير هذا القرآن الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه "إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" 10 - سورة الحج، فاتخذوه إماما، يدلكم على هداكم وإنّا أحق الناس بالقرآن من عمل به، وإن لم نحفظه وأبعدهم منه من لم يعمل به وإن كان يقرأه.
يقرأ القرآن وهو فظ غليظ، بعيد كل البعد عن القرآن الكريم، يقرأ القرآن وهو يرابي يقرأ القرآن وهو ينافق، يقرأ القرآن وهو يغتب، يقرأ القرآن وهو يستحل دماء المسلمين ليل نهار، يقرأ القرآن وهو يكفر المسلمين، الإمام (ع) كذلك يجعل المرجعية للقرآن الكريم، يقول (ع) واعلموا علما يقينا أنكم لن تعرفوا التقىحتى تعرفوا صفة الهدى، لن تعرف التقى ولا التقي حتى تعرف الهدى، كيف تعرف هذا الإنسان من المتقين وأنت ما عندك معيار الهدى ما تعرف كيف الهدى وكيف الضلال، فلربما ترى ذلك الضال من المتقين، لتميز بين الضال وبين المهتدي، بين المتقي وبين غير المتقي، يكون عندك مصباح هداية، واعلموا علم يقينا أنكم لن تعرفوا التقي حتى تعرفوا صفة الهدى، ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نبذه، ما تستطيع تمسك بميثاق الكتاب حتى تعرف الذي نبذ الكتاب لكي تميز بين الحق والباطل ، الباطل يريد أن يعرف الصالحين، في الدعاء اللهم أرنا الحق حقا كما هو حق وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا إجتنابه، يكون عندك بصيرة تعرف الحق حقا، وتعرف الباطل باطلا حتى تستطيع أن تميز بين الخبيث والطيّب، تستطيع أن تميز، أما إذا كانت عندك ضبابية وكان عندك عدم وضوح في الرؤية لن تستطيع أن تعرف من هو على الحق ممن هو على الباطل، تنخلط الأوراق ولربما يصير عندك أيضا خلط بين الجميع هذا قبر سيطنا حجر الذي قتله سيدنا معاوية!
حتى تعرفوا الذي نبذه ولن تتلو الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرّفه، ما تستطيع تتلو القرآن حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرّفه، هنا الإمام لا يقصد بالتلاوة مجرد التلاوة اللفظية، وإنما يقصد بالتلاوة التي هي عن فهم للقرآن، القرآن كنص لم يحرّف وإلى اليوم محفوظ وتلك كرامة ومعجزة لنبينا المصطفى محمد (ص)، ولكن القرآن كتحريف مدلول، كتحريف معاني الآيات، وما تدل عليه الآيات حرفوا معاني الآيات، حرفوا في تفسير القرآن، وحرفوا على ما تدل عليه الآيات القرآنية، ولن تتلو الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرفه، فإذا عرفتم ذلك عرفتم التحريف وعرفتم الذين نبذوا الكتاب عندئذ فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلّف ورأيتم الفرية على الله والتحريف، ورأيتم كيف يهوي من هوى ولا يجهلنكم الذين لا يعلمون.
إذا عرفت الذي نبذ القرآن وعرفت الذي حرّف القرآن عندئذ عرفت البدع وعرفت التكلّف ورأيت الفرية، شخصتها ورأيت التحريف ورأيتم كيف يهوي من هوى، يصير عندك بصيرة تعرف كيف فلان يضل وفلان يهتدي وكيف فلان يهوي في السحيق في الضلال وفلان يهتدي إلى الحق والهدى، ثم الإمام (ع) يحدد لنا ممن نأخذ القرآن الكريم، يقول (ع) في كلام الله والتمسوا ذلك عند أهله، أهل القرآن، فإنهم خاصة نور، يستضاء بهم، يعني هؤلاء أهل نور خاص يستضاء بهم، وأئمة يقتدى بهم، بهم عيش العلم، حياة العلم بأولئك الأئمة الهداة المهديين، بهم عيش العلم وموت الجهل، وهم الذين أخبركم حلمهم عن جهلهم، وحكم منطقهم عن صمتهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه، من هؤلاء تأخذ القرآن الكريم، تفسير القرآن بيان القرآن، التدبر في آيات القرآن، علوم ومعارف القرآن، تأخذها من أولئك الذين هم الأئمة الذين يقتدى بهم، بهم عيش العلم وموت الجهل وهم الذين أخبركم حلمهم عن جهلهم، عندهم حلم، حلماء علماء، وحكم منطقهم عن صمتهم، صمتهم حكمة، ومنطقهم حكم، وظاهرهم من باطنهم لا فرق بينهم، فيهم سيماء الصالحين، وصفات المتقين، تعرفهم بسيماههم، سيماء الصالحين، وصفات المتقين، تتجلّى فيهم تتضح فيهم في مواقفهم في أعمالهم في خشوعهم، في نبلهم في نطقهم في مواقفهم لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه، ثم الإمام (ع) ينبأ أن هذا القرآن يكون لنا شفيعا، في الدنيا وشفيعا في الآخرة، يقول (ع) في كلام الله إن هذا القرآن يجيء يوم القيامة قائدا وسائقا، يقودك ويسوقك، يقود قوما إلى الجنة أحلّوا حلاله وحرموا حرامه وآمنوا بمتشابهه، أخذوا بالمحكم والمتشابه، عملوا بمحكمه فاحلوا حلاله وحرموا حرامه وآمنوا بمتشابهه، ويسوق قوما إلى النار، ضيعوا حدوده وأحكامه واستحلّوا محارمه، هذا القرآن إذن القرآن ينجيك شفيع لك يوم القيامة منجي يوم القيامة إذا تمسكت به واتخذته نور في هذه الحياة الدنيا فسوف يكون لك نورا كذلك في الآخرة يقودك إلى أين؟ إلى جنات النعيم، متى إذا أحللت حلاله وحرّمت حرامه وآمنت بمتشابهه عملت بكتاب الله في هذه الحياة الدنيا، وقوم آخرين يسوقهم إلى النار، ضيعوا حدوده وأحكامه واستحلّوا محارمه، وأضلّوا وضلوا وهؤلاء أئمة الضلال، أعظم جرم من طواغيت العصر وأشد عذابا يوم القيامة، وإذا بعد جمع بين أمرين هو وطاغوته من أئمة الضلال فاجتمع عليه الإثنان والمعاذ بالله فهو من أشد الناس عذابا يوم القيامة.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان