أيها الاخوة الكرام والأخوات المؤمنات، لا زلنا في رحاب الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع) حيث أن هذه الأيام من أيام وفاتها في الثالث عشر من شهر جمادى الأول، إلى وفاتها الثانية التي هي في الثالث ذكرى وفاتها الثانية في الثالث من شهر جمادى الثاني إلى أيام ميلادها الميمون المبارك في عشرين من جمادى الثاني، كلها هذه الأيام أيام ومناسبات تخص الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع)، ينبغي الحديث عنها والإشادة بفضلها والتنويه بفضائلها، وكذلك ينبغي بالمؤمنين أن يقرأوا عن فضائلها ومقامها وشرفها ومنزلتها وما كتب عنها (ع)، مما ورد من فضل الزهراء (ع) أنها هي الكوثر الذي أعطاه الله سبحانه وتعالى نبيه المصطفى محمد (ص) الذي جاء في قوله تعالى "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ* إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ" سورة الكوثر، هذه السورة التي هي أقصر سور القرآن الكريم إلا أنها ذات مضامين كثيرة وعالية وذات شرف ورفعة لرسول الله وأهل بيته (ص)، وجاء في سبب نزول هذه السورة المباركة أن العاص ابن وائل السهمي من بني سهم من قريش وقبيلة قريش أفخاذ متعددة، العاص ابن وائل السهمي والد عمر ابن العاص، ولده عمر ابن العاص معروف شريك معاوية، وهو من كبار مشركي قريش ومن كبار الذين حاربوا رسول الله وآذوه، وكان عنده ولدان عمر وولد آخر اسمه هشام، أسلم هشام في مكة المكرمة وعذبه أبوه هذا العاص ابن وائل عذابا شديدا جدا، حتى فرّ من شدة العذاب إلى الحبشة مع المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة، لكن أنا لم أعلم مصير هشام هذا ولم أتتبع نهاية مصيره، وأما عمر ولده عمر فمعروف.

هذا كان يؤذي رسول الله (ص) أذى كبيرا، بعد وفاة ابنيّ رسول الله القاسم وعبد الله في مكة المكرمة، لرسول الله (ص) من خديجة ولدان القاسم وعبد الله وهما في مكة المكرمة دفنا بجوار والدتهما خديجة في مكة، في مقبرة حجون، سخر من رسول الله (ص) وكان يكثر السخرية والإستهزاء ويشنأ رسول الله وسمى رسول الله الأبتر، وقال عنه بأنه هذا أبتر قد انقطع نسله، فلا ولد له ولا عقب له وسينتهي ذكره بموته، هذا طبعا من الذين دعا عليهم رسول الله (ص)، من الذين أهلكهم الله سبحانه وتعالى، وكل الذين حاربوا الأنبياء والرسل، والذين آذوا الأنبياء والرسل الله سبحانه وتعالى صب عليهم العذاب، ومن أولئك عتاة قريش وصناديدها الذين حاربوا رسول الله تتبعهم الله سبحانه وتعالى بالعذاب والهلكة، والله بشر نبيه المصطفى بأنه سيهلكهم وسيصيبهم كما أصاب الأقوام السابقة، دعا عليه رسول الله (ص) فأصابته شوكة، كان يمشي مع أبي جهل ومر بهم رسول الله فسخروا منه، فدعا عليه رسول الله (ص) فأصابته شوكة في رجله، تعفنت على أثرها رجله، وسرى العفن إلى جميع بدنه فهلك، وقد قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم مبشرا نبيه المصطفى "قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاء" يعني من قومك هؤلاء "سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ (51) سورة الزمر، كما مضى على الذين من قبلهم "فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا" هؤلاء أيضا "سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ" ولهذا الله سبحانه وتعالى أخذهم أخذ عزيز مقتدر، منهم من أهلكهم يوم بدر حيث أخرجهم الله للهلاك في ذلك اليوم، فقتل منهم مقتلة كبرى في يوم بدر، ومنهم من أهلكه الله سبحانه وتعالى في مكة بهلكة وبيئة جدا جعله عبرة لمن يعتبر، ومنهم هؤلاء العاص ابن وائل وأبو لهب الذي تردى بين جبلين فوقع في مضيق ضيق جدا بين جبلين، فلم يستطع أولاده أن يخرجوه من بين ذلك المضيق فمات هناك وجافت ريحته فقال العباس أخوه لأولاده استروا عورة أبيكم فقالوا لا يمكن الوصول إليه في مضيق بين جبلين، فقال لهم استروه فأخذوا يقذفوه بالحجارة إلى أن تراكمت فوقه الحجارة، هذا مصير أبو لهب، والوليد ابن المغيرة كذلك خرج خارج مكة فعثر من على فرسه فأصابه جرح، فقال له رجال قريش إنما هذا إلا جرح بسيط، قال إني أرى كأن دماغي يغلي من أثر ذلك الجرح، فكلما هدأوه شعر كأن النيران تستعر فيه فلم تمر عليه أكثر من ثلاث ليال وهلك، "قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ (51)، وسيريكم الله سبحانه وتعالى العبرة في هذه الحياة الدنيا كما أراكم العبرة وأنتم الآن ترون في هذه الحياة الدنيا كيف أن الله سبحانه وتعالى ينتقم من أولئك العتاة الجبابرة الذين أفسدوا في الأرض الله سبحانه وتعالى يقول "وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ" 77 - القصص، الذي يبغي الفساد في الأرض ويهلك الحرث والنسل الله سبحانه وتعالى يهلكه بهلكة عظيمة ويجعله عبرة، وهذا فقط للعبرة في الدنيا وإلا عذابه في الآخرة يعذب عذابا لا يعذب به أحد من العالمين.

هذا مصير العاص ابن وائل الذي جعله الله سبحانه وتعالى هو الأبتر، "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر" إنّا يستخدم الخالق سبحانه ضمير المفرد أحيانا حين الدعوة إلى التوحيد، الدعوة إلى الوحدانية الكبرى، فيقول تعالى " "وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" 92 - الأنبياء، "وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ" 52 - المؤمنون، "إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ" أو في بيان الرابطة بينه وبين العبد، بين الخالق والمخلوق، "نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" 49 - الحجر، "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ" 186 - البقرة، يستخدم ضمير المفرد، ويستخدم ضمير الجمع حين يكون في مقام بيان عظمة الله وشرف النعمة والإمتنان منهم سبحانه وتعالى كقوله تعالى "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر"، "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا" 1 - الفتح، "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ"، وهناك في القرآن أربع سور ابتدأت بضمير الجمع "إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ" إِنَّا سورة نوح، سورة الفتح "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا" سورة القدر "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ"، وسورة الكوثر "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر"، واستخدم فيها ضمير الجمع المؤكد بـ إنّا لأن أصل هذه الكلمة إنّا أصلها إنّا حرف توكيد ونصب، والنون ضمير الجماعة المتكلمين فتكون إنّا، و"إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ" لعل فيها إشارة إلى أول رسالة أرسلها الله وأول شريعة فرضها وهي رسالة نوح، وإشارة إلى نبي الله نوح وهو رسول من رسل العزم، والثانية "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" فيها إشارة إلى نزول آخر الكتب السماوية، وآخر الشرائع الإلهية التي هي رسالة باقية خالدة إلى يوم القيامة، و"إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا" فيها إشعار بانتصار الإسلام، وفتح مكة الذي كان هو إيذانا لدخول المسلمين في الإسلام ودخول الناس في الإسلام، وكان حقا ذلك الإنتصار فتح أبواب دخول الناس في الإسلام أفواجا أفواجا، وأخيرا "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر" الذي هو يشير إلى استمرار خط الرسالة المحمدية في الذرية الطاهرة من أهل البيت من ذرية فاطمة وعلي عليهما السلام، "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ" وأَعْطَيْنَاكَ من العطاء، كلمة فيها امتنان من الله سبحانه وتعالى، وأيضا حينما وقعت بلفظ المتكلم "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ" الدالة على العظمة كذلك بضمير الجمع، والمؤكدة بإنّا وعبر أيضا بلفظ الإعطاء لم يقل إنّأ وهبناك إنما قال "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ" الظاهر في التمليك لأن لفظ الإعطاء فيه تمليك "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ" من العطاء وبالتالي أعطاه الله سبحانه وتعالى ذلك العطاء العظيم، وملكه ذلك التمليك الإلهي الكبير "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر"، وأما الكوثر فهي على صيغة فوعل وترمز إلى الخير الكثير، وأوزان فوعل تأتي بمعنى الإشارة إلى الشيء الكثير، ومن ذلك يقولون كوثر جوهر، على وزن فوعل، وتعني الخير الكثير، فالله سبحانه وتعالى أعطى نبيه المصطفى الخير الكثير، ولكن ما هو ذلك الكوثر؟ هنا المفسرون منهم من قال أن الكوثر هو نهر في الجنة، ومنهم من قال أنه هو حوض رسول الله (ص)، والحوض إما أن يكون هو الحوض في الجنة أو الحوض في المحشر، لأن الحوض قيل أنه في المحشر، وقيل أنه في الجنة، ذلك الحوض الذي يرد عليه الناس يوم القيامة ويسقيهم رسول الله (ص) شربة بيد علي (ع) لا يظمأون بعدها أبدا، وقيل أن الكوثر هي الذرية الطاهرة فالله أعطى نبيه المصطفى الذرية الكثيرة والكثيرة في كل شيء الكثيرة في عددها في استمرارها في علمها في فضائلها في شرفها وها هي ذرية رسول الله (ص) باقية خالدة أسأل الله أن يزيدهم شرفا ورفعة وفضلا وأعدادها في زيادة ومن أيام العلامة الشهرستاني في ذلك الزمان ذكر أن أعداد الذرية المنتسبة إلى رسول الله (ص) في المسلمين يبلغ قرابة الخمس والعشرين مليون أما الآن مع توفر النسل والقضاء على كثير من الأمراض التي تقضي على كانت تقضي على الأطفال فلا شك أن العدد زاد بنسبة كبيرة فالمنتسبين إلى الذرية الطاهرة أعدادهم كثيرة وفي كل العالم الإسلامي، وقيل أن الكوثر هو الأمة وقيل أنهم علماء أمته، وقيل أن الكوثر هو القرآن، وقيل أن الكوثر هي الحكمة التي آتاها الله سبحانه وتعالى رسوله المصطفى، وقيل أن الكوثر هي الشفاعة يوم القيامة، ولقد ورد في أن الكوثر هو نهر في الجنة وردت في ذلك روايات، كما أنه كون الذرية الطاهرة وردت فيه كذلك روايات عن أهل البيت (ع) ولكن حين الربط بين الآية بين آيات السورة المباركة "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر" الأبتر، لكي يكون لآخر الآية معنى وفائدة إنّا شانئك هو الأبتر ويتضح معناها لابد أن يكون يحمل

"إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر" على الذرية الطاهرة إنّا اعطيناك الكوثر، ثم يرد الله سبحانه وتعالى على ذلك الشانئ إنا شانئك هو الأبتر بسبب إعطائك الكوثر والشانئ شنأه في الذرية فالله سبحانه وتعالى أعطاه الكوثر في الذرية الطاهرة، وكما يقول العلماء أن في الآية فيها قصر قلب، وقصر القلب ينقسم إما فيه قصر الصفة على الموصوف، أو قصر الموصوف على الصفة فأحيانا تقول العالم علي أو العالم مثلا إنما هو علي، وأحيانا تقول علي هو العالم، فالعالم هو علي، هنا الصفة وهي العالم قصرتها على الموصوف وهو ماذا؟ علي، يعني حصرتها أن العالم هو من؟ هو علي (ع)، فتحصر الصفة في الموصوف وهو علي (ع)، قصرتها حصرتها قصرتها في علي (ع)، وأحيانا تقصر الموصوف على الصفة وتقول علي هو العالم، يعني علي هو العالم وبالتالي علي حصرته في أنه هو العالم، فهنا عندما قال تعالى "إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ" حصرت الموصوف وهو الشانئ في الصفة وهو ماذا؟ الأبتر، يعني الأبتر من هو؟ هو ذلك الشانئ، وبالتالي حصر الله سبحانه وتعالى الشانئ في صفة الأبتر، فيكون حصر قلب من باب حصر الموصوف على الصفة، وبالتالي هذا يجعلنا أن نجعل "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر"، أن الكوثر هو الذرية الطاهرة وما أدراك ما تلك الذرية الطاهرة، وكانت ذرية رسول الله (ص) من نسل فاطمة (ع).

نسل كل نبي من صلبه، ونسل ذريته من صلب علي (ع) عن طريق فاطمة الزهراء (ع)، فالكوثر ذلك العظيم الذي أعطاه الله لنبيه هي فاطمة (ع) وما أدراك ما ذلك الكوثر العظيم الذي شعت منه تلك الأنوار الطاهرة أنوار الأئمة الأطهار (ع)، الذين جعلهم الله سبحانه وتعالى عدل القرآن الكريم، العترة الطاهرة "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي" فكانت ذرية الزهراء، أبناء الزهراء هم ذلك الكوثر العظيم الذي جعله الله سبحانه وتعالى عدل القرآن الكريم، فمنهم الأئمة الأطهار ومنهم أولئك الشهداء العظام ومنهم أولئك الذين ملأوا الدنيا علما وجهادا وعطاء، ولازل إلى اليوم الذرية الطاهرة يملأون الدنيا جهادا وبذلا وعطاء، وها نحن نراهم اليوم منهم القادة الكبار المخلصون المجاهدون في سبيل الله، ومنهم العلماء ومراجع التقليد الذين نفخر بهم وتفخر بهم البشرية جمعاء، أسأل الله أن يزيدهم شرفا وفضلا، ويزيدهم كرامة وعلو، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعجل في فرج صاحب العصر والزمان (عج)، الذي هو الذروة العليا من ذلك الكوثر العظيم، والشرف كل الشرف، والذي سيملأ الارض قسطا وعدلا بعدما ملأت ظلما وجورا، والذي سيفتح الله سبحانه وتعالى على يديه، فيملأ الدنيا كل الدنيا بالعدل والقسط والنور والحق والإسلام، وتعاليم الإسلام والله سبحانه وتعالى يحقق ذلك النصر العظيم المؤزر على يد واحدا من ذرية الزهراء، من أبناء الزهراء الذين أكرمهم الله سبحانه وتعالى تلك الكرامة العظيمة، أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المتمسكين بحبل ولايتهم، وأن يرزقنا وإياكم شفاعة الزهراء، ويجعلنا وإياكم من أولئك الشيعة الأبرار الذين تلتقطهم الزهراء يوم القيامة، حينما تلتقط شيعتها يوم المحشر واحدا واحدا كما يلتقط الطير الحب الطيّب من الحب الرديء، إنها الزهراء، إنها الزهراء التي أكرمها الله سبحانه وتعالى تلك الكرامة الكبرى في الدنيا والآخرة، وكانت كوثر رسول الله (ص)، زادها الله علوا وشرفا وكرامة وفضلا.