فجر الجمعة

نداء الجمعة || حرية الرأي والتفكير في مدرسة الإمام الصادق ع

 

قال الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين

 نعظم لكم الأجز بمناسبة ذكرى شهادة مولانا وإمامنا أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق صلوات الله وسلامه عليه وعلى آباءه وأبناءه الطاهرين.

وبهذه المناسبة أحبننا أن نتطرق إلى شيءٍ ولو يسيرٍ من نمير عطاء إمامنا الصادق صلوات الله وسلامه عليه وسوف يكون حديثي في هذه الخطبة تحت عنوان حرية الرأي والتفكير كسمة من سمات مدرسة إمامنا الصادق صلوات الله وسلامه عليه.

من المعلوم أنه قد امتازت المدارس العلمية المتبعة إلى الإمام الصادق عليه السلام من اتباع أهل البيت عليهم السلام بحرية الرأي والتفكير في المسائل العلمية وقد نضجت العلوم وترعرعت في هذه المحافل العلمية على مختلف هذه العلوم سواء كانت الفقهيه أو كانت الأصولية أو كانت الكلامية أو كانت الفلسفية أو غيرها أو غيرها من العلوم التي كان للحوزة السبق الكبير في رعايتها والعناية بها على مدى القرون المتواليه في مدى تاريخ الحوزات العلمية والمدارس الفكرية.

فهذه العلوم التي امتازت بها مدرسة اتباع أهل البيت عليهم السلام كانت تمتاز بهذه السمة وهذه السمة أخذتها من مدرسة إمامنا جعفر بن محمد الصادق صلوات الله وسلامه عليه فقد تميزت مدرسته صلوات الله وسلامه عليه عن جميع المذاهب الأخرى قاطبة بحرية الرأي والبحث فكان ذلك سبباً لانتشار مذهب إمامنا الصادق عليه السلام وذيوعه في الأمصار.

فقد أرسى الإمام الصادق عليه السلام للثقافة والمعارف الإمامية أساساً هيأ لها أسباب الذيوع والانتشار قبل نهاية القرن الثاني الهجري بل لقد أصبحت هذه الثقافة نموذجاً لحرية الرأي والبحث والتفكير للفرق الإسلامية الأخرى فكانت تهتدي بمدرسة الإمام الصادق عليه السلام بهذه الخاصية وهذه الميزة.

هنا أمر على بعض النقاط وأنا أتحدث عن هذا الموضوع:

النقطة الأولى وقع وهمٌ عند بعض الباحثين أن مدرسة الإمام الصادق عليه السلام لم تكن هي أول من ابتداءت بهذه الخاصية وهذه السمة وإنما هناك سبقتها مدارس منها كما يذكر البعض مدرسة الاسكندرية.

مدرسة الاسكندريه طبعاً هذه مدرسة من المدارس التي نشطت في مصر وامتد نشاطها إلى القرن السابع الميلادي وهذه إنهارت أي امتد نشاطها يعني هذه إنهارت بعد دخول العرب لهذه المدينة.

كانت هذه المدرسة تمتاز بالحرية حرية البحث حرية التفكير لكن لا يمكن أن نقول أن مدرسة الاسكندرية حتى ولو امتازت بهذه السمة أنه كانت هي السباقة في ذلك لسببٍ وهو أن هذه المدرسة إنما كانت اقتصرت في ذلك على المباحث الفلسفية دون سواها كان شغلها الشاغل في المباحث الفلسفية ولم تكن تتعرض هذه المدرسة إلى المسائل الدينية المختلفة وكانت أمور الدنيا محظورة فيها حظراً باتاً صحيح أنه كان من علماء هذه المدرسة منهم من المسيحيين ومنهم من اليهود أصحاب دين إلا أنهم كانوا معرضين عن البحث في المسائل الدينية واقتصروا على المباحث أو المسائل الفلسفية والعلمية.

ومن هنا يمكن أن تصنف مدرسة الاسكندريه على أنها من المدارس العلمانية المجردة بالمصطلح الحديث لسنا الآن بحاجة إلى سرد تاريخ هذه المدرسة بقدر ما أردنا أن نشير هنا إلى هويتها.

أما بالنسبة إذا قارنا هذه المدرسة بمدرسة الإمام الصادق سلام الله عليه فإنها تصبح لا شيء في هذا الجانب وذلك للسمات التي اتسمت بها مدرسة الإمام صلوات الله وسلام الله عليه ونطرق إلى هذه السمات في هذا الجانب.

أول سمة من هذه السمات لهذه المدرسة الصادقية أنها اهتمت في إثبات المسائل الدينية والعقدية بالأدلة العلمية كان اهتمام الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه أن يربي جيلاً من العلماء والمفكرين وحملت العلم والرسالة والفقه والعلوم الدينية بل والعلوم الإنسانية وغيرها على التمسك في إثبات المسائل المختلفة بالأدلة العلمية بل وكان يخصص الإمام عليه السلام بعض تلامذته كمتخصصين في الحقول المختلفة من العلم فتجد مثلاً هشام بن الحكم الذي كان الإمام عليه السلام خصصه إلى الذود عن حياض الإمامة وما محادثته وحواره مع عمر بن عبيد وهو من رموز المعتزلة في البصرة في تلك القضية المعروفة حينما قام هشام بإفحام عمر بن عبيد وانقض كل أدلته بالأدلة العقلية وبالاستدلال العقلي العلمي وأثبت له ضرورة الإمامة وأنها ضرورةٌ من الضروريات ولا يمكن لهذه الضرورة أن ينكرها عالمٌ أو باحثٌ وبعد ذلك اقتنع عمر بن عبيد بالقضية المعروفة حينما قال له سمعنه يتحدث عن الإمامة وأنها ليست بالنصّ وإنما بانتخاب الناس لها قال له صار يثير له تلك الأسئلة ألك عين ألك أنف ألك لسان في القضية المعروفة كثيراً ما سمعناها حتى أوصله إلى أنه له قلب جعله الله عزّ وجل إمامنا ترجع إليه تلك الحواس إذا شكت في شيء فكيف يترك هذه الأمة من دون إمام فعل من خلال هذا الحوار والنقاش والاستدلال العقلي على أن هذا الحوار هو هشام صاحب الإمام الصادق عليه السلام قال له والله إنك لهشام هذا القول لا يقوله إلا هشام وكان معروفاً في الاستدلال بالأدلة المقنعة في ضرورة الإمامة وأنها نصّ من الله سبحانه وتعالى.

هذا النمط من التربة للإمام الصادق عليه السلام كانت تمتاز به مدرسة الإمام عليه السلام الأمر الثاني من هذه السمات إدخال العلوم الدنيوية إلى جانب العلوم الدينية ونقصد بالعلوم الدنيوية هي تلك العلوم التي ليس لها صلة بالدين كدين كعلوم الفلك العلوم الإنسانيه علم الكيمياء علم الفيزياء إلى آخرها من العلوم هذه لم تكن معروفة قبل الإمام الصادق عليه في المدارس الدينية سواء كانت المدينة أم في الأمصار الأخرى أنها كانت تلك المدارس تمازج بين العلوم الدينية وهذه العلوم حتى جاءت مدرسة الإمام الصادق عليه السلام ففتح الباب على مصراعيه لطلاب المعرفة والعلم والمهتمين بهذه العلوم وشجع على تعليمها وتدريسها وكان هو بنفسه يلقي تلك الدروس ويربي أولئك التلاميذ على هذه التخصصات المختلفة.

ومن هنا يمكننا القول بأن الحضارة العربية والإسلامية التي تمثلت في مدرسة الإمام الصادق عليه السلام كان لها الدور الكبير في النهضة الأوروبية بعد ذلك والتي استفادت من هذه العلوم فإن أوروبا كانت تعيش القرون الوسطى والقرون المظلمة التي كانت فيها الكنيسة تحاكم كل من خالف عقائدها أو جاء بعلوم يخالف عقيدتها ولهذا بعضهم حكم عليه بالقتل والحرق وبعضهم كان قساوسة تمردوا على قوانين الكنيسة التي كانت تمثل الجانب الديني عند المسيحيين بعد ذلك حصلت تلك النهضة العلمية في أوروبا الذي نشهد هذا العلم الذي تطور بعد ذلك في تلك البلدان ووصولوا إلى ما وصلوا إليه واستفادوا من العلوم الشرقية وبالأخص العربية التي نهضت بها المدارس الإسلامية وعلى رأسها مدرسة الإمام الصادق عليه السلام ويمكن لك أن تقرأ كتاب الإمام الصادق عليه السلام كما عرفه علماء الغرب لتقف على هذه الحقيقة بل هناك من العلماء والفلاسفة الأوروبيين من شهود بهذه الشهادة وأنما حصل عليه الغرب والنهضة الأوروبية بفضل هذه الحضارة العربية والإسلامية وعلى سبيل المثال منهم العالم والفيلسوف الفرنسي جوستاف لوبون هذا عالم وفيلسوف فرنسي وعالم من علماء الاجتماع والنفس أقر في كتبه ومن كتبه كتاب الحضارة العربية أن للنهضة الأوروبية الحديثة طبعاً هذا جوستاف الفرنسي عاش ما بين القرن الثامن عشر فإنه مولود في سنة ألف وثمانمئة وثمانية وثمانين وتوفي في سنة ألف وتسعمئة وواحد وثلاثين يعني عاش في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر عاش في هذه الفترة وهي فترة النهضة الأوروبية يقول هذه النهضة التي يعيشها الغرب وأوروبا إنما يعود فضلها في ذلك إلى تلك الحضارة والنهضة العربية الإسلامية التي كانت في الشرق وهو يعني بذلك ما حصل في المدارس الإسلامية وبالخصوص في مدرسة الإمام الصادق عليه السلام التي فتحت الباب لمختلف العلوم إلى جانب العلوم الدينية مثل علوم الفيزياء والرياضيات والفلك والكيمياء والهندسة والميكانيكا والطب والصيدلة وغيرها من العلوم المختلفة.

ولا شكّ أن هذه تحسب لمدرسة الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه ولو كان يؤسف له أنك لا تجد ذكراً للإمام عليه السلام في تاريخ المسلمين أين ذكر الإمام الصادق عليه السلام أين إنجازات الإمام الصادق عليه السلام صلوات الله وسلامه عليه.

لماذا أبناء المسلمين لا يتعرفون على أبناء هذا الإمام العظيم لا يعرفون عنه شيئاً لا يعرفون حتى من هو الإمام الصادق وأين عاش الإمام الصادق عليه السلام وماذا أعطى الإمام الصادق وكيف استفادت الأمة من الإمام الصادق عليه السلام.

أهل البيت عليهم السلام ليسوا حكراً على أحد وإنما أهل البيت عليهم السلام جاؤوا للأمة الإسلامية جمعاء جاؤوا للأمة الإسلامية جمعاء جاؤوا امتداداً لطريق جدهم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله ليأخذوا بأيدي الناس حيث العلم وحيث النور وحيث الحضارة وحيث التقدم وحيث صناعة عقل الإنسان وفكر الإنسان وأخلاق الإنسان هكذا هم أهل البيت عليهم السلام.

للآسف الغرب يعرفون الإمام الصادق أكثر من المسلمين يعرفون جميل الإمام الصادق وما قام به من نهضة علمية أكثر من المسلمين الذي من المفترض أن يعرفوا الإمام الصادق عليه السلام حق المعرفة بل ويهتموا بآثاره ويهتموا بعلومه.

أنا اهيب بالمؤمنين أيضاً من شبابنا وعشاق الإمام الصادق عليه السلام أن يقرؤوا المزيد عن هذا الإمام عليه السلام أيضاً نحن اتباع أهل البيت عليهم السلام خصوصاً شبابنا هذا اليوم الذين يهتمون أنا اتكلم بشكلٍ عام الذين يهتمون بشخصيات هامشيه في هذه الحياة ويعرفوا عنها الكثير من المعلومات ولكن إذا جئت إلى هذا الشاب عن أبسط المعلومات عن إمامه ورئيس مذهبه لا يعرف عنه إلا أموراً قليلة جداً جداً بل لا يعرف أي سنة ولد وأي سنة استشهد وبعض الأمور المهمة في حياته ولذا آن الأوان للتعرف على هذه الشخصية نحن حينما تمر علينا ذكرى شهادة الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه هي فرصة بل كل الأئمة عليهم السلام لكن هذا الإمام العظيم الذي كان سبباً لانتشار المذهب الحق وكان سبباً لمعرفة نظريات الدين والإسلام والقرآن في مواجهة التيارات المنحرفة في زمانه والمدارس التي تاهت عن الحق كان للإمام عليه السلام النصيب الكبير في التعرف على عظمة هذه الإمام وتاريخ هذا الإمام وعطاء هذا الإمام عليه السلام وباستطاعتك أن تقرأ تلك الكتب التي كتبت وعلى سبيل المثال الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ككتاب سهل التناول وموسوعي يتحدث عن سيرة الإمام وعطاء الإمام وغيرها من الكتب الكثيرة الحديثة والتي صار لها سنين من الطباعة بالإمكان أن الإنسان يقرأ والآن نحن عندنا الحجة قائمة علينا في القراءة والمطالعة الآن قبل سنين كان الواحد منا لكي يشتري كتاباً يحتاج أن يوفر مال ولربما أن هذا الكتاب لا يوجد في بلده يحتاج أن يسافر إلى مكانٍ آخر كي يشتري ذلك الكتاب ويقرأ ذلك الكتاب ويتشوق لقرأت ذلك الكتاب ولكن الآن بإمكانه أن يقتني هذا الكتاب وهو جالسٌ على فراشه وهو جالسٌ على كرسي بيته من دون أي مشقة ومن دون أي عناء ويقرأ ذلك الكتاب في أي وقت يريد من خلال جهازه الذكي هذه نعمة من الله تعالى ناهيك عن المقالات التي تكتب والبحوث الحديثة الكثيرة جداً اكتب الإمام الصادق عليه السلام في موقع البحث عندك في جهازك فتجد المقالات الحديثة والكتب المتنوعة عن حياة الإمام عليه السلام نحن الآن الحجة قائمة علينا للتعرف على الإمام كثيراً في هذا الزمان.

الإمام صلوات الله وسلامه عليه إذا كانت مدرسته تمتاز بهذه السمات بسمة حرية التفكير بسمة الأدلة المثبته للمسائل العلمية بسمة التنوع في الطرح للعلوم بسمة قوة الحجة والبرهان في إثبات ما تؤمن به من عقيدة وعلى هذا الأساس ابتنت هذه المدارس العلمية التي أخذت عن الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه وعلى هذه الأساس نجد هذا النتاج العلمي المتكامل الكثير جداً في مختلف العلوم وهي أيضاً في طور التطور في نظرياتها وفي أفكارها على مختلف المجالات وعلى هذا الأساس تربى العلماء وعلى هذا الأساس نجد أن حوزاتنا أو حوزاتنا نعم تضم بين جنباتها الكثير الكثير من أولئك المفكرين الذين أخذوا واستفادوا من هذه المدرسة العلمية لإمامنا الصادق صلوات الله وسلامه عليه.

الحديث كثيرٌ عن إمامنا الصادق صلوات الله وسلامه عليه ولا يمكن لإنسانٍ قاصرٍ مثلي أن يحيط بعظمة هذه المدرسة وعظمة هذه السيرة العطرة ولكن لا يسقط الميسور بالمعسور.

ذكرنا شيئاً يسييراً تيمناً بذكرى الإمام في هذه المناسبة ونختم في الحديث عن الإمام عليه السلام بحكمة من حكمه صلوات الله وسلامه عليه ووصويه من وصاياه الخالدة فقد قال صلوات الله وسلامه عليه: ليس من شيعتنا من قال بلسانه وخالفنا في أعمالنا وآثارنا ولكن شيعتنا من وافقنا بلسانه وقلبه واتبع آثارنا وعمل بأعمالنا أولئك شيعتنا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المتمسكين بهذا الإمام العظيم ومن السائرين والمتبعين والمقتفين على آثاره والموافقين بألسنتا وقلوبنا لآثاره وأعماله لنكون حقاً من شيعته.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لذلك أجميعن ألا إن أحسن الحديث وابلغه موعظة المتقين كتاب الله العزيز أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3).

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد