ألقى سماحة الشيخ عبد الجليل البن سعد خطبة الجمعة، 11- 02- 1446هـ في جامع الإمام الحسين عليه السلام بالحليلة في الأحساء، وفيها تناول موضوعًا بعنوان: استقبال العام الدراسي الجديد، أكّد فيه على أهمية العلم والتّحصيل لأنّ بالتعليم يحصل المرء على قيمة كبيرة.
بسم الله الرحمن الرحيم
اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم
صدق الله العلي العظيم وصدق نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم
نستقبل عاماً دراسيًّا جديدًا يمثل همًّا متجددًا يشترك فيه كل أطياف المجتمع، وذلك هو هم العلم والتعليم. التعليم أيها الإخوة وأيتها الأخوات مكتسباته كثيرة وثماره عديدة. ويكفينا من ثماره التي نستذكرها، فنجد في استذكارها الحافز القوي، أن التعليم طريق إلى بناء الذات. ليس هناك طريق لبناء الذات أفضل من طريق التعليم. ومن مكتسباته أيضًا أن التعليم هو أقرب السبل لوضع سِمَةِ العزة على الديار. فأيما ديار من الديار الإسلامية إذا ما أرادت أن تكتسب العزة، فإن العلم والتعليم هو السبيل الأقرب. والتعليم أيضًا يمثل إظهارًا وإشهارًا للإسلام؛ لأن الأمة الإسلامية إذا أرادت أن تبحث عن شعار وشعيرة مهمة وقوية لتظهر بها الإسلام، فلتجعل ضمن تلك الشعائر شعيرة التعليم. العلم عبادة، ومن حيث هو عبادة فإنه يظهر الإسلام. ولذلك كل هذه الثمار وما عداها يمكن الحصول عليها ويمكن تناولها في سلة التعليم.
لاحظوا الأمر الأول الذي أشرنا إليه وهو بناء الذات. فهل يشك أحد في صلة التعليم ببناء الذات؟ كيف يشك من يعلم بأن الجِدَّ والرغبة في التعليم تساوي الإحساس بالنقص؟ على قدر ما يحس الإنسان بالنقص على قدر ما يتولد عنده الجد والرغبة في التعليم. فإذا كان النقص سوءًا أو كان النقص عورة، فإن اللباس الذي يسترها هو التعليم. الإنسان يحاول أن يستر عورة النقص، عورة الأمية بجلباب التعليم. كذلك لا نشك أن طلب العلم يمثل في ميزان الإنسانية وفي الموازين الحضارية طلب القيمة. لذلك أشار علي بقوله: "قيمة كل امرئ ما يعلمه وما يحسنه". فإذًا التعليم يكتسب أهميته من هذه الجوانب، ولكنه لن يجد عملةً ولا ثمنًا يكسب به هذه الأمور سوى عملة التعليم. من هنا يأتي القول الناصح والقول الفاهم الذي يقول بأن الطلاب الكسالى، الطلاب الذين اعتادوا الإهمال، هؤلاء مشكلتهم أنهم لا يميزون النقص من الكمال. لو عرفوا النقص في حقيقته لشعروا به، ولو أحسوا به لانطلقوا بكل جدية في مواكب وقوافل التعليم. كذلك إن وضعية هؤلاء الكسالى تعني أنهم لا يعرفون للقيمة معنى ولا يبحثون لأنفسهم عن قيمة، وهذه هي المشكلة. المشكلة ليست في عدم التعليم. ماذا لو أن الإنسان لم يتعلم؟ هل ذلك يعني مشكلة؟ عدم التعليم في حد ذاته لا يعني مشكلة. لذلك الأنبياء لا يتعلمون لأنهم ليسوا بحاجة للعلم، يعلمون بغير طريق الكتابة والقراءة، يعلمون بغير الطرق والسبل المألوفة عند الناس. فمن يستطيع أن يؤمن القيمة لنفسه ويستطيع أن يستر النقص ويتجرد منه ويخرج منه بغير طريق العلم فليفعل. ولكن عادة الإنسان والقدرة المحدودة للإنسان والقدرة الاعتيادية للإنسان تقول إنه لا طريقة أمامه للتخلص من النقص ولا لاكتساب ما هو بقيمة إلا بالتعلم. من هنا يجب أن ينشط، ومن لا ينشط علينا أن نبحث عن السبل التي تحرك فيه الإحساس ونبحث عن السبل التي تكشف عن بصره فيرى القيمة ويتعرف على القيمة التي نسيها. فهو بمجرد أن يعرف القيمة سوف ينطلق ولا يحتاجك، بمجرد أن يفهم النقص ويميز النقص سوف يلتحق بقوافل التعليم ولا يحتاج إلى تحفيز.
من هنا نرى المفارقة الواضحة: كيف أن بعض الطلاب المتميزين هم من أسر يتيمة أو من أسر ضعيفة أو من أسر ربما آباؤهم في عداد الأميين، وترى بعض أبناء المعلمين أمهم معلمة وأبوهم معلم وهو كسول! لماذا؟ لأن المسألة تكمن فيما ذكرنا. حينما يكون عند هذا الإنسان إحساس بالنقص سيفر منه، وحينما يفر منه ليس أمامه سوى اتجاه واحد وهو التعليم. حينما يشعر هذا الإنسان بالقيمة وأنه كإنسان لابد له من قيمة ولا يمكن أن يكمل عمره من دون قيمة، فسوف يساهم وينافس على التميز في المدارس.
من جهة أخرى ونحن نتحدث عن صلة التعليم ببناء الذات نشير أيضًا إلى أن بناء الذات هو المرحلة التي تحتاج إلى تكاتف وتحتاج إلى تضامن. نعم، لابد من هذا التضامن أن يكون موجودًا في مجتمعنا، لماذا؟ لأن قوة التعليم تحتاج إلى من يقدم الإرشادات، والحمد لله، سلك التعليم واعٍ بهذه المسألة، لذلك يزود المدارس بالمرشدين الطلابيين والموجهين الطلابيين. ولوجود هؤلاء أثر كبير، وأظن أنهم بحاجة ولا يزالون بحاجة إلى المزيد من الصلاحيات، بل ربما بحاجة إلى تكثيف. أيضًا حينما نتحدث عن هذه المرحلة وحاجتها إلى التكاتف والتضامن، فنحن نتحدث عمن يكفل الحاجات. قد تكون هنالك حاجات للمتعلمين، قد تكون هنالك نواقص، خصوصًا للأسر الضعيفة التي لا تستطيع أن تواكب التعليم مع وجود عجز حاد في الوضع الاقتصادي. اليوم، التعليم يتطلب أجهزة، يتطلب أمورًا كثيرة جدًّا، يتطلب مواصلات، فلابد من وجود من يتكفل تلك الحاجات. أيضًا يحتاج إلى من يرفع المعنويات، أن تُسخَّر منابرنا المقدسة وخطاباتنا الشرعية في رفع هذه المعنويات. أن يتقدم الآباء والوجهاء والمعنيون وأصحاب الكلمة أينما وجدوا أن يكتبوا وأن يتحدثوا بما يرفع معنويات الطلاب، وليس الطلاب فقط، بل المدارس. ربما المدارس تحتاج إلى رفع معنويات أيضًا. نعم، هنا نعود لنؤكد على أن التعليم يجنب الذات الخراب الفكري، التطرف الفكري، والإعاقة النفسية بكل أشكالها. مجتمع مهدد بتطرف مختلف الأشكال سواء كان فكريًا أو غير ذلك، وكذلك الإعاقات النفسية. ونحن نعرف أنه إذا حظي الطفل بالتعليم الصحيح من أول مراحله وتدرج بالشكل السليم، فإنه يصبح في مأمن من التطرفات الفكرية والدينية، ويصبح في مأمن من الإعاقات النفسية. هذا كله إذا توفرت البيئة التعليمية الصحيحة، وهي متوفرة لدينا بحمد الله تعالى ونسأل الله المزيد، ونطلب المزيد من العناية.
من مكتسباته كما أشرنا بإيجاز: عزة الديار. ولما لا تكون الديار عزيزة إذا وجد فيها التعليم القوي؟ لابد من ذلك، هذا أبسط مكتسباتها. لماذا؟ طبعًا حينما أعبر بالديار، وهذا اقتباس من القرآن الكريم، نقصد الوطن، لكن القرآن يعبر بالديار في أكثر من 15 مرة، يعبر بالديار. هذا هو التعبير القرآني، لهذا أنا أحرص على هذا التعبير فقط. لذا حينما نتحدث عن عزة الديار فنحن نجد أن التعليم ساحة تختلف عن سائر الساحات الأخرى. في ساحة التعليم هناك تداخل اجتماعي واسع النطاق، هناك معلم يمتزج بالمتعلم، والمتعلم بين ذكر وأنثى، وهناك دولة مسؤولة وراعية بكل أجهزتها، تسخر كافة أجهزتها للتعليم، وهناك أولياء أمور. فلا تكاد تسأل عن شريحة إلا ولها موقف في التعليم ومع التعليم، حتى الجمعيات وغيرها. فالتعليم عزة للوطن، عزة للبلاد، عزة للديار، لأنه فعلاً يمثل النطاق الواسع للتداخل الاجتماعي.
من مكاسبه كما قلنا: إظهار الإسلام. التعليم إظهار وإشهار للإسلام، وهذا واضح، حيث إن الأمة الإسلامية هي أمة تقرأ، هي أمة "اقرأ". نعم، ولذلك النهضة العلمية ظهرت كما يقال على مستوى الحضارات فيما قبل القرون الوسطى بقليل ومع القرون الوسطى. ما كان هنالك مظهر كبير وواسع للتعليم، نعم، كان في اليونان يأخذ أشكالًا ويأخذ أنماطًا، لكن لم يكن بتلك السعة والشمولية إلا مع الدولة الإسلامية. فتحولت الدولة الإسلامية إلى دولة ملهمة، إلى بلاد ملهمة، نعم جعلت أوروبا بأسرها تهتز وتفكر وتنقد ذاتها. إنما نقدت ذاتها من خلال ما وصلها من قامات علمية كابن رشد وابن الرومي وغير ذلك من أعلام الإسلام، بل وعلى رأسهم شخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فكان في التاريخ سيرة، والمطلوب منا اليوم هو مسيرة في قبال تلك السيرة، وعلينا أن نضبط المسيرة بالتعرف على متطلبات التعليم، بالتعرف على اشتراطات التعليم، بالتعرف على غاياته، بالتعرف على أهميته، بأن يصل إيماننا به حد الاعتقاد. لما؟ لأنك متى ما اعتقدت في القرآن فأنت تعتقد في التعليم، لأن القرآن كتاب. ومن لا يعتقد في التعليم فإن اعتقاده في القرآن وفي تاريخه بدءًا من النبي ومن وليه ناقص، معرفته بذلك ناقصة. لذا لابد من الاعتقاد بالتعليم. وصلى الله وسلم وزاد وبارك على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
التمثيل بالمحقَّرات في القرآن
الشّيخ صالح آل إبراهيم: ميثاقنا الزّوجي
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة
اعتبار الإسلام لرابطة الفرد والمجتمع
لا يدرك الخير إلّا بالجدّ
الوصول إلى حالة الانغماس وقياس مستواها