فجر الجمعة

الشيخ عبد الجليل البن سعد: حبّ الله ورسوله

تحدّث سماحة الشيخ عبد الجليل البن سعد في خطبة له بعنوان: (حبّ الله ورسوله) مؤكّدًا أنّ مَن يحبّ الرّسول لجوهره عليه أن يحبّ كلّ مَن يحمل هذا الجوهر، وذلك في 7 ربيع الثاني 1446 هـ في جامع الإمام الحسين (ع) بالحليلة بالأحساء.

 

حينما نُخلق للآخرة ونُدعى لتوظيف أرواحنا وأجسادنا ومادياتنا من أجلها، فإن ذلك لا يمكن أن يتم دون ميزان. وقد جعل الله الحب هو هذا الميزان، وبما أن الميزان لا يستوي إلا بكفتين، فلا بد أن يكون للحب كفتان: الكفة الأولى هي حب الله عز وجل، والكفة الأخرى هي حب رسول الله محمد صلى الله عليه وآله.

وإذا نُسب الحب لرسول الله صلى الله عليه وآله، يجب أن نعلم أن الرسول هنا يمثل عنوانًا متسلسل المصاديق. فمن يحب رسول الله صلى الله عليه وآله لجوهره، لا بد أن يحب كل من يحمل من هذا الجوهر، بدءًا بالسادة الأشباح ووصولًا إلى الذرية الطاهرة لهم، وانتهاءً بالمؤمنين الذين يحملون نصيبًا من جوهر رسالته الكريمة.

فالرسول وحب الرسول، إذا ما قرأناه في مثل قوله تعالى: "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله..." هنا جعل الله الحب متساويًا بينه وبين رسوله. لماذا؟ لأن هذا الحب ميزان، والميزان لا بد له من كفتين؛ فكفته الأولى حب الله، وكفته الأخرى حب رسول الله صلى الله عليه وآله. هذا الحب لا يقف عند شخصه فقط، بل هو حب متسلسل المصاديق.

 

الحب بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله:

من عاشر رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم رأى أن الرسول قد ارتحل، لا يمكنه أن يقول: انتهى الاختبار. ليس له أن يقول: خرجنا من الامتحان. فإنك ستُمتحن بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بحب من نصّ القرآن على المودة فيهم. لذلك، ابتُليت الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بحب عترته.

وهنا يبرز الاختبار: كيف تضبط النفس مع حبهم؟ كيف تقدم حبهم على ما تملك، وعلى نفسك، وعلى عيالك، أو قل على آبائك وأبنائك وإخوانك وأزواجك وعشيرتك وتجارتك؟

نعم، هل ستقدم أهل البيت على كل ذلك؟ أم أن المسألة ستؤول إلى التبعيض؟ فتارةً تميل إلى أموالك، وتارةً إلى عترة النبي، وأخرى إلى آبائك وإخوانك وعشيرتك ومساكنك ومجمل موارد ارتياحك في هذه الدنيا؟

البعض أخفق في الاختبار، فصار يُبعّض. مرةً يميل إلى علي عليه السلام، ومرةً إلى أمواله وأهله. لكن الأمر لا يتم بهذه الطريقة.

لذا، الحب لله والحب لرسول الله صنوان لا يمكن الفصل بينهما.

 

معادلة الحب والطاعة:

لذلك، إذا رأيت إنسانًا بارد المشاعر مع أهل البيت عليهم السلام، لكنه عالي الصوت بالقرآن والتهجد، متصلب الجسم في العبادة والصلاة، مستعد لأن يقيم ليلةً كاملة في العبادة، ولكنه بارد المشاعر تجاه أهل البيت عليهم السلام، فهذا يعني أن دينه لم يتكون التكون الصحيح.

وعلى العكس، لو رأيت إنسانًا يُنادي بأهل البيت عليهم السلام ويتفانى في كل ما يتصل بهم من شعائر وأماكن، لكنه متهاون في الواجبات، فإن هذا الإنسان في الحقيقة يسير إلى الآخرة ولكن في الاتجاه المدابر.

لا يمكن أن يُصدّق إنسان على حبه لله ما لم يُصدّق في حبه لرسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا الحب المتسلسل المصاديق.

 

كلام الإمام الصادق عليه السلام عن الحب:

في السياق ذاته، يتحدث الإمام الصادق عليه السلام عن معادلة الحب، فيقول:

"احذروا على شبابكم الغلاة، لا يفسدونهم، فإن الغلاة شر خلق الله. يصغرون عظمة الله، ويدّعون الربوبية لعباد الله". الغلاة شر من اليهود والنصارى والمجوس. الغالي ينسب نفسه إلينا فلا نقبله، والمقصّر يلحق بنا فنقبله. لماذا؟ لأن الغالي اعتاد على ترك الصلاة والزكاة والصيام والحج.

اليوم، قد لا نجد من يدّعي الربوبية لغير الله، ولكن نجد من يتهاون في الواجبات تحت مظلة الغلو. فربما يقول البعض: "حب أهل البيت سيجبر تقصيري مع الله".

الإمام الصادق عليه السلام رفض هذا الأمر، وفضل المقصر على الغالي، لأن المقصر إذا عرف أطاع، أما الغالي فقد اعتاد على إهمال الواجبات.

 

شواهد من أهل البيت عليهم السلام:

فاطمة الزهراء عليها السلام:

 عاشت الظلم الأوضح في التاريخ الإسلامي. كل كتب المسلمين، من صحاح وغيرها، تؤكد موتها غاضبةً، وسخطها، وتمسكها بحقها. ورغم ذلك، لم تنطق بكلمة لا ترضي الله، بل جعلت الله سندها وشكت إليه ما نزل بها.

الإمام العسكري عليه السلام:

عانى من السجن المؤبد والرقابة المشددة. ورغم ذلك، بثّ الفقهاء والوكلاء في أصقاع الدنيا، وكان ملهمًا للصبر.

السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام:

خسرت كل شيء في الدنيا، لكنها لم تخسر معرفتها بالله. هذه المرأة كانت مقصدًا للروحانيين، وانشدّت لها القلوب المؤمنة، لأنها لم تفقد صلتها بالله رغم كل ما عانته.

 

الخلاصة:

لا يمكن أن نبرر لأنفسنا التراجع أمام التحديات بمبررات الدنيا. المؤمن الحقيقي يزيده البلاء قربًا من الله ومعرفةً به. هذه هي الرسالة التي يجب أن تصل إلى كل قلب مؤمن.

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد