فجر الجمعة

السيد حسن النمر: من يحبهم الله ومن لا يحبهم (1)

تحدّث سماحة السيد حسن النمر في خطبة له بعنوان: من يحبهم الله ومن لا يحبهم ، مؤكدًا على أهمية السعي لنيل محبة الله والعمل بما يرضيه، والابتعاد عما يسبب غضبه، وذلك في 4 جمادى الثاني 1446 ه في مسجد الحمزة عليه السلام بسيهات.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق وأشرف الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين.

 

ربّ اشرح لي صدري ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي. اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم.

 

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وإن من أجل مصاديق تقوى الله أن نجتهد في نيل محبة الله ورضاه تعالى، وأن ننأى بأنفسنا عما يسبب غضبه وبغضه. ولن نعرف هذا ولا ذاك إلا بالرجوع إلى وحيه الذي أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، والمتمثل في القرآن الكريم والسنّة المطهرة.

 

فإن من شأن المؤمن بهما والعامل بما فيهما أن يهتدي للتي هي أقوم.

فقد قال تعالى: "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً".

وقال تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا".

وقال تعالى: "لقد مَن الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين".

 

وهذا ما حرص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على تبيينه للأمة بأشكال مختلفة، منها ما روي عنه في خطابه لابنته سيدة نساء العالمين، فاطمة الزهراء عليها السلام، حيث قال لها فيما رواه الحاكم في "مستدركه": "إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك".

 

وإن مما جاء في القرآن الكريم ما بيّنه الله سبحانه من أنه يحب أقواماً، وجعل ذلك أفضل حافز للأخذ بحكمه والعمل بأحكامه من دون فرق بين أوامره ونواهيه. كما أنه لا يحب أقواماً آخرين، وجعل ذلك أفضل رادع عن مخالفة حكمه وأحكامه.

 

وقد جاء في السنّة المطهرة تفصيلات كثيرة لهؤلاء وأولئك. وسنتجول وإياكم، أيها المؤمنون والمؤمنات، في هذه البيانات، راجين أن نكون جميعاً من السّاعين لنيل محبة الله، مستعيذين به من أن نكون ممن لا يحبهم.

 

المقدمة: مسائل تمهيدية

المسألة الأولى: أهمية البحث

تكمن أهمية البحث في أننا نعيش في عصر سمته التدفق المعلوماتي. فإذا كانت الأجيال السابقة تعيش فقراً معلوماتياً فاحشاً من جهة شيوع الأميّة، ومن جهة شحّ مصادر المعرفة، فإننا اليوم بين يدي تدفق معلوماتي فاحش.

 

ومع كثرة محاسنه، فإن هذا التدفق غير منضبط. فوسائل الإعلام على اختلافها، والشبكة المعلوماتية بتعدد منافذها، يفيضان بالمشاركات التي لا تُعد ولا تُحصى. ولا نكاد نجد فرداً إلا وهو يتفاعل معها بالتلقي أو المشاركة بطريقة أو بأخرى.

 

ومما يؤسف له أن ما يُنشر فيها من مرئي ومسموع ومكتوب ليس على نسق واحد. ففيه النافع وهو كثير، وفيه الضار وهو كثير أيضاً. لهذا، فإن من الواجب التعامل معه بانتقائية وحكمة، بحيث يتخير الإنسان ما ينفعه ويتجنب ما يضره.

 

الإشكالية: الاضطراب المعرفي

إن من أشد ما يُنتجه هذا التدفق المعلوماتي هو الاضطراب المعرفي، بما يؤدي بالمتلقي إلى اختلاط المفاهيم، والقول بنسبية المعرفة. وهذا ما عانت منه الأمة في بواكيرها، بما يُعرف قديماً بالإرجاء.

 

ومن معانيه:

  • أن لا يُحكم بالصواب والخطأ على أحد، وإنما يُوكل ذلك إلى الله تعالى ليبتّ فيه يوم القيامة.


وهذه دعوة قد تستحسن عند بعض الناس، بدعوى أننا جميعاً غير معصومين، فلندع الجزم بالخطأ والصواب لعالم الغيب والشهادة، وهو الله تعالى.

وقد يُغلف هذا الموقف بعناوين براقة وجذابة كالتسامح، والتعددية، والديمقراطية، وتعدد القراءات، وغير ذلك.

 

تحذير قرآني:

وقد حذر الله تعالى من هذا في آيات عدة، منها قوله تعالى:
"وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنّا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يُغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقاً".

فهناك حق وباطل. ومن تلك الآيات قوله تعالى:
"قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم لكم دينكم ولي دين".
فهناك كافرون لا يعبدون الله، وهناك مؤمنون لا يعبدون إلا الله. والقطيعة الاعتقادية بين الفريقين قطعية.

ومن تلك الآيات قوله تعالى:
"قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يُتّبع أم من لا يهدي إلا أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون وما يتبع أكثرهم إلا ظنّاً إن الظن لا يغني من الحق شيئاً إن الله عليم بما يفعلون وما كان هذا القرآن أن يُفتَرى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين".

فهناك دعاة إلى الحق، وهناك دعاة إلى الباطل. وهناك علم يوصل إلى الحق، وظن لا يوصل إليه.

 

ومن تلك الآيات قوله تعالى:

"ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً. وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً. فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً. أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً. وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً. فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً".

فالمؤمن هو الذي يُسلّم بما جاء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أحكام.

 

تحذير من ثقافة التمييع:

بعد هذا السرد لهذه المجموعة من الآيات، فليس مسموحاً، أيها المؤمنون، في الدين أن تشيع ثقافة التمييع. وقد حذر أئمة الدين، بعد الله ورسوله، من ذلك في أحاديث عديدة.

 

أحاديث تحذر من المرجئة:

منها ما رواه الشيخ الكليني بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:

"بادروا أولادكم - أو أحداثكم في نسخة أخرى - بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم أو تسبقكم إليهم المرجئة".

 

ومنها ما رواه الشيخ الصدوق بسنده عن الإمام علي عليه السلام أنه قال في حديث:

"علّموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة برأيها".

 

ومنها ما جاء في وصية أمير المؤمنين علي عليه السلام لولده الحسن عليه السلام، وهي طويلة. منها قوله:

"وأوردت خصالاً منها قبل أن يعجل بي أجلي دون أن أفضي إليك بما في نفسي، أو أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي، أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا، فتكون كالصعب النفور. وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما أُلقي فيها من شيء قبلته. فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبّك، لتستقبل بجدّ رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته".

 

المسألة الثانية: الدواعي والبواعث

وأما الدواعي والبواعث للحديث عن من يحبهم الله ومن لا يحبهم فكثيرة، نذكر منها:

  1. أن المؤمن يعنيه جداً الحظوة بحب الله
    فإن ثمرة حب الله هي الجنة، ويُفزعه بغض الله، فإن مآله إلى النار.
     

  2. أن حب الله يعني السعادة والخير في الدنيا والآخرة
    وعدم محبته يعني الشقاء والشر في الدنيا والآخرة.
     

  3. أن حب الله ليس اعتباطياً، وعدم محبته ليس اعتباطياً أيضاً
    فإن للأمرين أسبابهما وموجباتهما.
     

  4. أن القرآن الكريم، وهو المصدر الأساس لتحديد المقاصد الإلهية، ومن بعده السنة المطهرة، قد أفاضا في الحديث عن من يحبهم الله ومن لا يحبهم
    ولا يمكن أن يكون ذلك إلا حقاً يجب معرفته والعمل به.
     

  5. أن تحديد المفاهيم مهم، والعمل على تجسيدها لا يقل أهمية
    خصوصاً في ظل ما صدَّرنا به الحديث من التدفق المعلوماتي غير المنضبط.
     

  6. أن تجديد الفهم وتعميقه مهمان
    مع ملاحظة الترويج لفكرة أن التجديد ضرورة، وأن القديم لا يجدي الإنسان مع ما حققته البشرية من تقدم في مختلف المجالات، غافلين عن أن هناك ثوابت لا تتغير بتغير الظروف، ومنها من يحبهم الله ومن لا يحبهم، كما سيتبين لنا لاحقاً إن شاء الله.
     

  7. أن العمل بالمفاهيم بحاجة إلى ثلاثة عناصر أساسية:
     

    • العنصر الأول: علم من مصادره الصحيحة
      فليس كل ما يوصف بأنه علم هو كذلك، وليس كل من يُقال إنه عالم هو كذلك، وليس كل عالم يراعي قواعد العلم الصحيح إذا نطق أو كتب.
       

    • العنصر الثاني: عقل يحسن التفاعل مع المعلومة
      فليس كل من قرأ أو سمع يفقه المعلومة من مختلف جوانبها، ليُميز المهم منها والأهم، ويقدر على تشخيص ما يجب تقديمه وما يجب تأخيره.
       

    • العنصر الثالث: عون من الله
      فإن الله تعالى يقول:
      "وما بكم من نعمة فمن الله"
      ويقول على لسان من أحبهم وأدخلهم الجنة:
      "والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفساً إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون. ونزعنا ما في صدورهم من غلّ تجري من تحتهم الأنهار. وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق. ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون."


معرفة من يحبهم الله ومن لا يحبهم، أيها المؤمنون والمؤمنات، ليست مسألة ترفيهية. بل يتوقف عليها تحقيق الإيمان ونيل الرضا من الله والرضوان، والتوفيق لأن يكون الإنسان من أهل الجنان. وخلاف ذلك مهلكة، لا يرجوها عاقل لنفسه.

 

ولمحبة الله كما قدمنا أسباب ودونها موانع.
فقد قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام):
"ألا حرّ يدع هذه اللماظة لأهلها؟ إنه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها إلا بها."

ومن موجبات محبة الله: محبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعترته.
فقد أخرج الحاكم في مستدركه عن علي (عليه السلام) أنه قال:
"أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن أول من يدخل الجنة أنا وفاطمة والحسن والحسين - أنا، يعني علي (عليه السلام) - قلت: يا رسول الله، فمحبونا؟ قال: من ورائكم."
 

جعلنا الله وإياكم ممن يحبهم الله، وممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم صل على محمد وآل محمد.

 

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن (صلواتك عليه وعلى آبائه) في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً، حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً.

 

اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واخذل الكفار والمنافقين.
اللهم من أرادنا بسوء فارده، ومن كادنا فكده.
اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وأغنِ فقرائنا، وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا.
ولا تُخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم.

 

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.


 

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد