لقاءات

عبدالشّهيد الثّور: لو استخدمنا الثّوابت في الجديد، لأمكن أن نضيفها إلى قائمة القديم الرّاسخ في الوجدان

له باع طويل في مجال الشّعر والكتابة والمنبر كرادود حسينيّ، هو واحد من المؤرخين المهتمّين بأرشفة مراحل الشّعر الحسينيّ السّابقة، واللطميات، وتجارب الرواديد، اهتمّ ويهتمّ بصناعة الرّادود بالمعنى الحقيقي الهادف له. إنه الكاتب والشّاعر والرّادود  البحراني عبدالشهيد الثور.

 

حاورته: نسرين نجم

 

 أيّ دور يلعبه الرّادود في تعزيز السّيرة الحسينيّة والحفاظ عليها؟

(الرادود الذي يتقن دوره في المراحل الأخيرة من زمن الموكب، يدرك أنّ الرادود أصبح محطة تدور حولها الأنظار، وأصبحت هذه المحطة مؤثرة في شريحة واسعة من الجيل المتعشّق للمواكب الحسينية . هذا يعني أنه ينوء بتعبئة ثقيلة عليه أن يعيها . هو في موقع قدوة وأداء رسالة، فلا بد له من تحرّي الدّقّة في حركاته وسكناته ومفرداته وانتقاءاته وأداءاته". 

 

البعض يقول إنّ اللّطميّات تفتقد إلى الشّعر، وكأنّها فقط خطاب موجّه. ما رأيكم بذلك؟

(القصيدة الموكبيّة شأنها كشأن القصيدة العربيّة العموديّة، تعتريها القوّة ويعتريها النّظم، وهي معرّضة لما يتعرّض له أيّ نوع من القصائد. وهذا أمر يمسّ الشّاعر أكثر من الرّادود، لكنّه أمر طبيعيّ لكثرة تداخل الأوزان في القصيدة الموكبيّة، ولتمازج الأولويّات بين اللّحن والكلمة، واتّساع المساحة الموكبيّة بأذواقها ومدارسها وتفرّع سياقاتها. ولا يمكننا أن ننكر وجود نماذج متدنّية القوّة إلى درجة هبوطها عن درجة النّظم حتى. هذا مع إقرارنا أنّ الشّعر الموكبيّ نصّ جماهيريّ، وليس نصًّا نخبويًّا، ما يستلزم الوضوح والوصول، وهذا لا يعني المباشرة والهبوط به عن مستوى الشّعر العربيّ في بلاغته وحفاظه على مقوّمات الجمال الأدبي).

 

بعض الرّواديد يأخذون اللطمية بديلًا عن مجلس العزاء، ألا ترون أن ذلك لا يتناسب مع الهدف من وجود الرادود؟

(إذا كان المقصود من السّؤال دخول النّصّ المنثور أثناء تأدية القصيدة، فإن جزءًا يسيرًا منه لا بأس به. لكن أن يطغى الخطاب المباشر على القصيدة ويشوّش على دورها، فهذا يضعف من أدائها، ولا نستطيع أن نجزم بعدم فاعليّة هذا الدّور في بعض الحالات التي تتطلّب أن يجعل الرّادود قصيدته في حالة موّال نخفّف من حالة اللّطم إلى حالة الانشداد السّمعي أكثر).

 

ما هي المعايير التي تعتمدونها في هندسة القصيدة الحسينيّة؟  

(بالنسبة لي، فإني أعمل على هندسة القصيدة بعد الانتهاء من مرحلة إعداد اللّحن. أبدأ في وضع موضوع القصيدة وفكرتها. مثلًا قد تكون القصيدة عبارة عن مواقف من سيرة الإمام، واستخلاص قيمة أخلاقية أو سلوكية من الواقعة. أو قد تكون مبدأ رساليًّا يلامس مفصلًا من مفاصل كربلاء، فأعمل على تقسيم الفكرة وتوزيعها على فقرات القصيدة، وعندما تتبلور الفكرة، أعمل في القصيدة مبتدأ بالمستهلّ أوّلًا لأضمّنه الفكرة الأساسية في القصيدة، وبعدها أنطلق في فقرات القصيدة بحسب الهندسة الأوّلية لها، ثمّ أضع لها عنوانًا أسعى لإدراجه في إعلان المشاركة بالقصيدة). 

 

لكل بلد طريقة خاصّة يؤدّي فيها الرّادود قصائده، ما هي خصائص اللّطم البحريني؟ وكيف يتعامل الرّادود البحريني مع القصيدة؟

(في البحرين هناك أكثر من طريقة ومنهجية لإعداد القصيدة. الطريقة الأكثر تداولًا هي أن يعدّ اللحن أوّلًا ويعطى للشّاعر لينشئ القصيدة على اللّحن والوزن المطلوبَين. هذه الطّريقة تجعل مهمّة الشّاعر أصعب من حيث صعوبة الأوزان المطلوبة وكثرتها. هناك طريقة قديمة أيضًا، وهي أن ينتخب الرّادود قصيدة ويعمل على تلحينها، وهذه الطّريقة تجعل الأولويّة للنّصّ قبل اللّحن وتلقي بالصّعوبة على كاهل الرّادود، ولكلّ طريقة إيجابيّات وسلبيّات ترافقها. أمّا مدارس الرّواديد فهي مختلفة ومتنوّعة وكثيرة، وهذه المدارس أسهمت في إثراء السّاحة الموكبيّة، ووسّعت من المساحة السّماعية والمتابعة، ولكل مدرسة مقبوليّتها ونقاط ردّ عليها).

 

ما هي نصائحكم أو توصياتكم للشّباب الذين يرغبون بأن يكونوا رواديد؟ وهل الصّوت الجميل هو الأساس فقط؟

(لي في هذا الجانب مقالة بعنوان كيف نصنع رادودًا أحلت فيها على ما يتطلبه الرّادود من متطلّبات ومحاذير وتوصيات للانخراط في هذا المجال(1). لكن ليس من الضّروري أن تكون الخدمة الحسينيّة في الجانب الرّادوديّ. هناك مثلًا كثير من الأصوات غير متمكّنة من الأداء، وتفرض نفسها في هذا الجانب، وتعمل على إصدارات فرديّة ما يشكّل حالة إرباك للمصداقيّة وتوهينًا لعنوان الخدمة واستسهالًا لا يخدم المفاهيم الموكبيّة. قد يتمكن الفرد المحبّ لأهل البيت من الخدمة في مجال آخر ويبدع فيه. فعليه البحث عن الموقع الأنسب لقدراته وليس الموقع الأبرز).

 

ألا يعدّ إحياء اللّطميّات القديمة أكثر تأثيرًا في النّفوس، لأنّنا نسمع الكثير ممن يتحدّثون عن أن اللّطميات القديمة لها أثر أكبر من لطميات الوقت الحاضر، فهل هذا صحيح؟ ولماذا؟

(لا يختلف إثنان على فاعليّة اللّطميات التّراثيّة القديمة، وعلى ضرورة استعادتها بين الفترة والأخرى. إنّما نستعيدها لنحافظ على الجسور الرّابطة لنا بين الماضي والحاضر. ومن أجل تجديد الأمثلة للأجيال على النّماذج الفاعلة والمؤثّرة، ولكن هذا لا يجعلنا نستغرق في تقديم اللّطميّات القديمة دون الاستفادة من المقوّمات الكامنة في نجاحها، وتوظيفها فيما نقدّم من جديد. هناك ثوابت لو استخدمناها في كلّ جديد لأمكننا أن نضيفها إلى قائمة القديم الراسخ في الوجدان).

ـــــــــــــ

(1) لقراءة المقال: https://www.fajerweb.org/article.php?id=7919&cid=18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد