من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

ثلاثة عشر اقتباسًا بديعًا للزهراء عليها السلام من القرآن الكريم (2)

الاقتباس الرابع:

«وَأَنْـتُمْ تزْعُمُونَ أن لاّ إرْثَ لَنا، {أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يبْغُونَ وَمَنْ أحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}»[1].

تذكّر عليها السلام الحاضرين بأن هناك منهجين: جاهليًّا يمنع على المرأة أن ترث من أبيها لمبررات خاطئة وكانوا يسيرون عليه قبل أن يأتي الإسلام فيقول قرآنه {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}[2] والمنهج الآخر هو ما جاء به القرآن، والقضية ليست قضية أسماء وشعارات وإنما هو التزام ببرامج فمن يلتزم بالمنهج الأول في حياته فهو جاهلي وإن قال بسم الله، والله أكبر!

وهذا هو ما أشارت إليه الصدّيقة بأنكم «تزْعُمُونَ أن لاّ إرْثَ لَنا» ومن يعتقد هكذا ويطبقه عمليًّا فهو صاحب منهج جاهلي، بعدما رغب عن المنهج الإلهي وابتغى المنهج الجاهلي. وقد استعانت في فكرتها تلك بالآية القرآنية {أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.

 

الاقتباس الخامس:

«ابتداراً زعمتُم خوفَ الفِتنَة، {أَلَا فِي ٱلۡفِتۡنَةِ سَقَطُواْۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ}»[3] .

في هذا الموضع تقول «ابتداراً زعمتُم خوفَ الفِتنَة» يعني بادرتم وذهبتم سراعًا خلف السقيفة والبيعة، فلم تراعوا وصية النبي ولا حتى انتظار دفن جنازته، بحجة ألّا تكون هناك فتنة! لكن الحقيقة هي أنكم سقطتم في الفتنة، وما خفتم من وقوع الناس فيها نظريًّا واحتمالًا وقعتم فيه وسقطتم في مستنقعه عمليًّا وواقعًا! وبينما شخصت الواقع الخارجي من أنهم وهي تخاطب أهل السلطة الحاضرين بقولها «ابتداراً زعمتُم خوفَ الفِتنَة» لكن الواقع هو {أَلَا فِي ٱلۡفِتۡنَةِ سَقَطُواْۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ}، وهذا القسم آية قرآنية من سورة التوبة ولكن الناظر إليها يرى لشدة المناسبة والسلاسة في الانتقال كأن الجميع جملة واحدة.

 

الاقتباس السادس والسابع:

«وكتاب الله بين أظهركم أموره ظاهرةٌ، وأحكامهُ زاهرةٌ، وأعلامه باهرةٌ، وزواجرُهُ لائحةٌ، وأوامره واضحة، وقد خلفتُموه وراء ظهوركم، أرغبةً عنه تُريدون؟ أم بغيره تحكُمُون؟ {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}[4] {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}»[5].

وهنا الاقتباس في أعلى درجاته بحيث بعد أن مهدت بوصف القرآن بأوصاف عالية، قرعت أهل السلطة وأنصارهم بأنهم قد خلفوه وراء ظهورهم ولم يعملوا به لا في اتباع وصية رسول الله بتأمير علي بن أبي طالب عليه السلام وقد أمر القرآن باتباعها بقوله {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[6] ولا في توريث فاطمة من أبيها وقد صرح القرآن به. ثم تخاطبهم حيث كانوا بهذا ظالمين لأنفسهم ولغيرهم، «أرغبة عنه تريدون أم بغيره تحكمون»؟ وهنا تقتبس من القرآن شعلة ضياء من موردين وسورتين، فتأتي بآية من سورة الكهف {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} وتردفها مباشرة بأخرى من سورة آل عمران {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

وهنا نعيد إلى الأذهان ما ذكرناه في ذيل الاقتباس الأول من أن بعضهم لما لم يطلع على هذا الفن البلاغي نسب إلى الدعاء أن فيه آية غير صحيحة، فلا ينبغي أن يتصدى أحد هنا ليقول إن الآية الثانية ليست تكملة للأولى وأنهما في سورتين مختلفتين!

 

الاقتباس الثامن:

في قولها عليها السلام «فأنى حِرتم بعد البيان، وأسررتم بعد الإعلان، ونكصتم بعد الإقدام، وأشركتم بعد الإيمان، {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}» [7].

إنها عليها السلام بعد أن خاطبت الأنصار بالقول: إيهًا بني قيلة.. وذكرت جهادهم في سبيل الدين وتضحيتهم في نصرة رسول الله ودعوته ومعاضدتهم لبني هاشم في رفع راية الدين، تتساءل مستنكرة ما الذي حدث بكم؟ ولماذا نكصتم بعد إقدامكم السابق، وتحيرتم بعدما اتضحت لكم الرؤية، وأن هناك خطين في الأمة، وكان ينبغي عليكم مواجهة التيار القرشي الذي كان على خط العداء معكم ومع رسول الله وها هم الآن يبعدون وصيه ويحرمون ابنته! هل تخشون منهم؟ والحال أنكم هزمتموهم في ما سبق من المعارك في تأسيس الدين؟ وأيضًا فإن الله هو الأحق بالخشية لا هؤلاء!

 

الاقتباس التاسع:

ولا تزال الزهراء عليها السلام في صدد تقريع وتوبيخ الفئة الأكبر وهي الأنصار فتصفهم بأنهم قد أخلدوا إلى الراحة وتراجعوا عن العزيمة والنصرة فكأنهم قد أخرجوا ما ابتلعوه وتقيأوا ما تسوغوه لكن هذا لا يؤثر في المؤمنين بقضيتهم لأن الله معهم والله غني عمن يخذل دينه فها هي تقول: «ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة، ونجوتم من الضيق بالسعة، فمججتم ما وعيتم، ودسعتم الذي تسوغتم، فـ {إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}»[8].

 

الاقتباس العاشر إلى الثالث عشر:

وحيث وصلت إلى نهاية خطبتها أخبرتهم بما صدقته الوقائع من أنها لا تتوقع منهم شيئًا ذا بال ولكنها تقدمة الحجة حتى لا يتعلل أحد بأنه لم يعلم بالقضية أو لم يحط بها خُبرًا، وهي إلى ذلك فيضة النفس ونفثة الغيظ لا لأجل موضوع مادي وشخصي وإنما للغضب مما وصلت إليه حال المسلمين بعد كل تلك الجهود التي بذلت! «ألا وقد قلت ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وخور القنا، وبثة الصدور، وتقدمة الحجة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر، نقبة الخف، باقية العار، موسومة بغضب الله، وشنار الأبد، موصولة بـ {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ - الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ}[9]، فبعين الله ما تفعلون، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}[10] وأنا ابنة نذير {لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}[11]، فاعملوا {إِنَّا عَٰمِلُونَ - وَٱنتَظِرُوٓاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ}»[12].

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1). سورة المائدة: آية 50

(2). النساء:7

(3) سورة التوبة: آية 49

(4) سورة الكهف: آية 50

(5) سورة آل عمران: آية 85

(6) الحشر: 7/ وقد يقول بعضهم بأن الآية واردة في سياق الحديث عن الغنائم والفيء والعطايا وأن ما يعطيهم الرسول فليأخذوه وما ينهاهم عنه فلينتهوا، وفي الرد على هذا يقال أن المورد لا يخصص الوارد كما اتفق عليه العلماء وإلا لكانت أكثر الآيات الواردة في موارد محددة ومعينة لا ينبغي العمل بها في غير تلك الموارد، وهذا يعني تجميد أحكام القرآن في عصرها الذي نزلت فيه فلا يكون شريعة مستمرة ليوم القيامة. هذا بالإضافة إلى أن قياس الأولوية حاكم هنا فإذا كان الأمر بالنسبة للقضايا المالية وهي لا تساوي شيئًا عند الخالق ولا عند الرسول، وكان يجب الأخذ بها والانتهاء عما نهى عنها فمن باب أولى أن يكون الأمر كذلك في أمور الدين والعقيدة والطريق إلى الآخرة. ولا يمكن أن نتصور أن الأمر جزمي وثابت في أخذ خمسة دراهم والانتهاء عن مثلها في الأمر والنهي لكنه في أحكام الصلاة يكون الأمر غير واجب أو في ترك التصدي للقيادة والإمامة من غير استحقاق يكون النهي هنا غير لازم.

(7). سورة التوبة: آية 13

(8). إبراهيم: 8

(9). الهمزة: 7

(10). الشعراء: 227

(11). سبأ:46

(12). هود: 121- 122

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد