متابعات

الجالية الحجازية تقيم مجلس عزاء للعلامة الشيخ عبدالمحسن الطاهر النمر (رحمه الله)

أقامت الجالية الحجازية وعائلة الفقيد مجلس عزاء لرحيل العلامة الشيخ عبدالمحسن الطاهر النمر (رحمه الله)، وذلك مساء الخميس ليلة الجمعة 5 رمضان، في حوزة الإمام الخميني للطلبة الحجازيين.

 

تضمن المجلس تلاوة آيات من القرآن الكريم، أعقبها قراءة مجلس حسيني بصوت الخطيب فاضل الصادق الذي استعرض في كلماته سيرة الفقيد ومآثره العلمية والدينية.

 

كما ألقى السيد أمير العلي كلمة بالمناسبة، تحدث فيها عن دور العلامة الراحل في خدمة العلم والدعوة الإسلامية، مشيدًا بمسيرته الحافلة بالعطاء، وجهوده في نشر القيم الإسلامية وتعزيز الهوية الدينية في المجتمع.

 

حضر المجلس جمعٌ من طلبة العلم وأبناء الجالية الحجازية، الذين عبروا عن بالغ حزنهم لرحيل الشيخ النمر، مستذكرين سيرته العطرة وإسهاماته الفكرية والاجتماعية.

 

 

نص كلمة السيد أمير العلي:

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

أقف اليوم موقفًا يعزّ عليّ، إذ أؤبّن عالـمًا عاملًا، مؤمنًا صادقًا، بصيرًا، مخلصًا، حكيمًا، ثابتًا على المبادئ، متفانيًا في خدمة الدين، رجلًا تحكم في واقعه بقيمه، ولم ينشغل عن رسالته رغم ما يحمله من مشاغل الحياة.

 

إن الشيخ الفاضل الجليل، العلّامة عبد المحسن النمر (رضوان الله عليه)، يُعدّ مثالًا ومصداقًا للرواية الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام): "إذا مات العالم، ثُلم في الإسلام ثُلمة لا يسدّها شيء".

 

هذه الرواية، التي وردت بصيغ متعددة، سواء بلفظ "إذا مات المؤمن" أو "إذا مات الفقيه"، تعكس حقيقة خسارة الأمة برحيل علمائها، فالعلماء هم سور الإسلام وحصونه المنيعة، كما أن للمدن أسوارًا تحميها، فإن الإسلام تُحيطه هذه الحصون المتينة من العلماء الراسخين.

 

نعم، هم الذين يتصدّون للمخططات الشيطانية، ويحاربون محاولات تحريف الدين، ويؤدّون أدوارًا عظيمةً في توجيه الأمة. ولهذا، فإن موت عالمٍ مثل الشيخ عبد المحسن النمر (رضوان الله عليه) يخلّف فراغًا كبيرًا يصعب ملؤه.

 

مكانة الشيخ عبد المحسن النمر ودوره في المجتمع

 

لقد خسرنا برحيله عالـمًا فذًّا، ورجلًا جليلًا، شهد له المجتمع المؤمن بمنطقتنا بالفضل والعلم، وكان له دور ريادي في تنشيط بيئة الإيمان والتفاعل مع القيم الإسلامية.

 

وأنا، رغم قصر علاقتي به، إلا أنني وجدتُه رجلًا متميزًا في مسيرته الأكاديمية، فقد تخرج في إحدى أرقى الجامعات في البلاد، حيث نال درجة الامتياز من جامعة البترول، لكنه لم يكتفِ بذلك، بل توجّه إلى دراسة علوم النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، في خطوة تعكس تفانيه في طلب العلم، وإخلاصه في الإيمان، حين رأى أن واجبه أن يكرّس حياته في خدمة الدين.

 

هذا القرار الجريء يدلّ على وعيه العميق، واستعداده للتضحية من أجل الرسالة، وهو ما يجسد جوهر العمل الرسالي الناجح.

 

نمط مختلف في تبليغ الدين

 

من السمات البارزة في شخصية الشيخ عبد المحسن النمر (رضوان الله عليه)، أنه قدّم نمطًا مختلفًا في التبليغ، فقد كان رائدًا في منهجيته، حيث تجاوز الأسلوب التقليدي الذي يقتصر على انتظار الناس ليأتوا إلى العالم الديني، بل كان هو الذي يقصدهم، ويتقرب منهم، ويبادر إلى الحوار معهم.

 

علاقته بالشباب والنخب كانت استثنائية، فقد عرف كيف يجذبهم إلى الدين والثقافة الإيمانية، ونجح في إيجاد قنوات تواصل فعالة معهم.


وهذا ابتكارٌ مهم في العمل الديني، يتطلب منا جميعًا أن نواصل البحث عن طرق جديدة لفهم الشباب، والتواصل مع مختلف فئات المجتمع، لنرتقي بواقع التبليغ الديني إلى مستويات أكثر تأثيرًا.

 

إسهاماته في العمل النسائي

 

لم يقتصر دوره على الشباب والنخب، بل كان له بصمة واضحة في العمل النسائي، حيث أسّس جماعة مثالية تفاعلت بعمق مع الفكر الإسلامي، وستشهد الأجيال القادمة ثمار جهوده المباركة.

 

تواضعه وأخلاقه الرفيعة

 

من الصفات النادرة التي تميز بها الشيخ عبد المحسن النمر (رضوان الله عليه)، والتي لم يُذكر عنها الكثير، تواضعه العجيب.


 فعلى الرغم من كِبر سنّه، وتقدّمه في العلم، إلا أنه كان يُعامل الجميع بتواضعٍ بالغ، سواء مع عامة الناس أو مع طلبته.

 

كان يرى في طلبة العلم الصغار أبناءً له، بل ربما أحفادًا، لكنه لم يكن يتعامل معهم بفوقية، بل كان يناقشهم كزميلٍ لزميله، يستشيرهم، يتداول معهم الأفكار العلمية، ويشاركهم مشكلات العمل الديني بكل لطفٍ وصدقٍ وأريحية.

 

وهذا التواضع نحتاجه بشدّة في علماء الدين، فهو يزيدهم قربًا من الناس، ويجعلهم أكثر تأثيرًا في المجتمع.

 

روحيته الجاذبة وكلماته المؤثرة

 

قبل أي شيء، كان الشيخ عبد المحسن (رضوان الله عليه) يحمل روحًا إيمانيةً عميقة، وروحانيةً مؤثرة.


 كلماته لم تكن مجرد ألفاظ، بل كانت تخاطب القلب، وتحرك الوجدان، وتؤثر في النفوس.

 

وهذه الروح الإيمانية هي سرّ النجاح في العمل التبليغي، فالعلم وحده لا يكفي، بل يجب أن يكون العالم متصلاً بالله، نقيّ القلب، صادق النية، حتى ينعكس ذلك على كلماته، فتصل إلى القلوب قبل الآذان.

 

لقد وجدت في الشيخ عبد المحسن (رضوان الله عليه) نموذجًا للعالم الرباني، الذي يجعل العلم وسيلةً للهداية، وليس مجرد معلومات أكاديمية.


كان صوته يصل إلى الأرواح المتعطشة للحق، ويوقظ النفوس الغافلة.

 

رحمك الله يا أبا جعفر

 

تذكرت أبياتًا كتبتها في حياته، حيث تحدث عن الموت وما ينتظر المؤمن بعده، فقلتُ:

 وصوتٌ به أشرقتَ في قلبِ فتيةٍ
 نما قمراً حتى استبدّ به الخسفُ.

حنانيكَ عُدْ، إنّا ظماةٌ ورِينا صلاتك
 هذا الفجر أوشك فهل تغفو؟!

 

رحمك الله يا أبا جعفر

 

رحمك الله يا شيخنا الجليل، وحشرك مع محمدٍ وآل محمد، ورفع مقامك في جنان الخلد.


 وأعان من بقي بعدك على مواصلة المسيرة، وعلى بناء حصون الإسلام من جديد، حتى تمتد هذه الرسالة، وتتصل باليوم الذي يظهر فيه آل محمد (عليهم السلام).

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد