علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
عدنان الحاجي
عن الكاتب :
من المترجمين المتمرسين بالأحساء بدأ الترجمة عام ٢٠١١، مطّلعٌ على ما ينشر بشكل يومي في الدوريات العلمية ومحاضر المؤتمرات العلمية التي تعقد دوريًّا في غير مكان، وهو يعمل دائمًا على ترجمة المفيد منها.

ماذا لو لم يكن الانفجار العظيم هو بداية الكون؟

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

 

تشير أبحاثنا إلى أن الكون ربما حدث داخل ثقب أسود!

 

غالبًا ما يُوصف الانفجار العظيم بأنه الولادة الانفجارية للكون - لحظة استثنائية انبثق فيها بسرعة المكان والزمان والمادة وظهرت إلى الوجود. ولكن ماذا لو لم تكن هذه هي البداية على الإطلاق؟ ماذا لو انبثق كوننا من شيء آخر - شيء مألوف وجذري في الوقت نفسه؟

 

في ورقة بحثية جديدة (1)، نُشرت في مجلة "Physical Review D"، اقترحتُ أنا وزملائي بديلاً ملفتًا للانتباه. تفيد حساباتنا بأن الانفجار العظيم لم يكن بداية كل شيء، بل كان نتيجة تبدد أو انسحاق ثقالي (2) شكّل أو كوَّن ثقبًا أسود هائلًا (3) - أعقبه ارتداد داخل الثقب نفسه (انظر نظرية الارتداد العظيم (4)).

 

تقدم هذه الفكرة، التي نسميها الثقب الأسود الكوني (5)، رؤية مختلفة جذريًّا للأصول الكونية (المتمثلة في الانفجار العظيم)، إلا أنها تستند بالكامل إلى الفيزياء والإرصادات المعروفة.

 

لقد حقق النموذج الكوني القياسي (1) اليوم، القائم على الانفجار العظيم والتضخم الكوني (6) (فكرة أن الكون المبكر ازداد بسرعة في الحجم)، نجاحًا ملحوظًا في تفسير بنية الكون وتطوره زمنيًّا. لكن لا يخلو ذلك عن تبعات سلبية: حيث ترك بعضًا من أكثر الأسئلة جوهريةً بلا إجابة.

 

أحد الأسباب، يبدأ نموذج الانفجار العظيم بنقطة تفرد [التفرد يشير إلى تعطُّل تطبيق النسبية العامة، فلا يمكننا تتبع حالة التفرد تلك على وجه اليقين أكثر من فترة نهاية حقبة بلانك. ويسمى هذا التفرد أحيانًا «الانفجار العظيم»، ولكن هذا المصطلح قد يشير أيضًا إلى الحالة الأولى التي كانت أكثر حرارة وكثافة، التي تعتبر لحظة ميلاد الكون (8)]- وهي نقطة ذات كثافة لا نهائية تتعطل عندها قوانين الفيزياء. هذا ليس مجرد خلل فني؛ بل مشكلة نظرية عميقة تشير إلى أننا لا نفهم البداية على الإطلاق.

 

لتفسير بنية الكون من منظور واسع (9)، أدخل الفيزيائيون مرحلة قصيرة من التوسع السريع في الكون المبكر تسمى التضخم الكوني (6)، مدعومة بحقل غير معروف له خصائص غريبة. لاحقًا، لتفسير التوسع المتسارع المرصود في الزمن الحاضر، أضافوا عنصرًا "غامضًا" آخر: وهي الطاقة المظلمة (10، 11).

 

باختصار، يعمل نموذج لامبدا للمادة المظلمة الباردة بشكل جيد - ولكن فقط من خلال إدخال مكونات جديدة لم نرصدها بشكل مباشر من قبل (13). في غضون ذلك، تظل الأسئلة الأساسية مفتوحة: من أين انبثق الكون؟ لماذا بدأ بهذه الطريقة؟ ولماذا الكون منبسط جدًّا (14) وكبير جدًّا ومتوسط كثافة المادة المضيئة في الكون هو نفسه تقريبًا في كل الاتجاهات (15)؟.

 

نموذج جديد

 

يتناول نموذجنا الجديد هذه الأسئلة من زاوية مختلفة، من خلال النظر إلى الداخل بدلاً من الخارج. فبدلاً من البدء بكون يتوسع ومحاولة اقتفاء بدايته، ندرس ما يحدث عندما تنسحق مادة فائقة الكثافة بفعل الجاذبية.

 

هذه عملية مألوفة: تكوِّن الثقوب السوداء النجمية الناشئة من تقلص نجوم عملاقة (16)، وهي من أكثر الأجرام التي تناولتها الدراسات في الفيزياء. لكن ما يحدث داخل الثقب الأسود، وراء أفق الحدث (17) الذي لا يمكن لأي شيء الهروب منه، لا يزال محيرًا.

 

في عام 1965، أثبت الفيزيائي البريطاني روجر بنروز Roger Penrose أنه في ظل ظروف عامة للغاية، لا بد أن يؤدي الانسحاق العظيم  (2، 18)  إلى التفرد. هذه النتيجة، التي طوّرها الفيزيائي البريطاني الراحل ستيفن هوكينغ وآخرون (19)، تدعم فكرة أن التفردات - مثل تلك التي حدثت عند الانفجار العظيم - حتمية.

 

ساعدت هذه الفكرة بنروز في الفوز بجائزة نوبل في الفيزياء لعام 2020، وأصبحت مصدر إلهام لكتاب هوكينغ الأكثر مبيعاً على النطاق العالمي "تاريخ موجز للزمن: من الانفجار العظيم إلى الثقوب السوداء (21)". ولكن لا بد من الحذر. تعتمد "نظريات التفرد" هذه على "الفيزياء الكلاسيكية" التي تصف الأجرام العيانية العادية (22). وإذا أضفنا تأثيرات ميكانيكا الكم، التي تحكم الكون الأصغر (23) من الذرات والجسيمات، كما هو الحال في الكثافات القصوى، فقد تتغير قصة بداية الكون.

 

في ورقتنا الجديدة (24)، نُثبت بأن الانسحاق الثقالي لا ينتهي بالضرورة إلى نقطة تفرد. لقد وجدنا حلاًّ تحليلياً دقيقاً - نتيجة رياضية بدون تقريبات. تُثبت حساباتنا أنه مع اقترابنا من نقطة التفرد الممكنة، يتغير حجم الكون كدالة هذلولية للزمن الكوني (26). يصف هذا الحل الرياضي البسيط كيف يمكن لأمامة من المادة المنهارة أن تصل إلى حالة كثافة عالية ثم ترتد، عائدةً إلى مرحلة تمدد جديدة  (2، 4، 27).

 

لكن كيف لا تسمح نظريات بنروز بمثل هذه المخرجات؟ يعود الأمر كله إلى قاعدة تُسمى مبدأ استبعاد باولي (28، 29)، والتي تنص على أنه لا يمكن لجسيمين متطابقين، يُعرفان بالفرميونات (30)، أن يشغلا نفس الحالة الكمومية (مثل الزخم الزاوي (31)، أو "الدوران المغزلي"). وأثبتنا أن هذه القاعدة لا تسمح لهذه الجسيمات في المادة المنهارة من الانضغاط إلى أجل غير مسمى. ونتيجة لذلك، يتوقف الانهيار وينعكس (يرتد). الارتداد ليس ممكنًا فحسب، بل حتمي في ظل ظروف مناسبة.

 

الأهم من ذلك، أن هذا الارتداد يحدث بالكامل ضمن إطار النسبية العامة، التي تنطبق على  الأجرام الكبيرة كالنجوم والمجرات، مقترنًا بالمبادئ الأساسية لميكانيكا الكم - لا حاجة لجسيمات غريبة (32) أو أبعاد أخرى أو فيزياء افتراضية.

 

ما يظهر على الجانب الآخر من الارتداد هو كون يشبه كوننا بشكل ملحوظ. والأكثر إثارة للدهشة هو أن الارتداد ينتج  طبيعيًّا مرحلتين منفصلتين من التمدد المتسارع - التضخم والطاقة المظلمة - مدفوعتين ليس بجسيمات افتراضية، بل بفيزياء الارتداد نفسها.

 

تنبؤات قابلة للاختبار

 

من نقاط قوة هذا النموذج أنه يُقدم تنبؤات قابلة للاختبار. فهو يتنبأ بمقدار ضئيل، وإن كان غير صفري، من الانحناء المكاني الموجب (33) - أي أن الكون ليس منبسطًا تمامًا، بل منحنٍ قليلاً، كانحناء سطح الأرض.

 

هذا ببساطة من آثار كثافة أولية أكثر قليلًا في أحد الجوانب من الجوانب الأخرى، والتي أدت إلى الانهيار. لو أكدت الأرصاد في المستقبل، مثل مهمة مقراب إقليدس الجارية (34)، وجود انحناء موجب بسيط، فسيكون ذلك قرينة قوية على أن كوننا قد نشأ بالفعل من هذا الارتداد. كما أنه يُقدم تنبؤات حول معدل توسع الكون الحالي، وهو ما تم التحقق من حدوثه بالفعل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- http://https://theconversation.com/the-universe-is-smoother-than-the-standard-model-of-cosmology-suggests-so-is-the-theory-broken-238098

2- https://ar.wikipedia.org/wiki/الانسحاق_العظيم

3- https://ar.wikipedia.org/wiki/ثقب_أسود

4- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/نظرية_الارتداد_العظيم

5- https://ar.wikipedia.org/wiki/ثقب_أسود_كوني

6- https://ar.wikipedia.org/wiki/تضخم_كوني

7- https://ar.wikipedia.org/wiki/تفرد_جذبوي

8- https://ar.wikipedia.org/wiki/الانفجار_العظيم

9- https://ar.wikipedia.org/wiki/بنية_الكون_من_منظار_واسع

10- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/طاقة_مظلمة

11- https://theconversation.com/dark-energy-could-the-mysterious-force-seen-as-constant-actually-vary-over-cosmic-time-238247

12- https://ar.wikipedia.org/wiki/نموذج_لامبدا-سي_دي_إم

13- https://theconversation.com/cosmology-is-at-a-tipping-point-we-may-be-on-the-verge-of-discovering-new-physics-237695

14- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/مسألة_التسطيح

15- https://physics.stackexchange.com/questions/687852/what-does-it-mean-when-we-say-the-universe-is-smooth-and-regular-on-a-large-sca

16- https://ar.wikipedia.org/wiki/ثقب_أسود_نجمي

17- https://ar.wikipedia.org/wiki/أفق_الحدث

18- https://journals.aps.org/prl/abstract/10.1103/PhysRevLett.14.57

19- https://royalsocietypublishing.org/doi/10.1098/rspa.1970.0021

20- https://www.goodreads.com/book/show/3869.A_Brief_History_of_Time

21- https://nasainarabic.net/main/articles/view/brief-history-of-time-book?fb_comment_id=952387614824781_1566710713392465

22- https://ar.wikipedia.org/wiki/مقياس_عياني

23- https://ar.wikipedia.org/wiki/العالم_الصغير_والعالم_الكبير

24- https://journals.aps.org/prd/abstract/10.1103/PhysRevD.111.103537

25- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/دوال_زائدية

26- https://en.wikipedia.org/wiki/Cosmic_time

27- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/انهيار_تثاقلي

28- https://ar.wikipedia.org/wiki/مبدأ_استبعاد_باولي

29- https://cerncourier.com/a/putting-the-pauli-exclusion-principle-on-trial/

30- https://ar.wikipedia.org/wiki/فرميون

31- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/زخم_زاوي

32- https://ar.wikipedia.org/wiki/مادة_غريبة

33- https://ar.wikipedia.org/wiki/شكل_الكون

34- https://ar.wikipedia.org/wiki/إقليدس_(مقراب_فضائي)

المصدر الرئيس

https://theconversation.com/what-if-the-big-bang-wasnt-the-beginning-our-research-suggests-it-may-have-taken-place-inside-a-black-hole-258010

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد